كتاب الجنايات .
جمع جناية وهي لغة التعدي على نفس أو مال وشرعا التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو يوجب مالا وتسمى الجناية على المال غصبا وسرقة وخيانة وإتلافا ونهبا وأجمعوا على تحريم القتل بغيرحق لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } الآية وحديث ابن مسعود مرفوعا لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة متفق عليه فمن قتل مسلما متعمدا فسق وأمره إلى الله وتوبته مقبولة عند أكثر أهل العلم لقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } والآية محمولة على من قتله مستحلا ولم يتب أو إن هذا جزاؤه إن جازاه الله وله العفو إن شاء والأخبار لا يدخلها النسخ بل التخصيص والتأويل والقتل أي فعل ما تزهق به النفس أي تفارق الروح البدن ثلاثة أضرب أي أصناف أحدها عمد يختص القود به فلا يثبت في غيره والقود قتل القاتل بمن قتله مأخوذ من قود الدابة لأنه يقاد إلى القتل بمن قتله و الضرب الثاني شبه عمد ويقال خطأ العمد وعمد الخطأ و الضرب الثالث خطأ وهذا تقسيم أكثر أهل العلم وروى عن عمر وعلي ويدل لثبوت شبه العمد حديث ابن عمر مرفوعا إلا أن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها رواه أبو داود وزاد الموفق في المقنع ما أجرى مجرى الخطأ كانقلاب نائم على شخص فيقتله وحفربئرونحوه تعديا فيموت به أحد وهذه عند الأكثر من قسم الخطأ .
فالعمد الذي يختص به القود أن يقصد الجاني من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما أي بشيء يغلب على الظن موته به محدودا كان أو غيره فلا قصاص إن لم يقصد القتل أو قصده بما لا يقتل غالبا وله أي العمد الذي يختص به القود تسع صور بالاستقراء أحدها أن يجرحه بما له نفوذ أي دخول في البدن من حديد كسكين وحربة وسيف ومسلة بكسر الميم أو من غيره أي الحديد كشوكة وخشب وقصب وعظم وكذا نحاس وذهب وفضة ونحوه فإذا جرحه فمات به فعمد ولو كان جرحه صغيرا كشرط حجام فمات ولو طالت علته منه ولا علة به غيره أو كان الجرح في غير مقتل كطرف فالمحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لوقطع شحمة أذنه أوأنملته فمات وربطا للحكم بكونه محددا لتعذرضبطه أي المحدود بغلبة الظن ولا يعتبرظهور الحكم في آحاد صور المظنة بل يكفي إحتمال الحكمة أو كان جرحه ب شيء صغير كغرزة بإبرة ونحوها كشوكة صغيرة في مقتل كالفؤاد أي القلب و كB الخصيتين أو في غيره أي المقتل كفخذ ويد فتطول علته من ذلك أو يصير ضمنا بفتح الضاد المعجمة وكسر الميم أي متألما إلى أن يموت ولو لم يداو مجروح قادر على المداواة جرحه حتى يموت أو يموت في الحال لأن الظاهرموته بفعل الجاني ومن قطع سلعة خطرة من آدمي مكلف بلا إذنه فمات أو بط أي شرط سلعة بكسر السين وهي غدة تظهر بين الجلد واللحم إذا غمزت باليد تحركت خطرة ليخرج ما فيها من مادة من مكلف بلا إذنه فمات منه فعليه القود لتعديه بجرحه بلا إذنه و لا قود إن قطعها أو بطها ولي من مجنون وصغير لمصلحة لأن له فعل ذلك أيا كان أو وصيا أو حاكما كما لو ختنه فمات الصورة الثانية أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط لا بمثقل كهو أي كعمود الفسطاط نصا وهو الخشبة التي يقوم عليها بيت الشعر لأنه A سئل عن المرأة التي ضربت جارتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها فقضى في الجنين بغرة وقضى بدية المرأة على عاقلتها والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل به ليس بعمد أو يضربه بما يغلب على الظن موته به لثقله من كوذين وهو ما يدق به الدقاق الثياب و من لت بضم اللام وتشديد المثناة الفوقية نوع من السلاح معروف وسندان حداد وحجر كبير ولو كان ضربه بذلك في غيرمقتل فيموت فيقاد به لأنه يقتل غالبا فيتناوله عموم قوله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } * وقوله : { كتب عليكم القصاص في القتلى } ولحديث أنس [ أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله A ] متفق عليه ولأن المثقل الكبيريقتل غالبا أشبه المحدد وأما حديث إلا أن في قتيل عمد الخطأ قتيل عمد السوط والعصا والحجر مائة من الإبل فالمراد الحجر الصغير جمعا بين الأخبار ولأنه قرنه بالعصا والسوط فدل على أنه أراد ما يشبههما أو يضربه في مقتل بمثقل دون ما تقدم أو يضربه في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد أو نحوه كاعياء بدون ذلك كحجر صغير فيموت أو يعيده أي الضرب به أي بما لا يقتل غالبا كالعصا والحجر الصغيرحتى يموت أو يلقى عليه حائطا أو سقفا أو نحوهما مما يقتل غالبا فيموت أو يلقيه من شاهق فيموت ففيه كله القود لأنه يقتل غالبا وإن قال جان لم أقصد بذلك قتله لم يصدق لأنه خلاف ظاهر الصورة الثالثة أن يلقيه بزبية أسد بضم الزاي أي حفيرته ونحوها كزبية ذئب أو نمر فيقتله أو يلقيه مكتوفا بغضا بحضرة ذلك أي الأسد ونحوه فيقتله أو يلقيه في مضيق بحضرة حية فتقتله أو ينهشه بضم أوله كلبا أو حية من القواتل أو يلسعه بضم أوله عقربا من العقارب القواتل غالبا فيموت فيقتل به لأنه مما يقتل غالبا والسبع ونحوه كالآلة للآدمي فيشترط أن يفعل به الأسد ونحوه فعلا يقتل مثله وإلا فشبه عمد وكذا ان كان ذلك لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز وسبع صغيرأوكتفه وألقاه في أرض غيرمسبعة فأكله سبع أو ألقاه مشدودا في موضع لا يعلم وصول الماء بزيادته إليه في ذلك الوقت فمات به الصورة الرابعة أن يلقيه في ماء يغرقه أو في نار ولا يمكنه التخلص منهما لكثرتهما أو عجزه عنه لمرض ونحوه أو لكونه مربوطا أو لالقائه في حفيرة لا يقدرعلى صعود منها فيموت فيقتل به لما تقدم وكذا أن حبسه في بيت وأوقد فيه نارا وسد منافذه حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أودفنه حيا أوألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك فمات فعمد وإن أمكنه التخلص فيهما أي مسألتي القائه في الماء والنارفتركه حتى مات ف هو هدر لا شيء فيه لموته بفعل نفسه وهو لبثه قال في الاقناع وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص ونحوه الصورة الخامسه أن يخنقه بحبل أو غيره فيموت فيقتل به سواء جعل في عنقه خراطة ثم علقه في شيء عن الأرض فيخنق فيموت في الحال أو بعد زمن كما يفعل بنحو اللصوص أوخنقه بيديه أو نحوحبل وهوعلى الأرض أو بسد فمه أو أنفه زمنا يموت في مثله عادة فيموت أو يعصر خصيتيه زمنا يموت في مثله غالبا فيموت فيقتل به لما سبق فإن مات في زمن لا يموت الإنسان في مثله غالبا فشبه عمد إلا أن يكون يسيرا في الغاية بحيث لا يتوهم الموت منه فلا يوجب ضمانا لأنه كلمسة الصورة السادسة أن يحبسه ويمنعه الطعام والشراب فيموت جوعا أو عطشا لزمن يموت فيه من ذلك غالبا فيقاد به بشرط تعذر الطلب عليه ويختلف ذلك باختلاف الناس والزمن الحال ففي شدة الحر إذا عطشه يموت في الزمن القليل بخلاف زمن البرد أو الاعتدال وكذا لومنعه الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة ذكره ابن عقيل وإلا يتعذر عليه الطلب فلا قود ولا دية كتركه سد فصده لحصول موته بفعل نفسه وتسببه فيه الصورة السابعة أن يسقيه سما يقتل غالبا لا يعلم به شاربه أويخلطه بطعام أويطعمه لمن لا يعلم به أو يخلطه بطعام آكل فيأكله جهلا به فيموت فيقاد به كما لو قتله بمحدد فإن علم به أي السم آكل مكلف فهدر أو خلطه شخص بطعام نفسه فأكل أحد بلا إذنه ف هو هدر لأنه القاتل لنفسه الصورة الثامنة أن يقتله بسحر يقتل غالبا فيقتل به لأنه قتله بما يقتل غالبا وقال ابن البناء يقتل حدا وتجب دية المقتول في تركته وصححه في الإنصاف وجزم به في الإقناع فإن كان السم أو السحرلا يقتل غالبا فشبه عمد ويأتي في التعزير حكم المعيان وقد أوضحته في الحاشية وهو القاتل في الحال ومتى ادعى قاتل بسم أو بB سحر عدم علمه أنه أي السم أو السحر قاتل لم يقبل لأنهما من جنس ما يقتل أشبه ما لوجرحه وقال لم أعلم أن الجرح يقتله أو ادعى قاتل بسحرأو سم جهل مرض يقتل معه السحرأو السم وكذا لو ضربه بما لا يقتل غالبا في الصحة وكان مريضا فمات وادعى الضارب جهل مرض لم يقبل منه ذلك لما تقدم الصورة التاسعة أن يشهد رجلان على شخص بقتل عمد أو ردة حيث امتنعت توبته كأن شهدا أنه سب الله ورسوله أو يشهد أربعة بزنا محصن فيقتل بشهادتهم ثم ترجع البينة وتقول عمدت قتله أو يقول الحاكم علمت كذبهما أو كذبهم وعمدت قتله أو يقول الولي علمت كذبها وعمدت قتله فيقاد بذلك كله وشبهه بشرطه لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي بن أبي طالب على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما فقال علي لوأعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما وغرمهما دية يده ولتسببهما في قتله بما يقتل غالبا ولا قود على بينة ولا على حاكم مع مباشرة ولي عالم بالحال لمباشرته القتل عمدا عدوانا وغيره متسبب والمباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر ويختص به أي القصاص إذا لم يباشر الولي القتل بل وكل مباشر عالم أقر بالعلم وتعمد القتل ظلما لمباشرته القتل عمدا ظلما بلا إكراه فإن لم يعلم الوكيل ذلك فولي أقر بعلمه بكذب الشهود وفساد الحكم بالقتل وتعمد القتل ظلما لما سبق فإن جهل الولي ذلك فبينة وحاكم علم كذبهما لتسبب الجميع في القتل ظلما حيث علموا ذلك ومتى لزمت حاكما وبينة دية كان عفا الولي إلى الدية ف هي على عددهم لاستوائهم في التسبب ولو قال واحد من شهود ثلاثة فأكثر عمدنا قتله و قال آخر منهم أخطأنا فلا قود على واحد منهم لتمام النصاب بدونه وعلى من قال منهم عمدنا حصته من الدية المغلظة مؤاخذة له بإقراره و على الآخر حصته من الدية المخففة لأنه مقتضى إقراره و إن قال واحد من إثنين عمدت وقال الآخر أخطأت لزم مقرا بعمد القود والآخر نصف الدية مؤاخذة لكل بإقراره ولو قال كل من إثنين عمدت وأخطأ شريكي فعليهما القود لاعتراف كل منهما بتعمد القتل ولو رجع ولي وبينة ضمنه ولي وحده لمباشرته وقال القاضي وأصحابه يضمنه الولي والبينة معا كمشترك ومن جعل في حلق من أي إنسان تحته حجر أو نحوه خراطة أي حبلا ونحوه معقودا بصفة معروفة وشدها أي الخراطة ب شيء عال ثم أزال ما تحته من حجر ونحوه شخص آخر غير الذي جعل الخراطة في حلقه عمدا أي معتمد إزالته من تحته فمات فإن جهلها أي الخراطة بحلقه مزيل وأداه أي أدى دية القتيل من ماله وإلا بأن علم الخراطة بحلقه وأزال ما تحته قتل به ولا شيء على جاعل الخراطة كالحافر مع الدافع وإن شد قربة منفوخة ونحوها على من لا يحسن السباحة فخرقها آخر فغرق فالقاتل الثاني