باب قتال أهل البغي .
أي الجور والظلم والعدول عن الحق والبغي بتشديد الياء الزانية وهم الخارجون على الإمام ولو غير عدل بتأويل سائغ ولهم شوكة ولو لم يكن فيهم مطاع سموا بغاة لعدولهم عن الحق وما عليه أئمة المسلمين والأصل في قتالهم قوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } ولحديث [ من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه ] رواه أحمد و مسلم وعن ابن عباس مرفوعا [ من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فميتته ميتة جاهلية ] متفق عليه وقاتل على أهل النهروان فلم ينكره أحد ومتى اختل شرط من ذلك بأن لم يخرجوا على إمام أوخرجوا عليه بلا بتأويل أو بتأويل غيرسائغ أوكانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم كالعشرة ف الهمزة قطاع طريق وتقدم حكمهم في الباب قبله ونصب الإمام فرض كفاية لحاجة الناس لذلك لحماية البيضة والذب عن الحوزة وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويخاطب بذلك من توجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم لها وتأتي شروطها وأهل الاجتهاد حتى يختاروا وشرطهم العدالة والعلم الموصل إلى معرفة مستحق الإمامة وأن يكونوا من أهل الرأي والتدبير المؤديين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح ويثبت نصب إمام بإجماع أهل الحل والعقد على اختيار صالح لها مع اجابته كخلافة الصديق فيلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته و يثبت أيضا ب نص أي عهد إمام بالإمامة لمن يصلح لها ناصا عليه بعده ولا يحتاج في ذلك بلا موافقة أهل الحل والعقد كعهد أبي بكر إلى عمرBهما في الخلافة و يثبت أيضا ب اجتهاد لأن عمر جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع الاتفاق على عثمان Bه و يثبت أيضا ب قهر من يصلح لها غيره عليها فتلزم الرعية طاعته لأن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبيرفقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما ولأن في الخروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وإذهاب أموالهم لقرشي متعلق بيثبت لقول المهاجرين للانصار أن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ورووا لهم في ذلك الأخبارقال أحمد في رواية مهنا لا يكون من غيرقريش خليفة حر فلا يكون الإمام رقيقا ولا مبعضا لأن له الولاية العامة فلام يكون مولى عليه ذكر فلا ولاية لأنثى كالقاضي وأولي عدل لما سبق وقال أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار ومن غلب عليهم بالسيف حق صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا عالم بالأحكام الشرعية لاحتياجه إلى مراعاتها في أمره ونهيه كاف ابتداء ودواما أي قائما بأمر الحرب والسياسة وإقامة الحدود لا تلحقه رأفة في ذلك ولذب عن الأمة والاغماء لا يمنع عقدها ولا استدامتها : لأنه A أغمي عليه في مرضه ويمنعها الجنون والخبل المطبق وكذا إن كان في أكثر زمانه ولا يمنعها ضعف البصر إن عرف به الأشخاص إذا رآها ولا فقد الشم وذوق الطعام لأنه لا مدخل لهما في الرأي والعمل ولا تمتمة اللسان ولا ثقل السمع مع إدراك الصوت إذا علا ولا فقد الذكر والانثيين بخلاف قطع اليدين والرجلين لعجزه عما يلزمه من حقوق الأمة من العمل باليد أو النهضة بالرجل وإن قهره من أعوانه من يستبد بتدبير الأمور من غيرتظاهر بمعصية ولا مجاهرة بشقاق لم يمنع ذلك من استدامته ثم إن جرت أفعاله على أحكام الدين جاز إقراره عليها تنفيذا لها وامضاء لئلا يعود الأمر بفساد على الأمة وإن خرجت عن أحكام الدين لم يجز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض على يده ويزيل تغلبه ويجبر على إمامة متعين لها لأنه لابد للمسلمين من حاكم لئلا تذهب حقوق الناس وهو أي الإمام وكيل المسلمين فله عزل نفسه مطلقا كسائر الوكلاء ولهم أي المسلمين عزله إن سألها أي العزلة بمعنى العزل لا الإمامة لقول الصديق أقيلوني أقيلوني قالوا لا نقيلك ورد في الاقناع كلام التنقيح هنا كما نقلته في الحاشية ولوحمله على ما أشرت إليه لم يعارض كلامه كلام غيره وإلا يسأل العزل فلا يعزلونه سأل الإمامة أولا لما فيه من شق عصا المسلمين ويحرم قتاله أي الإمام لحديث من خرج على أمتي وهم جمع فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان وإن تنازعها أي الإمامة متكافئان ابتدؤ ا دواما أقرع بينهما فيبايع من خرجت له القرعة وإن بويعا واحدا بعد واحد فالامام هو الأول منهما و إن بويعا معا أو جهل السابق منهما بطل العقد لامتناع لعدد الامام وعدم المرجح لأحدهما وضفة العقد أن يقول له كل من أهل الحل والعقد قد بايعناك على إقامة العدل والانصاف والقيام بفروض الأمة ولا يحتاج مع ذلك إلى صفقة اليد فإذا ثبتت إمامته لزمه حفظ الدين على أصوله التي أجمع عليها سلف الأمة فإن زاغ ذو شبهة عنه بين له الحجة وأخذه بما يلزمه حراسة للدين من الخلل وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع خصومتهم وحماية البيضة والذب عن الحوزة ليتصرف الناس في معايشهم ويسيروا في الأسفار آمنين وإقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى وحقوق عباده وتحصين الثغور بالعدة المانعة وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع وتقدير ما يستحق من بيت المال بلا سرف ولا تقصير ودفعه في وقته بلا تقديم ولا تأخيرواستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم ضبطا للأعمال وحفظا للأموال وإن يباشر بنفسه مشارفة الأمور ويتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة ولا يعول على التفويض فربما خان الأمين وغش لناصح فإذا قام الإمام بحقوق الأمة فله عليهم حقان الطاعة والنصرة وتلزمه مراسلة بغاة لأنها طريق إلى الصلح ورجوعهم إلى الحق وروى أن عليا راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله تعالى ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف و تلزمه إزالة شبههم ليرجعوا إلى الحق و تلزمه إزالة ما يدعونه من مظلمة لأنه وسيلة إلى الصلح المأمور بقوله تعالى : { فأصلحوا بينهما } فإن نقموا مما لا يحل فعله أزاله وإن نقموا مما يحل فعله لالتباس الأمر فيه عليهم فاعتقدوا مخالفته للحق بين لهم دليلة وأظهر لهم وجهه لبعث علي ابن عباس إلى الخوارج لما تظاهروا بالعبادة والخشوع وحمل المصاحف في أعناقهم ليسألهم عن سبب خروجهم وبين لهم الحجة التي تمسكوا بها في قصة مشهورة فإن فاؤا أي رجعوا عن البغي وطلب القتال تركهم والا يفيؤا لزم إماما قادرا قتالهم لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } و يجب على رعيته معونته لقوله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وحديث أبي ذر مرفوعا [ من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ] رواه أحمد و أبوداود وربقة الإسلام بفتح الراء وكسرها استعارة لما يلزم العنق من حدود الإسلام وأحكامه فان استنظروه أي قالوا له أنظرنا مدة حتى نرى رأينا ورجا فيئتهم في تلك المدة انظرهم وجاوبا حفظا لدماء المسلمين وإن خاف مكيدة كمدد يأتيهم أو تحيزهم إلى فئة تمنعهم أويكثر جمعهم ونحوه فلا يجوزله إنظارهم لأنه طريق إلى قهر أهل الحق ولو أعطوه مالا أو رهنا على تأخير القتال إذن لأن الرهن يخلى سبيله إذا انقضت الحرب كالاسارى وإن سألوه الأنظار أبدا ويدعهم وما عليه ويكفوا عن أهل العدل فإن قوي عليهم لم يجزا قرارهم والاجاز ويحرم قتالهم بما يعم اتلافه المقاتل وغيره والمال كمنجنيق ونار لان إتلاف أموالهم وغير المقاتل لا يجوز إلا لضرورة تدعوه إليه كدفع الصائل و يحرم استعانة عليهم بكافر لأنه تسليط له على دماءالمسلمين وقال تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } الا لضرورة كعجزأهل الحق عنهم وكفعلهم بنا إن لم نفعله بهم فيجوز رميهم بما يعم إتلافه إذا فعلوه بنا لولم نفعله وكذا الاستعانة بكافر و يحرم أخذ ما لهم لأنه مال معصوم و يحرم أخذ وقتل ذريتهم لأنهم معصومون لاقتال منهم ولا بغي و يحرم قتل مدبرهم و قتل جريحهم ولومن نحوخوارج إن لم نقل بكفرهم وما في الاقناع مبني على القول بكفرهم كما في الكافي لعصمته وزوال قتاله وروى سعيد عن مروان قال صرخ صارخ لعلي يوم الجمل لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهوآمن ومن ألقى السلاح فهوآمن وعن عمار نحوه وكالصائل ولأنه قتل من لم يقاتل قال في المستوعب المدبر من انكسرت شوكته الا المنحرف إلى موضع و يحرم قتل من ترك القتال لما تقدم ولا قود فيه أي في قتل من يحرم قتله منهم للشبهة ويضمن بالدية لأنه معصوم ويكره لعدل قصد رحمة الباغي كأخيه وعمه بقتل لقوله تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } وقال الشافعي كف النبي A أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وتباح استعانة عليهم أي البغاة بسلاح أنفسهم وخيلهم وعبيدهم وصبيانهم لضرورة فقط لعصمة الإسلام أموالهم وذرياتهم وإنما أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة وأما جوازه مع الضرورة فكأكل مال الغيرفي المخمصة من أسر منهم أي البغاة ولو صبيا أو أنثى حبس حتى لا شوكة له ولا حرب دفعا لضررهم عن أهل العدل لأنه ربما تحصل منهم مساعدة المقاتلة وفي حبسهم كسر قلوب البغاة وإذا انقضت الحرب فمن وجد منهم أي البغاة ماله بيد غيره من أهل عدل وبغي أخذه منهم لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين فلا يجوز اغتنامها لبقاء ملكهم عليها وعن علي أنه قال يوم الجمل من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب علي وهو يطبخ فيها فسأله إمهاله حتى ينضج الطبيخ فأبى وكبه وأخذها ولا يضمن بغاة ما أتلفوه على أهل عدل حال حرب ك ما لا يضمن أهل عدل ما أتلفوه لبغاه حال حرب لأن عليا لم يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب من نفس ومال قال الزهري هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله A متوافرون فأجمعوا أنه لا يقاد واحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد ذكره أحمد في رواية الاثرم محتجا به ويضمنان أي أهل العدل والبغاة ما أتلفاه في غير حرب أي يضمن كل ما أتلفه من نفس أو مال في غير حرب لاتلافه معصوما بلا حق ولا ضرورة دفع وما أخذوا أي البغاة حال امتناعهم عن أهل العدل أي حال شوكتهم من زكاة وخراج وجزية اعتد به لدافعه إليهم فلا يؤخذ منه ثانيا إذا ظفر به أهل العدل لأن عليا لما ظفر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جباه البغاة وكان ابن عمر وسلمة بن الاكوع يأتيهم ساعي نجدة الحروري فيدفعون إليه زكاتهم ولأن في ترك الاحتساب بذلك ضررا عظيما على الرعايا ويقبل بلا يمين ممن عليه زكاة دعوى دفع زكاة إليهم أي البغاة كدعوى دفعها إلى الفقراء ولأنها حق الله تعالى فلا يستحلف عليها كالصلاة و لا تقبل دعوى دفع خراج إليهم إلا ببينة ولا دعوى دفع جزية اليهم إلا ببينة لأن كلا منهما عوض والأصل عدم الدفع وهم أي البغاة في شهادتهم و في إمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل لأن التأويل السائغ في الشرع لا يفسق به الذاهب إليه أشبه المخطىء من الفقهاء في فرع فيقضي بشهادة عدولهم ولا ينقض حكم حاكمهم إلا ما خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعا ويجوز قبول كتابه وامضاؤه إن كان أهلا للقضاء قال ابن عقيل تقبل شهادتهم فيؤخذ عنهم العلم ما لم يكونوا دعاة ذكره أبو بكر وأما الحوارج وأهل البدع إذا خرجوا عن الإمام فلا تقبل لهم شهادة ولا ينفذ لقضائهم حكم لفسقهم وإن استعانوا أي البغاة بأهل ذمة أو أهل عهد انتقض عهدهم وصاروا كلهم أهل حرب لقتالهم لنا كما لو انفردوا به إلا إن ادعوا أي أهل الذمة والعهد شبهة ك ظن وجوب إجابتهم أي البغاة لكونهم مسلمين وقالوا لا نعلم البغاة من أهل العدل أوظننا أنهم أهل العدل وأنه يجب علينا القتال معهم ويقبل منهم ذلك لأنه ممكن ولم يتحقق سبب النقض ويضمنون أي أهل الذمة والعهد ما أتلفوه على المسلمين من نفس ومال كما لو انفردوا بإتلافه بخلاف البغاة فإن الله تعالى أمر بالإصلاح بين المسلمين والتضمين ينافيه لما فيه من التنفيروأما الكفار فعداوتهم قائمة ما داموا كذلك فلا ضرر في تضمينهم وإن استعانوا أي البغاة بأهل حرب وأمنوهم ف أمانهم كعدمه لأنهم عقدوه على قتالنا وهو محرم فلا يكون سببا لعصمتهم فيباح قتلهم مقبلين ومدبرين وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى بغاة لأنهم أمنوهم فلا يغدرونهم