قسمة المياه .
قوله وهي على ثلاثة أقسام .
اعلم : أن للأصحاب في تقسيم الماء أربع طرق .
أحدهما وهي طريقة الجمهور : أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام : طهور وطاهر ونجس .
الطريق الثاني : أنه ينقسم إلى قسمين : طاهر ونجس والطاهر قسمان : طاهر طهور وطاهر غير طهور وهي طريقة الخرقي وصاحب التلخيص و البلغة فيهما وهي قريبة من الأولى .
الطريق الثالث : أنه ينقسم إلى قسمين : طاهر طهور ونجس وهي طريقة الشيخ تقي الدين فإن عنده : أن كل ماء طاهر تحصل الطهارة به وسواء كان مطلقا أو مقيدا كما الورد ونحوه نقله في الفروع عنه في باب الحيض .
الطريق الرابع : أنه أربعة أقسام : طهور وطاهر ونجس ومشكوك فيه لاشتباهه بغيره وهي طريقة ابن رزين في شرحه .
تنبيه : يشمل قوله وهو الباقي على أصل خلقته مسائل كثيرة يأتي بيان حكم أكثرها عند قوله فهذا كله طاهر مطهر يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس غير مكروه الاستعمال .
قوله وما تغير بمكثه أو بطاهر لا يمكن صونه عنه .
أي : صون الماء عن الساقط قطع المصنف بعدم الكراهة في ذلك وهو المذهب صرح به جماعة من الأصحاب وهو ظاهر كلام أكثرهم وقدمه في الفروع وقال في المحرر : لا بأس بما تغير بمقره أو بما يشق صونه عنه وقيل : يكره فيهما جزم به في الرعاية الكبرى .
تنبيه : مفهوم قوله لا يمكن صونه أنه لو أمكن صونه عنه أو وضع قصدا : أنه يؤثر فيه وليس على إطلاقه على ما يأتي في الفصل الثاني فيما إذا تغير أحد أوصافه أو تغير تغيرا يسيرا .
قوله أو لا يخالطه كالعود والكافور والدهن .
صرح المصنف بالطهورية في ذلك وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به أكثرهم منهم : المصنف في المغني و الكافي وصاحب الهداية و المذهب و المستوعب و التلخيص و البلغة و الخلاصة و الشرح و الوجيز و ابن منجا و ابن رزين و ابن عبيدان في شروحهم و ابن عبدوس في تذكرته وغيرهم قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين اختار أكثر أصحابنا طهوريته قال الزركشي : هو اختيار جمهور الأصحاب قال في الفروع : فطهور في الأصح قال في الرعايتين : طهور في الأشهر وقيل : يسلبه الطهورية إذا غيره اختاره أبو الخطاب في الانتصار و المجد وصاحب الحاوي الكبير وأطلقهما في المحرر و الفائق و النظم و ابن تميم .
وقول ابن رزين لا خلاف في طهوريته غير مسلم .
وقال المجد في شرحه وتبعه في الحاوي الكبير إنما يكون طهورا .
غير ريحه فقط على تعليلهم فأما إذا غير الطعم واللون فلا ثم قالا : والصحيح أنه كسائر الطاهرات إذا غيرت يسيرا فإن قلنا : تؤثر ثم أثرت هنا وإلا فلا .
فائدة : مراده بالعود : العود القماري منسوب إلى قمار موضع ببلاد الهند .
وهو بفتح القاف ومراده بالكافور : قطع الكافور بدليل قوله أو لا يخالطه فإنه لو كان غير قطع لخالط وهو واضح .
تنبيه : صرح المصنف : أن العود والكافور والدهن إذا غير الماء غير مكروه الاستعمال وهو أحد الوجهين جزم ابن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به الشارح و ابن عبيدان و مجمع البحرين وقيل : مكروه جزم به في الرعاية الكبرى .
قلت : وهو الصواب للخلاف في طهوريته .
قوله أو ما أصله الماء كالملح البحري .
صرح بطهوريته مطلقا وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب وجمهورهم جزم به منهم صاحب المذهب و المستوعب و المغني و الكافي و الشرح و المحرر و الرعايتين و النظم و ابن تميم و ابن رزين و ابن منجا في شرحه و ابن عبدوس في تذكرته و الوجيز و الحاويين و الفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وقيل : يسلبه إذا وضع قصدا وخرجه في الرعايتين على التراب إذا وضع قصدا وصرح أيضا : أنه غير مكروه الاستعمال وهو المذهب جزم به ابن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به في الشرح و ابن عبيدان و مجمع البحرين وقيل : يكره جزم به في الرعايتين .
تنبيه : مفهوم قوله أو ما أصله الماء كالملح البحري أنه إذا تغير بالملح المعدني : أنه يسلبه الطهورية وهو الصحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل : حكمه حكم الملح البحري اختاره الشيخ تقي الدين .
فائدة : حكم التراب إذا تغير به الماء حكم الملح البحري على المذهب لكن إن ثخن الماء بوضع التراب فيه بحيث إنه لا يجرى على الأعضاء لم تجز الطهارة به ويأتي ذلك في الفصل الثاني قريبا بأتم من هذا مفصلا .
قوله أو سخن بالشمس .
صرح بعدم الكراهية مطلقا وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم : القاضي في الجامع الصغير وصاحب الهداية و الفصول و المذهب و المستوعب و الكافي و الغني و الشرح و التلخيص و البلغة و المحرر و الخلاصة و الوجيز و تذكرة ابن عبدوس و تجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع و الرعايتين و الحاويين و مجمع البحرين و ابن تميم و الفائق وغيرهم .
وقيل : يكره مطلقا قال الآجري في النصيحة : يكره المشمس يقال يورث البرص وقاله التميمي قاله في الفائق .
وقيل : يكره إن قصد تشميشه قاله التميمي أيضا حكام عنه في الحاوي وقال ابن رجب في الطبقات : قرأت بخط الشيخ تقي الدين : أن أبا محمد رزق الله التميمي وافق جده أبا الحسن التميمي على كراهة المسخن بالشمس .
فائدة : حيث قلنا بالكراهة فمحله : إذا كان في آنية واستعمله في جسده ولو في طعام يأكله أما لو سخن بالشمس ماء العيون ونحوها لم يكره قولا واحدا قال في الرعاية : اتفاقا .
وحيث قلنا : يكره لم تزل الكراهة إذا برد على الصحيح جزم به في الرعاية الكبرى وقيل : تزول وهما احتمالان مطلقان في الفروع .
تنبيه : ظاهر قوله أو بطاهر عدم الكراهة ولو اشتد حره وهو ظاهر النص والمذهب : الكراهة إذا اشتد حره وعليه الأصحاب وفسر في الرعاية النص من عنده بذلك .
قلت : وهو مراد النص قطعا ومراد المصنف وغيره ممن أطلق وقال في الرعاية : ويحتمل أن لا يجزيه مع شدة حره .
تنبيه : قوله فهذا كله طاهر مطهر يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس قد تقدم خلاف في بعض المسائل : هل هو طاهر مطهر أو طاهر فقط .
فائدة : الأحداث : جمع حدث والحدث : ما أوجب وضوءا او غسلا قاله في المطلع وقال في الرعاية : والحدث والأحداث ما اقتضى وضوءا أو غسلا أو استنجاء أو استجمارا أو مسحا أو تيما قصدا كوطء وبول ونجو ونحوها غالبا أو اتفاقا كحيض ونفاس واستحاضة ونحوها واحتلام نائم ومجنون ومغمى عليه وخروج ريح منهم غالبا فالحدث ليس نجاسة لأنه معنى وليس عينا فلا تفسد الصلاة بحمل محدث .
والمحدث من لزمه لصلاة ونحوها وضوء أو غسل أوهما أو استنجاء أو استجمار أو مسح أو تيمم أو استحب له ذلك قاله في الرعاية وهو غير مانع لدخول التجديد والأغسال المستحبة فكل محدث ليس نجسا ولا طاهرا شرعا .
والطاهر ضد النجس والمحدث وقيل : بل عدمهما شرعا .
وأما الأنجاس : فجمع نجس وحده في الاصطلاح : كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولضرر بها في بدن أو عقل قاله المطلع وقال في الرعاية : النجس كل نجاسة وما تولد منها وكل طاهر طرأ عليه ما ينجسه قصدا أو اتفاقا مع بلل أحدهما او هما أو تغير صفته المباحة بضدها كانقلاب العصير بنفسه خمرا أو موت ما ينجس بموته فينجس بنجاسته فهو نجس ومتنجس فكل نجاسة نجس وليس كل نجس نجاسة والمتنجس نجس بالتنجيس والمنجس نجس بالتنجيس .
وأما النجاسة فقسمان : عينية وحكمية فالعينية : لا تطهر بغسلها بحال .
وهي كل عين جامدة يابسة او رطبة أو مائعة يمنع منها الشرع بلا ضرورة لا لأذى فيها طبعا ولا لحق الله أو غيره شرعا قدمه في الرعاية وقال : وقيل كل عين حرم تناولها مطلقا مع إمكانه لا لحرمتها أو استقذارها وضررها في بدن أو عقل .
والحكمية : تزول بغسل محلها وهي كل صفة طهارية ممنوعة شرعا بالضرورة لا لأذى فيها طبعا ولا لحق الله أو غيره تحصل باتصال نجاسة أو نجس بطهور أو طاهر قصدا مع بلل أحدهما أو هما وهو التنجيس أو التنجيس اتفاقا من نائم أو مجنون أو مغمى عليه أو طفل أو طفلة أو بهيمة أو لتغير صفة الطاهر بنفسه كانقلاب العصير خمرا قاله في الرعاية .
ويأتي : هل نجاسة الماء المتنجس عينية أو حكمية ؟ في فصل التنجيس .
وقيل النجاسة لغة : ما يستقذره الطبع السليم وشرعا : عين تفسد الصلاة بحمل جنسها فيها وإذا اتصل قائمة بها بلل تعدى حكمها إليه .
وقيل النجاسة صفة قائمة بعين نجسة .
تنبيه : يشمل قوله فهذا كله طاهر مطهر يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس غير مكروه الاستعمال مسائل كثيرة غير ما تقدم ذكره وعدم ذكر ما في كراهته خلاف في كلام المصنف .
فما دخل في عموم كلام المصنف : ماء زمزم وهو تارة يستعمل في إزالة النجاسة وتارة في رفع الحدث وتارة في غيرهما فإن استعمل في إزالة النجاسة كره عند الأصحاب والصحيح من المذهب : أنه لا يحرم استمعاله جزم به في المغني و الشرح و الرعايتين و ابن تميم و ابن رزين و الحاويين و ابن عبيدان و المنور و تجريد العناية و ناظم المفرادات وغيرهم وهو من المفردات وقيل : يحرم وأطلقهما في الفروع .
قلت : وهو عجيب منه .
وقال الناظم : ويكره غسل النجاسة من ماء زمزم في الأولى وقال في التلخيص : وماء زمزم كغيره وعنه يكره الغسل منها فظاهره : أن إزالة النجاسة كالطهارة به فيحتمل أن يكون فيه قول بعدم الكراهة ويحتمله القول المسكوت عنه في النظم .
وقال ابن أبي المجد في مصنفه : ولا يكره ماء زمزم على الأصح وإن استعمل في رفع حدث فهل يباح أو يكره الغسل وحده ؟ فيه ثلاث روايات وهل يستحب أو يحرم أو يحرم حيث ينجس ؟ فيه ثلاثة أوجه والصحيح من المذهب : عدم الكراهة نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في التلخيص و الرعايتين و الحاويين و ابن تميم و ابن عبيدان و تجريد العناية وغيرهم وقدمه في المغني و الشرح وقال : هذا أولى وكذا قال ابن عبيدان قال في مجمع البحرين : هذا أقوى الروايتين وصححه في نظمه و ابن رزين وإليه ميل المجد في المنتقى وعنه يكره وجزم به ناظم المفردات وقدمه المجد في شرحه [ وقال : نص عليه ] و ابن رزين وهي من مفردات المذهب وأطلقهما في الفروع و الفصول و المذهب و المستوعب وعنه يكره الغسل وحده اختار الشيخ تقي الدين واستحب ابن الزاغوني في منسكه الوضوء منه [ وقيل يحرم مطلقا ] وحرم ابن الزاغوني أيضا رفع الحدث به حيث تنجس بناء على أن علة النهى تعظيمه وقد زال بنجاسته وقد قال : إن سبب النهى اختيار الواقف وشرطه فعلى هذا اختلف الأصحاب فيما لو سبل ماء للشرب هل يجوز الوضوء منه مع الكراهة أم يحرم ؟ على وجهين ذكرهما ابن الزاغوني في فتاويه وغيرها وتبعه في الفروع في باب الوقف وأما الشرب منه فمستحب ويأتي في صفة الحج .
تنبيه ظاهر كلام الأصحاب : جواز استعماله في غير ذلك من غير كراهة وقال في الرعاية الكبرى : وأما رش الطريق وجبل التراب الطاهر ونحوه فقيل : يحتمل وجهين .
ومنها : ماء الحمام والصحيح من المذهب : إباحة استعماله نص عليه وجزم به في الرعاية الكبرى واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب وعنه يكره وظاهر نقل الأثرم لا تجزئ الطهارة به فإنه قال : أحب إلى أن يجدد ماء غيره ونقل عنه : يغتسل من الأنبوبة ويأتي في فصل النجس هل ماء الحمام كالجازي أو إذا فاض من الحوض ؟ .
ومنها : ماء آبار ثمود فظاهر كلام المصنف والأصحاب : إباحته قاله في الفروع في باب الأطعمة ثم قال : ولا وجه لظاهر كلام الأصحاب على إباحته مع هذا الخبر ونص أحمد وذكر النص عن أحمد والأحاديث في ذلك .
ومنها : المسخن بالمغصوب وفي كراهة استعماله روايتان وأطلقهما في الفروع وهما وجهان مطلقان في الحاويين إحداهما : يكره وهو المذهب .
صححه الناظم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في المنتخب و الوجيز وقدمه في الرعايتين والرواية الثانية : لا يكره .
وأما الوضوء بالماء المغصوب : فالصحيح من المذهب : أن الطهارة لا تصح به وهو من مفردات المذهب وعنه تصح وتكره واختاره ابن عبدوس في تذكرته وهذه المسألة ليست مما نحن فيه لأن الطهارة به صحيحة من حيث الجملة وإنما عرض له مانع وهو الغضب .
ومنها كراهة الطهارة من بئر في المقبرة قاله ابن عقيل في الفصول و السامري و ابن تميم و ابن حمدان في رعايته وصاحب الفروع ذكره في باب الأطعمة ونص أحمد على كراهته وهذا وارد على عموم كلام المصنف