باب حد قطاع الطريق .
والأصل فيه قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } - الآية قال ابن عباس وأكثر المفسرين نزلت في قطاع الطريق من المسلمين لقوله تعالى بعد ذلك { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } والكفارتقبل توبتهم بعد القدرة عليهم وقبلها وأما الحد فلا يسقط بالتوبة بعد وجوبه وهم المكلفون الملتزمون من المسلمين وأهل الذمة وينتقض به عهدهم ولو كان المكلف الملتزم أنثى لأنها تقطع في السرقة فلزمها حكم المحاربة كالرجل بجامع التكليف الذين يعرضون للناس بسلاح ولو كان سلاحهم عصا أو حجرا في صحراء أو بنيان أو بحر لعموم الآية بل ضررهم في البنيان أعظم فيغصبون مالا محترما مجاهرة فخرج الصغيروالمجنون والحربي ومن يعرض لنحو صيد أو يعرض للناس بلا سلاح لأنهم لا يمنعون من قصدهم وخرج أيضا من يغصب نحوكلب أو سرجين نجس أو مال حربي ونحوه ومن يأخذ خفية لأنه سارق وأما المحارب فيعتصم بالقتال دون الخفية ويعتبر لوجوب حد المحارب ثلاثة شروط أحدها ثبوته أي قطع الطريق ببينة أو إقرار مرتين كالسرقة و الثاني الحرز بأن يأخذه من يد مستحقه وهو بالقافلة : فلو وجده مطروحا أو أخذه من سارقه أو غاصبه أو منفردا عن قافلة لم يكن محاربا و الثالث النصاب الذي يقطع به السارق فمن قدر عليه من المحاربين وقد قتل إنسانا في المحاربة ولو كان القتل بمثقل أو سوط أو عصى أوقتل من لا يقاد به المحارب كما لوقتله في غير الحرابة كولده وقن يقتله حر و ك ذمي يقتله مسلم وكان قتل كل ممن ذكر لقصد ماله وأخذ مالا قتل حتما لوجوبه لحق الله تعالى كالقطع في السرقة ثم صلب قاتل من يقاد به لوقتله في غير المحاربة لقوله تعالى : { أن يقتلوا أو يصلبوا } حتى يشتهر ليرتدع غيره ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن ذكره في الإقناع ولا يقطع مع ذلك أي مع القتل والصلب لأنه لم يذكر معهما في حديث ابن عباس الذي رواه عنه الشافعي باسناده [ إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا واذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض ] وروى نحوه مرفوعا ولأن القتل والقطع عقوبتان تتضمن إحداهما الأخرى لأن إتلاف البدن يتضمن إتلاف اليد والرجل فاكتفى بقتله كما لو قطع يد إنسان ورجله ثم قتله في الحال ولو مات محارب قتل من يكافئه أو قتل قبل قتله للمحاربة لم يصلب لعدم الفائدة فيه وهي اشتهار أمره في القتل في المحاربة لأنه لم يقتل فيها وكذا قاتل من لا يكافئه كولده وذمي وقن ولا يتحتم قود فيما دون نفس على محارب فإن قطع يدا أو رجلا أو نحوهما فلولي الجناية القود أو العفو لأن القود إنما تحتم إذا قتل لأنه حد المحاربة بخلاف الطرف فإنه يستوفي قصاصا لاحدا وردء محارب مبتدأ أي مساعده ومغيثه إن احتاج إليه وطليع يكشف للمحارب حال القافلة ليأتوا إليها كمباشر خبر كاشتراك الجيش في الغنيمة إذا دخلوا دار الحرب وباشر بعضهم القتال ووقف الباقون للحراسة ممن يدهمهم من ورائهم وكذا العين الذي يرسله الإمام ليعرف أحوال العدو وظاهره حتى في المال وفي المغني و الوجيز إلا في ضمان المال فيتعلق بآخذه خاصة وحكاه في الفروع بقيل فردء غير مكلف كهو أي المباشرغيرالمكلف فيضمن الردء المكلف ما باشرأخذه غيرالمكلف ولا حد لأن الردء تبع للمباشر ودية قتيل غيرمكلف على عاقلته ولو قتل بعضهم أي المحاربين المكلفين ولم يأخذ مالا ثبت حكم القتل في حق جميعهم فإن قدرعليهم قبل أن يتوبوا قتل من قتل ومن لم يقتل من المكلفين لما تقدم في الردء وإن قتل بعض لأخذ المال وأخذ المال بعض أخر تحتم قتل الجميع وصلبهم كما لوفعل ذلك كل منهم وإن قتل محارب فقط لقصد المال قتل حتما ولم يصلب لما تقدم عن ابن عباس ولأن جنايتهم بالقتل وأخذ المال تزيد على جنايتهم بالقتل وحده فوجب اختلاف العقوبتين وإن لم يقتل محارب وأخذ نصابا لا شبهة له فيه من بين القافلة لا من منفرد عن قافلة قطعت يده أي يد كل من المحاربين اليمنى ثم رجله اليسرى لقوله تعالى : { من خلاف } ورفقا به في إمكان مشيه في مقام واحد حتما فلا ينظر بقطع إحداهما اندمال الأخرى لأنه تعالى أمر بقطعهما بلا تعرض للتأخير والأمر للفور فتقطع يمنى يديه وتحسم ثم رجله اليسرى وتحسم وحسمتا وجوبا لحديث [ اقطعوه واحسموه ] ويخلى سبيله لاستيفاء ما لزمه كالمدين يوفى دينه فلو كانت يده اليسرى مفقودة قطعت رجله اليسرى فقط أو كانت يمينه شلاء أو كانت يمينه مقطوعة أو كانت يمينه مستحقة في قرد قطعت رجله اليسرى فقط لئلا تذهب منفعة جنس اليد وإن عدم يمنى يديه لم تقطع يمنى رجليه بل يسراهما فقط كما تقدم وإن حارب مرة ثانية بعد قطع يمنى يديه ويسرى رجليه لم يقطع منه شيء لما تقدم في السارق وقياسه أن يحبس حتى يتوب وتتعين دية لقود لزم بعد محاربته بأن قتل بعدهما عمدا مكافئا لتقديمها أي المحاربة بسبقها وكذا لو مات محارب لزمه قود بعد محاربته قبل قتله للمحاربة فتتعين الدية لفوات محل القود وإن لم يقتل أحد من المحاربين أحدا ولا أخذ مالا يبلغ نصابا لا شبهة له فيه من حرزه نفى وشرد ولو قنا لقوله تعالى : { أو ينفوا من الأرض } وما تقدم عن ابن عباس أن النفي لا يكون إلا في هذه الحال ولأن المناسب أن يكون الأخف بازاء الأخف ومنه علم أن أوفى الآية ليست للتخييرولا للشك بل للتنويع فلا يترك يأوي إلى بلد حتى تظهر توبته عن قطع الطريق وتنفى الجماعة متفرقة كل إلى جهة لئلا يجتمعوا على المحاربة ثانيا ومن تاب منهم أي المحاربين بعد قدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى من صلب وقطع يد أو رجل ونفى وتحتم قتل لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم } وكذا خارجي وباغ ومرتد ومحارب تاب قبل قدرة عليه وأما من تاب منهم بعد قدرة عليه فلا يسقط عنه شيء مما وجب عليه لمفهوم قوله تعالى : { من قبل أن تقدروا عليهم } ولأن ظاهرحال من تاب قبل القدرة أن توبته توبة إخلاص وأما بعدها فالظاهر أنها توبة تقية من إقامة الحد عليه ولأن في قبول توبته قبل القدرة ترغيبا له فيها بخلاف ما بعد القدرة عليه فإنه لا حاجة إلى ترغيبه فيها ويؤخذ غير حربي من ذمي أو معاهد ومستأمن أسلم بحق الله تعالى إن وجب عليه حال كفره كنذر وكفارة لاحد زنا ونحوه وحق آدمي طلبه من قصاص في نفس أو دونها وغرامة مال ودية مالا قصاص فيه وحد قذف كما قبل الإسلام وقوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وحديث الإسلام يجب ما قبله في الحربيين أوخاص بالكفرجمعا بين الأدلة ومن وجب عليه حد سرقة أو حد زنا أو حد شرب فتاب منه قبل ثبوته عند حاكم سقط عنه بمجرد توبته قبل إصلاح عمل لقوله تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } وقوله بعد ذكر حد السارق { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه } وقوله A [ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ] ولإعراضه A عن المقر بالزنا حتى أقر أربعا فإن ثبت عند الحاكم لم يسقط بالتوبة لحديث [ تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ] رواه أبو داود و النسائي كB ما يسقط حد مطلقا بموت لفوات محله كسقوط غسل ما ذهب من أعضاء الطهارة