من مات وعليه دين مؤجل .
قوله ومن مات وعليه دين مؤجل : لم يحل إذا وثق الورثة .
يعني : بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين هذا المذهب .
قال في القواعد الفقهية : هذا أشهر الروايتين .
قال الزركشي : هذا المشهور والمختاره للأصحاب من الروايتين ونصره المصنف و الشارح وقطع به الخرقي وصاحب العمدة و الوجيز و المنور وغيرهم وقدمه في المستوعب و المحرر و الفروع و الفائق وغيرهم .
وعنه : يحل هنا مطلقا ولو قتله ربه ولو قلنا : لا يحل بالفلس اختاره ابن أبي موسى وقدمه ابن رزين في شرحه ومال إليه .
فعلى المذهب : إن تعذر التوثق : حل على الصحيح من المذهب جزم به في المغني و المحرر وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره .
وعنه : لا يحل اختاره أبو محمد الجوزي وقدمه في الرعايتين و الحاويين .
قال ناظم المفردات : ولا يحل على المديون بموته من آجل الديون .
وقال في الانتصار يتعلق الحق بذمتهم ذكره عن أصحابنا في الحوالة فإن كانت مليئة وإلا وثقوا .
وقال أيضا : الصحيح أن الدين في ذمة الميت والتركة .
فعلى المذهب : يختص أرباب الديون الحالة بالمال .
وعلى الثانية : يشاركون به .
وقال في الرعاية : ومن مات وعليه دين حال ودين مؤجل - وقلنا : لا تحل بموته ومال بقدر الحال - فهل يترك له بقدر ما يخصه ليأخذه إذا حل دينه أو يوفي الحال ويرجع على ربه صاحب المؤجل إذا يحل بحصته أو لا يرجع ؟ يحتمل ثلاثة أوجه .
فوائد .
الأولى : إذا لم يكن له واث فقال القاضي في المجرد و ابن عقيل والمصنف في المغني : يحل الدين لأن الأصل يستحقه الوارث وقد عدم هنا وقدمه في القواعد الفقهية وذكر القاضي في خلافه احتمالين .
قال في الفروع : ولو ورثه بيت المال : احتمل انتقاله ويضمن الإمام للغرماء واحتمل حول وذكرهما في عيون المسائل .
وذكرهما القاضي في التعليق لعدم وارث معين وأطلق في الفائق وجهين فيما إذا لم يكن له وراث .
الثانية : قال في التلخيص : حكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت في حلول الدين وعدمه .
الثالثة : متى قلنا بحلول الدين المؤجل فإنه يأخذه كله على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الأصحاب وقدمه في الفائق وقال : والمختار سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بقسطه وهو ماخوذ من الوضع والتأجيل انتهى .
قلت : وهو حسن .
الرابعة : هل يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة أم لا يمنع ؟ فيه روايتان .
إحداها : لا يمنع بل تنتقل وهو الصحيح من المذهب اختاره أبو بكر و القاضي وأصحابه .
قال ابن عقيل : هي المذهب .
قال الزركشي : هو المنصوص المشهور المختار للأصحاب .
وقد نص الإمام أحمد C : أن المفلس إذا مات سقط حق البائع من غير ماله لأن المال انتقل إلى الورثة .
قال في القواعد الفقهية : أشهر الروايتين الانتقال .
والرواية الثانية : لا تنتقل نقلها ابن منصور وصححه الناظم ونصره في الانتصار .
ويأتي ذلك في آخر القسمة بأثم من هذا .
ولهذا الخلاف فوائد يأتي بيانها قريبا .
ولا فرق في ذلك بين ديون الله تعالى وديون الآدميين ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت بسبب يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه صرح به القاضي .
وهل يعتبر كون الدين محيطا بالتركة أم لا ؟ .
قال في القواعد : صرح به جماعة منهم صاحب الترغيب في التفليس .
وقال في الفوائد : ظاهر كلام طائفة : اعتبار حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق .
ومنهم : من صرح بالمنع من الانتقال وإن لم يكن مستغرقا ذكره في مسائل الشفعة .
وعلى القول بالانتقال : يتعلق حق الغرماء بها جيمعها وإن لم يستغرقها الدين صرح به في الترغيب .
وهل تعلق حقهم بما تعلق رهن أو جناية ؟ فيه الخلاف .
قال في القواعد : صرح الأكثرون : أنه كتعلق الرهن ويفسر بثلاثة أشياء .
وقال في الفوائد : يتحرر الخلاف بتحرير مسائل .
إحداها : هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها لم يتقسط ؟ .
صرح القاضي في خلافه بالأول إن كان الوارث واحدا وإن كان متعددا انقسم على قدر حقوقهم تعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين بكل جزء منها كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما .
والثانية : هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف ؟ سيأتي ذلك في فوائد الروايتين .
والثالثة : هل يتعلق الدين بعين التركة مع الذمة ؟ فيه ثلاثة أوجه .
وقال في موضع آخر : هل الدين باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمم الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير ؟ فيه ثلاثة أوجه .
أحدها : ينتقل إلى ذمم الورثة قاله القاضي في خلافه و أبو الخطاب في انتصاره و ابن عقيل وقيده القاضي في المجرد بالمؤجل .
قال في الفروع : وفي الانتصار والصحيح : أنه في ذمة الميت في التركة انتهى .
ومنهم : من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم .
والوجه الثاني : هو باق في ذمة الميت ذكره القاضي أيضا و الآمدي و ابن عقيل في فنونه و المصنف في المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت .
والوجه الثالث : يتعلق بأعيان التركة فقط قاله ابن أبي موسى ورد بلزوم براءة ذمة الميت فيما بالتلف .
ويأتي هذا أيضا في باب القسمة .
إذا عرف هذا : فللخلاف في أصل المسألة - وهو كون الدين يمنع الانتقال أم لا ؟ فوائد كثيرة ذكرها ابن رجب في الفوائد من قواعده .
منها : نفوذ تصرف الورثة فيها ببيع أو غيره من العقود .
فعلى الثانية : لا إشكال في عدم النفوذ .
وعلى المذهب قيل : لا ينفذ قاله القاضي في المجرد و ابن عقيل في باب الشركة من كتابيهما .
وحمل القاضي في المجرد رواية ابن منصور على هذا .
وقيل ينفذ : قاله القاضي و ابن عقيل في الرهن والقسمة وجعلاه المذهب .
قال في القاعدة الثالثة والخسمين : أصح الوجهين : صحة تصرفهم انتهى .
وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان قاله القاضي .
قال : ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء : سقطت مطالبتهم بالديون ونصب الحاكم من يوفيهم منها ولم يمكلها الغرماء بذلك .
وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيها طولبوا بالديون كلها .
وفي الكافي : إنما يضمنون الأقل من قيمة التركة أو الدين .
وعلى الأول : ينفذ العتق خاصة كعتق الراهن ذكره في الانتصار .
وحكى القاضي في المجرد - في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم وجهين أنه لا ينفذ مع العلم .
وجعل المصنف في الكافي ما أخذهما : أن حقوق الغرماء المتعلقة بالتركة هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا ؟ .
وفي النظريات لابن عقيل : عتق الورثة ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارا بعتق موروثهم في مرضه .
وهل يصح رهن التركة عند الغرماء ؟ قال القاضي في المجرد : لا يصح .
ومنها : نماء التركة .
فعلى الثانية : يتعلق حق الغرماء به أيضا .
وعلى المذهب : فيه وجهان هل يتعلق حق الغرماء بالنماء أم لا ؟ وأطلقهما في القواعد .
وقال في القاعدة الثانية والثمانين إن قيل : إن التركة باقية على حكم ملك الميت : تعلق حق الغرماء بالنماء كالمرهون ذكره القاضي و ابن عقيل .
وينبغي أن يقال : إن قلنا : تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع التصرف فيه فالأمر كذلك وإن قلنا : تعلق جناية لا يمنع التصرف فلا يتعلق بالنماء .
وأما إن قلنا : لا تنتقل التركة إلى الورثة بمجرد الموت : لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء ذكره القاضي و ابن عقيل .
وخرج الآدمي وصاحب المغني : تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضا كتعلق الرهن .
وقد ينبني ذلك من أصل آخر وهو أن الدين هل هو باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمة الورثة أو هو متلق بأعيان التركة لا غير ؟ وفيه ثلاثة أوجه وقد تقدمت قبل الفوائد .
قال : فعلى القول الثالث : يتوجه أن لا تتعلق الحقوق بالنماء إذ هو كتعلق الجناية .
وعلى الأولين : يتوجه تعلقها بالنماء كالرهن .
ومنها : لو مات وعليه دين وله مال ذكوى فهل تبتدئ الورثة حول الزكاة من حين الموت أم لا ؟ .
فعلى الثانية : لا إشكال في أنه لا تجري في حوله حتى تنتقل إليه .
وعلى المذهب : ينبني على أن الدين : هل هو مضمون في ذمة الوارث أم هو في ذمة الميت خاصة ؟ .
فإن قلنا : هو في ذمة الوارث - وكان مما يمنع الزكاة - انبنى على الدين المانع : هل يمنع انعقاد الحول في ابتدائه أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة ؟ فيه روايتان ذكرهما المجد في شرحه .
و المذهب : أنه يمنع الانعقاد فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الدين من المال .
وإن قلنا : إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول : منع الوجوب هنا آخر الحول في قدره أيضا .
وإن قلنا : ليس في ذمة الوارث شيء فظاهر كلام أصحابنا : أن تعلق الدين بالمال مانع .
ومنها : لو كان له شجر وعليه دين فمات فهنا صورتان .
إحداهما : أن يموت قبل أن يثمر ثم يثمر قبل الوفاء فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء ؟ .
فإن قلنا : يتعلق به خرج على الخلاف في منع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة على ما تقدم .
وإن قلنا : لا يتعلق به فالزكاة على الوارث .
وهذا كله بناء على القول بانتقال الملك إليه .
أما إن قلنا : لا ينتقل الملك فلا زكاة عليه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو الصلاح .
الصورة الثانية : أن يموت بعد ما أثمرت فيتعلق الدين بالثمرة .
ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب : فقد وجبت عليه الزكاة إلا أن نقول : إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر .
وإن كان قبل الوجوب فإن قلنا : تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين فالحكم كذلك .
وإن قلنا : لا تنتقل فلا زكاة عليهم .
وهذه المسألة تدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بلا خوف .
وقال في الفروع : وإن مات بعد أن أثمرت : تعلق بها الدين ثم إن كان بعد وقت الوجوب : ففي الزكاة روايتان وكذا إن كان قبل وقلنا : تنتقل التركة مع الدين وإلا فلا زكاة انتهى .
وكذا قال ابن تميم و ابن حمدان في باب زكاة الزروع والثمار .
ومنها : لو مات وله عبيد وعليه دين وأهل هلال المطر .
فعلى المذهب : فطرتهم على الورثة .
وعلى الثانية : لا فطرة لهم على أحد .
ومنها : لو كانت التركة حيوانا .
فعلى المذهب : النفقة عليهم .
وعلى الثانية : من التركة كمؤنة وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه .
ومنها : لو مات المدين وله شقص فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء .
فعلى المذهب : لهم الأخذ بالشفعة .
وعلى الثانية : لا .
ولو كان الوارث شريك الموروث وبيع نصيب الموروث في دينه .
فعلى المذهب : لا شفعة للوارث .
وعلى الثانية : له الشفعة .
ومنها : لو وطئ الوارث الجارية الموروثة - والدين يستغرق التركة فأولدها .
فعلى المذهب : لا حد عليه ويلزمه قيمتها .
وعلى الثانية : لا حد أيضا لشبهة الملك وعليه قيمتها ومهرها ذكره في الانتصار ففائدة الخلاف حينئذ في المهر .
ومنها : لو تزوج الابن أمة أبيه ثم قال : إن مات أبي فأنت طالق وقال أبوه : إن مت فانت حرة ثم مات وعليه دين يستغرق البركة : لم تعتق .
وهل يقع الطلاق ؟ قال القاضي في المجرد : يقع وقال ابن عقيل : لا يقع .
فقول ابن عقيل : مبني على المذهب .
وقول القاضي : مبني على الثانية .
وكذلك إذا لم يدبرها الأب سواء .
وقيل : يقع الطلاق على المذهب أيضا .
ومنها : لو أقر لشخص فقال : له في ميراثه ألف .
فالمشهور : أنه متناقض في إقراره .
وقال في التلخيص : يحتمل أن يلزمه إذا المشهور عندنا : أن الدين لا يمنع الميراث فهو كما لو قال : له في هذه التركة ألف فإنه إقرار صحيح .
وعلى هذا : إذا قلنا : يمنع الدين الميراث وكان مناقضا بغير خلاف .
ومنها : لو مات وترك ابنين وألف درهم وعليه ألف درهم دين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم أبرأ الغريم الورثة .
فذكر القاضي : أن ابن الابن يستحق نصف التركة بميراثه عن أبيه .
وذكره في موضع إجماعا وعلله في موضع بأن التركة تنتقل مع الدين فانتقل ميراث الابن إلى ابنه .
ويفهم من هذا : أنه على الثانية : يختص به ولد الصلب لأنه هو الباقي من الورثة .
ومنها : رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس ويحتمل بناؤه على هذا الخلاف .
فإن قلنا : ينتقل امتنع رجوعه وإن قلنا : لا ينتقل رجع ولا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقا متأكدا .
ومنها : مانقل عن الإمام أحمد C : أنه سئل عن رجل مات خلف ألف درهم وعليه ألف درهم وعليه ألفا درهم وليس له وارث غير ابنه فقال ابنه لغرمائه : اتركوا هذه الألف بيدي وأخروني في حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم قال : إذا كانوا استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرونه ليوفيهم لأجل فتركوها في يديه : فهذا لا خير فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخروه في الباقي ما شاءوا .
قال في القواعد : قال بعض شيوخنا : تخرج هذه الرواية على القول بأن التركة لا تنتقل قال : وإن قلنا : تنتقل جاز وهو أقيس بالمذهب علله في القواعد .
ومنها : ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت دينا ونحوه .
فنص الإمام أحمد C في وديعة لا يدفعها إلا إلى الغرماء والورثة جميعا .
وهو يدل على أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودع إذا سلم الوديعة إلى الورثة وحمله القاضي على الاحتياط .
قال في القواعد : وظاهر كلامه - إن قلنا : التركة ملك لهم - فلهم ولاية الطلب والقبض وإن قلنا : ليست ملكا لهم فليس لهم الاستقلال بذلك .
وقال المجد : عندي أن النص على ظاهره لأن الورثة والغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة كالرهن والجاني فلا يجوز الدفع إلى بعضهم انتهى الكلام على الفوائد ملخصا