فصل في دية المنافع .
من سمع وبصر وشم ومشي ونكاح ونحوها تجب الدية كاملة في كل حاسة أي القوة الحساسة يقال حس وأحس : أي علم وأيقن وبالألف أفصح وبها جاء القرآن قال الجوهري : الحواس المشاعر الخمس : السمع والبصر والشم والذوق واللمس فقوله من سمع وبصر وشم وذوق بيان الحاسة لحديث وفي السمع الدية ولأن عمر قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي ذكره أحمد ولا يعرف له مخالف من الصحابة ولأن كلا منها يختص بنفع أشبه السمع و تجب كاملة في إذهاب كلام كأن جنى عليه فتحرس لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفقته كاليد و تجب كاملة في عقل قال بعضهم بالإجماع لما في كتاب عمرو بن حزم وروى عن عمر وزيد ولأنه أكبر المعاني قدرا وأعظمها نفعا إذ به يتميز الإنسان عن البهائم وبه يهتدي للمصالح ويدخل في التكليف وهو شرط للولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات و تجب كاملة في حدب بفتح الحاء والدال المهملتين مصدر حدب بكسر الدال إذا صار أحدب لذهاب الجمال بذلك لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات و تجب كاملة في صعر بفتح المهملتين بأن يضرب فيصير وجهه أي المضروب في جانب نصا وأصل الصعر داء يأخذ البعيرفي عنقه فيلتوي منه عنقه قال تعالى : { ولا تصعر خدك للناس } أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا و تجب كاملة في تسويده أي الوجه بأن ضربه فاسود ولم يزل سواده لأنه فوت الجمال على الكمال فضمنه بديته كقطع أذني الأصم وإن صار الوجه أحمر أو أصفر فحكومة كما لو سود بعضه لأنه لم يذهب الجمال على الكمال و تجب كاملة في صيرورته أي المجنى عليه لا يستمسك غائطا أو لا يستمسك بولا لأن كلا منهما منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها أشبه السمع والبصر فإن فاتت المنفعتان ولو بجناية واحدة فديتان و تجب كاملة في منفعة مشي لأنه نفع مقصود أشبه الكلام و تجب كاملة في منفعة نكاح كان كسر صلبه فذهب نكاحه روى عن علي لأنه نفع مقصود أشبه المشي و تجب كاملة في منفعة أكل لأنه نفع مقصود أشبه الشم و تجب كاملة في ذهاب منفعة صوت و في منفعة بطش لأن في كل منهما نفعا مقصودا و تجب في ذهاب بعض يعلم قدره مما تقدم من المنافع بقدره أي الذاهب لأن ما وجب في جميع الشيء وجب في بعضه بقدره كان جنى عليه فصار يجن يوما ويفيق يوما آخر أو يذهب ضوء عين واحدة أو يذهب شم منخر واحد أو يذهب سمع أذن واحدة أو يذ هب أحد المذاق الخسر وهي : الحلاوة والمرارة والعذوبة والملوحة والحموضة لأن الذوق حاسة تشبه الشم وفي كل واحدة من المذاق الخمس خمس الدية وفي اثنتين منها خمساه وهكذا و يجب في اذهاب بعض الكلام بحسابه من الدية ويقسم الكلام على ثمانية وعشرين حرفا جعلا للألف المتحركة واللينة حرفا واحدا لتقارب مخرجهما وانقلاب إحداهما إلى الأخرى ففي نقص حرف منها ربع سبع الدية وفي حرفين نصف سبعها وفي أربعة سبعها وهكذا وسواء ما خف علي اللسان أوثقل لأن كل ما فيه مقدر لا يختلف باختلاف قدره كالأصابع وإن لم يعلم قدره أي البعض الذاهب كنقص سمع وبصر وشم ومشي وانحناء قليلا أو بأن صار مجني عليه مدهوشا أو صار في كلامه تمتمة بأن صار تمتاما يكرر التاء أو فأفاء يكرر الفاء ونحوه أو صار في كلامه عجلة أو ثقل أو صار لا يلتفت إلا بشدة أو صار لا يبلع ريقه إلا بشدة أو أسود بجناية عليه بياض عينيه أو أحمر أو تقلصت شفته بعض التقلص أو تحركت سنه أو احمرت أو اصفرت أو اخضرت أو كلت أي ذهبت حدتها بحيث لا يمكنه عض شيء بها فعليه حكومة لأنه لا يمكن تقديرذلك فوجب ما تخرجه الحكومة ومن صار ألثغ بجناية عليه فله على جان دية الحرف الذاهب لإتلافه إياه ولو صار يبدل حرفا بآخر بأن كان يقول درهم فصار يقول دلهم أو دنهم لأن البدل لا يقوم مقام الذاهب في القراءة ولا غيرها فإن جنى عليه فذهب البدل أيضا وجبت ديته لأنه الأصل ولو أذهب كلام الثغ قبل جنايته عليه فإن كان مأيوسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف لأنه أتلفه بجنايته عليه وإلا يكن مأيوسا من ذهاب لثغته كصغير ف عليه الدية كاملة لأن الظاهر زوالها وكذا كبيريمكن زوال لثغته بالتعليم وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما لأن كلا من اللسان والكلام مضمون بالدية لو انفرد إذ لو ذهب نصف اللسان ولم يذهب من الكلام شيء أوذهب نصف الكلام ولم يذهب من اللسان شيء وجب نصف الدية فعلى من قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام نصف الدية لأنه وجب عليه بقطع ربع اللسان ربع الدية وبقي ربع الكلام لا متبوع له فيجب عليه أيضا ربع الدية وعلى من قطع بقيته أي اللسان الذاهب ربعه مع نصف الكلام فذهب بقطعه بقية الكلام تتمتها أي الدية وهونصفها مع حكومة لربع اللسان الذي لا كلام فيه لأنه أشل ولو قطع جان نصفه أي اللسان فذهب بقطعه ربع الكلام ثم قطع آخر بقيته أي اللسان فذهب باقي الكلام فعلى الجاني الأول نصفها أي الدية لقطعه نصف اللسان وعلى الجاني الثاني ثلاثة أرباعها أي الدية لاذهابه ثلاثة أرباع الكلام كما لوأذهب مع بقية اللسان أو ما بقي منه ومن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه فدية أو كان من قطع لسانه أخرس ف على قاطعه دية واحدة في اللسان وتندرج فيه منفعته كالعينين وإن ذهبا أي النطق والذوق بجناية واللسان باق فديتان أو انكسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه فديتان لأن كلا من المنفعتين مستقلة بنفسها فضمنت بدية كاملة كما لو انفردت وإن ذهب بكسر صلبه ماؤه فالدية أو ذهب بكسر صلبه احباله بأن صار منيه لا يحمل منه فالدية ذكره في الرعاية وهو معنى ما في الروضة : إن ذهب نسله فالدية ولا يدخل أرش جناية أذهبت عقله في ديته كما لوشجه فذهب بها عقله فعليه دية للعقل وأرش للشجة لأنهما شيئان متغايران أشبه ما لو ضربه على رأسه فأذهب سمعه وبصره ويقبل قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه أي أن سمعه أو بصره نقص لأنه لا يعلم إلا من جهته وله حكومة وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت التي ادعى نقص ضوئها وأطلقت الأخرى ونصب له شخص ويتباعد عنه حتى تنتهي رؤيته فيعلم الموضع ثم تشد الصحيحة وتطلق الأخرى وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته فيعلم ثم يدار الشخص إلى جانب آخر ويصنع كذلك ثم يعلم عند المسافتين ويذرعان ويقابل بينهما فإن استوتا فقد صدق وله من الدية بقدر ما بين الصحيحة والعليلة من الرؤية وإن اختلفت المسافتان فقد كذب روى ابن المنذر نحوه عن عمر و يقبل قول مجنى عليه في قدر ما أتلف كل من جانبين فكثر لاتفاق الجانبين على الإتلاف في الجملة والمجنى عليه أعلم بقدر ما أتلف كل منهما وغيرمتهم في الاخبار به وليس المجني عليه مدعيا ولا منكرا فهو كالشاهد بينهما وإن اختلفا أي الجاني والمجني عليه في ذهاب بصر مجنى عليه بفعل جان أرى مجنى عليه أهل الخبرة بذلك لأنهم أدرى به وامتحن بتقريب شيء إلى عينيه وقت غفلته فإن حركهما فهو يبصر لأن طبع الآدمي الحذر على عينيه وإن بقيتا بحالهما دل على أنه لا يبصر و إن اختلف جان ومجنى عليه في ذهاب سمع أو شم أو ذوق صيح به أي المجنى عليه إن اختلفا في ذهاب سمعه وقت غفلته وأتبع بمنتن إن اختلفا في ذهاب شمه وأطعم الشيء المر إن اختلفا في ذهاب ذوقه فإن فزع من الصائح أو من مقرب لعينيه أو عبس للمنتن أو المر سقطت دعواه لتبين كذبه وإلا يفزع من صائح ولا مقرب لعينيه ولا عبس لمنتن صدق بيمينه لأن الظاهر صحة دعواه ويرد الدية آخذ لها علم كذبه لتبين أنه قبضها بغيرحق