إن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا .
قوله وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه : سلمه إليه .
مراده : إذا كان ينقسم وهو معنى قول بعض الأصحاب لا ينقص بتفرقة وهذا المذهب وعليه جماهي الأصحاب وجزم به في الهداية و المذهب و مسبوك الذهب و المستوعب و الخلاصة و التلخيص و البلغة و الوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع و الرعايتين و الحاوي الصغير و شرح الحارثي وغيرهم .
وقيل : لا يلزمه الدفع إلا بإذن شريكه أوالحاكم اختاره القاضي والناظم .
وكذاالحكم لوكان الشريك حاضرا وامتنع من المطالبة بنصيبه والإذن في التسليم إلى صاحبه .
قوله وإن غصبت الوديعة : فهل للمودع المطالبة بها ؟ على وجهين .
وأطلقهما في المذهب و المغني و الشرح و الفائق و الحاوي الصغير .
أحدهما : له المطالبة بها وهو المذهب اختاره أبو الخطاب في الهداية وصححه في التصحيح و النظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع و الرعايتين .
والوجه الثاني : ليس له ذلك اختاره القاضي وصححه في البلغة وقدمه في المستوعب و الخلاصة و التلخيص ومال إليه الحارثي .
فوائد .
إحداهما : حكم الضاربة والمرتهن والمستأجر في المطالبة - إذا غصب منهم ما بأيديهم - حكم المودع قاله أكثر الأصحاب وقدمه في الخلاصة أنه ليس له المطالبة في الوديعة وجزم بالجواز في المرتهن والمستأجر ومال إليه الحارثي .
وقال المصنف في المضارب : لا يلزمه المطالبة مع حضور رب المال .
الثانية : لو أكره على دفع الوديعة لغير ربها : لم يضمن قاله الأصحاب ذكره الحارثي .
قلت : منهم القاضي في المجرد و ابن عقيل في الفصول والمصنف في المغني وصاحب التلخيص والشارح وغيرهم .
قال المجد في شرحه : المذهب لا يضمن انتهى .
وفي الفتاوي الرجبيات عن أبي الخطاب و ابن عقيل : الضمان مطلقا لأنه افتدى به ضرره .
وعن ابن الزاعوني : إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد : فعليه الضمان ولا إثم وإن ناله العذاب فلا إثم ولاضمان ذكره في القاعدةالسابعة والعشرين .
وإن اخذها منه قهرا : لم يضمن عند أبي الخطاب وقطع به في التلخيص و الفائق .
وعند أبي الوفاء : إن ظن أخذها منه بإقراره كان دالا ويضمن .
وقال القاضي في الخلاف و أبو بكر في الانتصار : يضمن المال بالدلالة وهو المودع .
وفي فتاوي ابن الزاغوني : من صادره سلطان ونادى بتهديد نم عنده وديعة فلم يحملها أو عينه وتهدده ولم ينله أثم وضمن وإلا فلا انتهى .
قال الحارثي وإذا قيل : التوعد ليس إكراها فتوعده السلطان حتى سلم .
فجواب أبي الخطاب و ابن عقيل و ابن الزاغوني : وجوب الضمان ولا إثم وفيه بحث .
وإذا قيل : إنه إكراه فنادى السلطان : من لم يحمل وديعة فلا عمل به كذا وكذا فحملها من غير مطالبة : أثم وضمن وبه أجاب أبو الخطاب و ابن عقيل في فتاويهما .
وإن آل الأمر إلى اليمين ولا بد حلف متأولا .
وقال القاضي في المجرد : له جحدها .
فعلى المذهب : إن لم يحلف حتىأخذت منه : وجب الضمان للتفريط وإن حلف ولم يتأول أثم .
وفي وجوب الكفارة روايتان حكاهما أبو الخطاب في الفتاوي .
قلت : والصواب وجوب الكفارة مع إمكان التأويل وقدرته عليه وعلمه بذلك ولم يفعله .
ثم وجدت في الفروع في باب جامع الأيمان قال : ويلكفر على الأصح إن أكره على اليمين بالطلاق .
فأجاب أبو الخطاب : بأنها لا تنعقد كما لو أكره على إيقاع الطلاق .
قال الحارثي : وفيه بحث وحاصلة : إن كان الضرر الحاصل بالتغريم كثيرا يوازي الضرر في صور الإكراه : فهو إكراه لايقع وإلا وقع على المذهب انتهى .
وعند ابن عقيل : لا يسقط لخوفه من وقوع الطلاق بل يضمن بدفعها افتداء عن يمينه .
وفي فتاوي ابن الزاغوني : إن أبى اليمين بالطلاق أوغيره فصار ذريعة إلى أخذها وكإقراره طائعا وهو تفرط عند سلطان جائر نقله في الفروع في باب جامع الأيمان .
الثالثة : لو أخر رد الوديعة بعد طلبها بلا عذر : ضمن وبعذر : لا يضمن كالخوف في الطريق والعجز عن الحمل وعن الوصول إليها لسيل أو نار ونحو ذلك .
وفي معنى ذلك : إتمام المكتوبة وقضاء الحاجة وملازمة الغريم يخاف فوته ويمهل الأكلك ونوم وهضم طعام والمطر الكثير والوحل الغزير أو لكونه في حمام حتى يخرج على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع .
قال في المغني وغيره : إن قال أمهلوني حتى آكل فإن جائع أو أنام فإني ناعس أوينهضم الطعام عني فإني ممتلئ : أمهل بقدر ذلك .
قال الحارثي : وهو الصحيح قال : والظاهر من كلام غيره واحد : منع التأخير إعتبارا بإمكان الدفع .
قلت : وهو ظاهر كلام الخرقي .
وقال في الترغيب و التلخيص وإن أخر لكونه في حمام أوعلىطعام إلى قضاء غرضه : ضمن وإن لم يأثم على وجه .
واختاره الأزجي فقال : يجب الرد بحسب العادة إلا أن يكون تأخيره لعذر ويكون سببا للتلف فلم أر نصا ويقوي عندي : أنه يضمن لأن التأخير إنما جاز بشرط سلامة العافقبة انتهى .
الرابعة : لو أمره بالرد إلى وكيله فتمكن وأبى : ضمن على الصحيح من المذهب ولولم يطلبها وكيله قاله في التلخيص و الفروع .
وقيل : لايضمن إلا إذا طلبها وكيله وأبى الرد .
وإذا دفعها إلى الوكيل ولم يشهد ثم جحد الوكيل : لم يضمن بترك الإشهاد بخلاف الوكيل في قضاء الدين : فإنه يضمن بترك الإشهاد لأن شأن الوديعة الإخفاء قاله في التلخيص وغيره .
وتقدم إذا ادعى الإذن في دفعها إلى إنسان في كلام الصنف وهناك ما يتعلق بهذا .
الخامسة : لوأخر دفع مال أمر بدفعه بلا عذر : ضمن كما تقدم نظيره في الوديعة وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب .
وقيل : لا يضمن واختاره أبو المعالي بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع .
قلت : الأمر المجرد عن القرينة : هل يقتضي الوجوب أم لا ؟ .
فيه خمسة عشر قولا للعلماء .
من جملتها : أن أمر الشارع للوجوب دون غيره كما اختاره أبو المعالي .
والصحيح من المذهب : أنه للوجوب مطلقا .
ذكره الأقوال ومن قال بكل قول في القواعد الأصولية في القاعدة الثالثة والأربعين .
السادسة : لو قال : خذ هذا وديعة اليوم لا غدا وبعده يعود وديعة فقيل : لا تصح الوديعة من أصلها .
وقيل : تصح في اليوم الأول دون غيره .
وقيل : تصح في اليوم الأول وفي بعد الغد .
قال القاضي في التعليق : هي وديعة على الدوام ذكره عنه الحارثي وأطلقهن في الفروع .
وإن أمره برده في غد وبعده تعود وديعة : تعين رده .
السابعة : لو قال له : كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين : صح لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة صح به القاضي قاله في القاعدة الخامسة والأربعين