باب الحيض .
فائدتان .
إحداهما : قوله هو دم طبيعة وجبلة .
الحيض دم طبيعة وجبلة يرخيه الرحم فيخرج من قعره عند البلوغ وبعده في أوقات خاصة على صفة خاصة مع الصحة والسلامة لحكمه تربية الولد إن كانت حاملا ولذلك لا تحيض وعند الوضع يخرج ما فضل عن غذاء الولد ثم يقلبه الله لبنا يتغذى به الولد ولذلك قل أن تحيض مرضع فإذا خلت من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له فيخرج على حسب العادة .
والنفاس : خروج الدم من الفرج للولادة .
والاستحاضة : دم يخرج من عرق فم ذلك العرق في أدنى الرحم دون قعره يسمى العاذل بالمهملة والمعجمة والعاذر لغة فيه حكاهما ابن سيده .
والمستحاضة : من عبر دمها أكثر الحيض والدم الفاسد أعم من ذلك .
الثانية : المحيض : موضع الحيض على الصحيح وعليه الجمهور وقطع به أكثرهم وقيل : زمنه قاله في الرعاية وقال قوم : المحيض الحيض فهو مصدر وقال ابن عقيل : وفائدة كون المحيض الحيض أو موضعه إن قلنا : هو مكانه اختص التحريم به وإن قلنا : هو اسم للدم جاز أن ينصرف إلى ما عداه .
قوله ويمنع عشرة أشياء فعل الصلاة ووجوبها .
وهذا بلا نزاع ولا تقضيها إجماعا قيل ل أحمد في رواية الأثرم فإن أحبت أن تقضيها ؟ قال : لا هذا خلاف السنة ويأتي في أول كتاب الصلاة هل تقضي النفساء إذا طرحت نفسها قال في الفروع : فظاهر النهي : التحريم ويتوجه احتمال يكون لكنه بدعة قال ولعل المراد إلا ركعتي الطواف لأنها نسك لا آخر لوقته فيعايي بها انتهى .
قلت : وفي هذه المعاياة نظر ظاهر .
قال في النكت : ويمنع صحة الطهارة به صرح به غير واحد قلت صرح به المصنف في الكافي و المغني و الشارح و ابن حمدان في رعايته الكبرى وصاحب الفائق و الفروع و الحاوي الكبير وغيرهم ويأتي قريبا وجه أنها إذا توضأت لا تمنع من اللبث في المسجد وهو دليل على أن الوضوء منها يفيد حكما وتقدم هل يصح الغسل مع قيام الحيض في باب الغسل .
قوله وقراءة القرآن .
تمنع الحائض من قراءة القرآن مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقيل لا تمنع منه وحكى رواية قال في الرعاية : وهو بعيد الأثر واختاره الشيخ تقي الدين ومنع من قراءة الجنب وقال : إن ظنت نسيانه وجبت القراءة واختاره أيضا في الفائق ونقل الشالنجي كراهة القراءة لها وللجنب وعنه لا يقرآن وهي أشد فعلى المذهب : تقدم تفاصيل ما يقرأ من لزمه الغسل وهي منهم في أثناء بابه فليعاود .
قوله واللبث في المسجد .
تمنع الحائض من اللبث في المسجد مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه جمهور الأصحاب وقيل : لا تمنع إذا توضأت وأمنت التلويث وهو ظاهر كلام المصنف في باب الغسل حيث قال ومن لزمها الغسل حرم عليه قراءة آية ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ فظاهره دخول الحائض في هذه العبارة لكن نقول عموم ذلك اللفظ مخصوص بما هنا وأطلقهما في الرعايتين و الحاوي الصغير .
تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أنها لا تمنع من المرور منه وهو المذهب مطلقا إذا أمنت التلويث وقيل تمنع من المرور وحكى رواية وأطلقهما في الرعاية وقيل : لها العبور لتأخذ شيئا كماء وحصير ونحوهما لا لتترك فيه شيئا كنعش ونحوه وقدم ابن تميم جواز دخول المسجد لها لحاجة واما إذا خافت تلويثه لم يجز لها العبور على الصحيح من المذهب قال في الفروع تمنع في الأشهر وقيل لا تمنع ونص أحمد في رواية ابن إبراهيم تمر ولا تقعد وتقدم في باب الغسل ما يسمى مسجدا وما ليس بمسجد وتقدم أيضا هناك إذا انقطع دمها وتوضأت ما حكمه ؟ .
قوله والطواف .
في الصحيح من المذهب : أن الحائض تمنع من الطواف مطلقا ولا يصح منها وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه يصح وتجبره بدم وهو ظاهر كلام القاضي واختار الشيخ تقي الدين جوازه لها عند الضرورة ولا دم عليها وتقدم ذلك بزيادة في آخر باب نواقض الوضوء عند قوله ومن أحدث حرم عليه الصلاة والطواف .
ويأتي إن شاء الله تعالى ذلك أيضا في باب دخول مكة باتم من هذا .
قوله وسنة الطلاق .
الصحيح من المذهب : أن الحيض يمنع سنة الطلاق مطلقا وعليه الجمهور وقيل لا يمنعه إذا سألته الطلاق بغير عوض وقال في الفائق : ويتوجه إباحته حال الشقاق .
فائدة : لو سألته الخلع أو الطلاق بعوض لم يمنع منه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقيل : يمنع وإليه ميل الزركشي وحكى في الواضح في الخلع روايتين وقال في الرعاية : لا يحرم الفسخ .
وأصل ذلك : أن الطلاق في الحيض هل هو محرم لحق الله فلا يباح وإن سألته أو لحقها فيباح بسؤالها فيه وجهان قال الزركشي : والأول ظاهر إطلاق الكتاب والسنة ويأتي تفاصيل ذلك في باب سنة الطلاق وبدعته وتقدم هل يصح غسلها من الجنابة في حال حيضها ؟ في باب الغسل بعد قوله والخامس الحيض .
قوله والنفاس مثله إلا في الاعتداد .
ويستثنى أيضا كون النفاس لا يوجب البلوغ لأنه يحصل قبل النفاس بمجرد الحمل على ما يأتي بيانه في كلام المصنف في باب الحجر وهذا المذهب مطلقا في ذلك وعليه جماهير الأصحاب وقيل لا تمنع من قراءة القرآن وإن منعنا الحائض وقدمه في الفائق ونقل ابن ثواب تقرأ النفساء إذا انقطع دمها دون الحائض واختاره الخلال وقال في النكت : قد يؤخذ من كلام بعض الأصحاب إيماء إلى أن الكفارة تجب بوطء النفساء رواه واحدة بخلاف الحيض وذلك لأن دواعي الجماع في النفاس تقوى لطول مدته غالبا فناسب تأكيد الزاجر بخلاف الحيض قال : وهو ظاهر كلامه في المحرر والذي نص عليه الإمام أحمد والأصحاب : أن وطء النفساء كوطء الحائض في وجوب الكفارة لأن الحيض هو الأصل في الوجوب قال : ولعل صاحب المحرر فرع على ظاهر المذهب في الحائض .
قوله وإذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق .
وهذا المذهب وعليه الجمهور وقيل : لا يباحان حتى تغتسل وأطلقهما في الطلاق في الرعايتين و الحاويين و ابن تميم وقال في الهداية و المستوعب والخلاصة : أبيح الصوم ولم تبح سائر المحرمات .
قوله ولم يبح غيرهما حتى تغتسل .
هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه تباح القراءة قبل الاغتسال اختارها القاضي وقال : هو ظاهر كلامه وهي من المفردات ومن يقول : تقرأ الحائض والنفساء حال جريان الدم فهنا أولى وقيل : يباح للنفساء دون الحائض اختارها الخلال وتقدم رواية ابن ثواب وأطلقهن ابن تميم .
تنبيه : شمل كلامه منع الوطء قبل الغسل وهو صحيح لكن إن عدمت الماء تيممت وجاز له وطؤها فلو وجد الماء حرم وطؤها حتى تغتسل وتقدم ذلك في باب التيمم فلو امتنعت من الغسل غسلت المسلمة قهرا ولا تشترط النية هنا للعذر كالممتنع من الزكاة .
قلت : فيعايي بها .
والصحيح : أنها لا تصلي بهذا الغسل ذكره أبو المعالي في النهاية وتغسل الجنونة قال في الفروع : وتنويه وقال ابن عقيل : ويحتمل أن يغسلها ليطأها وينوى غسلها تخريجا على الكافرة ويأتي غسل الكافرة في باب عشرة النساء وقال أبو المعالي فيهما : لا نية لعدم تعذرها مآلا بخلاف الميت وأنها تعيده إذا أفاقت وأسلمت وكذا قال القاضي في الكافرة .
فائدة : لو أراد وطئها فادعت أنها حائض وأمكن قبله نص عليه فيما خرجه من محبسه لأنها مؤتمنة قال في الفروع : ويتوجه تخريج من الطلاق وأنه يحتمل أن تعمل بقرينة وأمارة .
قلت : مراده بالتخريج من الطلاق لو قالت : قد حضنت وكذبها فيما إذا علق طلاقها على الحيضة فإن هناك رواية : لا يقبل قولها واختاره أبو بكر وإليه ميل الشارح وهو الصواب فخرج صاحب الفروع من هناك رواية إلى هذه المسألة وما هو ببعيد