باب آداب القاضي .
وهو أخلاقه التي ينبغي التخلق بها والخلق : صورته الباطنة .
ينبغي أن يكون قويا من غير عنف لينا من غير ضعف حليما متأنيا ذا فطنة وتيقظ بصيرا بأحكام الحكام قبله يخاف الله تعالى ويراقبه لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة صحيح البصر والسمع عالما بلغات أهل ولايته عفيفا ورعا نزها بعيدا عن الطمع صدوق اللهجة لا يهزل ولا يمجن ذا رأي ومشورة لكلامه لين إذا قرب وهيبة إذا أوعد وفاء إذا وعد ولا يكون جبارا ولا عسوفا وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ويصيح عليه وإن استحق التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس وإن افتات عليه بأن يقول : حكمت علي بغير الحق أو ارتشيت - فله تأديبه وله أن يعفو وإن بدأ المنكر باليمين قطعها عليه وقال : البينة على خصمك فإن عاد نهره فإن عاد عزره إن رأى وأمثال ذلك مما فيه إساءة الأدب وإذا ولي في غير بلده فأراد المسير إليه استحب له أن يبحث عن قوم من أهل ذلك البلد إن وجد ليسألهم عنه وعن علمائه وعدوله وفضلائه ويتعرف منهم ما يحتاج إلى معرفته فإن لم يجد ولا في طريقه سأل إذا دخل وإذا قرب منه بعث من يعلم بقدومه ليتلقوه من غير أن يأمرهم بتلقيه ويدخل البلد يوم الاثنين أو الخميس أو السبت ضحوة لابسا أجمل ثيابه وفي التبصرة : وكذا أصحابه وإن جميعها سود وإلا فالعمامة وظاهر كلامهم غير السواد أولى ولا يتطير بشيء وإن تفاءل فحسن فيأتي الجامع يصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة فإذا اجمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم وليقل من كلامه إلا لحاجة يأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم ثم ينصرف إلى منزله الذي أعد له وأول ما يبدأ به أن يبعث إلى الحاكم المعزول فيأخذ منه ديوان الحكم ويلزمه تسليمه إليه وهو ما فيه وثائق الناس من المحاضر - وهي نسخة ما ثبت عند الحاكم - والسجلات - وهي نسخ ما حكم به - وليأمر كاتبا ثقة يكتب ما يسجله بمحضره عدلين ثم يخرج يوم الوعد على أعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم : كالعطش والفرح الشديدين والحزن الكثير والهم العظيم والوجع المؤلم والنعاس الذي يغمر القلب ويسلم عل من يمر عليه ولو صبيانا ثم عل من في مجلسه ويصلي تحية المسجد إن كان في مسجد وإلا خير والأفضل الصلاة ويجلس على بساط أو لبد أو غيره يفرض له في مجلس حكمه بسكينة ووقار ولا يجلس على التراب ولا على حصر المسجد لأن ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه ويجعل مجلسه في مكان فسيح كجامع ويصونه عما يكره فيه أو فضاء واسع أو دار واسعة في وسط البلدان أمكن ولا يكره القضاء في الجوامع والمساجد ولا يتخذ في مجلس الحكم حاجبا ولا بوابا ندبا بلا عذر وفي الأحكام السلطانية : ليس له تأخير الخصومة إذ تنازعوا إليه - بلا عذر ولا له أن يحتجب إلا في أوقات الاستراحة ويعرض القصص فيبدأ بالأول فالأول ويكون له من يرتب الناس إذ كثروا فيكتب الأول فالأول ويجب تقديم السابق على غيره فإذا حكم بينه وبين خصمه فقال : لي دعوى أخرى لم تسمع منه ويقول له : اجلس إذا لم يبق أحد من الحاضرين نظرت في دعواك الأخرى إن أمكن فإذا فرغ الكل فقال الأخير بعد فصل حكومته : لي دعوى أخرى - لم تسمع منه حتى يسمع دعوى الأول الثانية ثم تسمع دعواه وإن ادعى المدعي عليه على المدعى عليه حكم بينهما لأننا إنما نعتبر الأول فالأول في المدعي : لا في المدعى عليه وإذا تقدم الثاني فادعى على المدعي الأول والمدعى عليه الأول حكم بينهما وإن حضر اثنان أو جماعة دفعة واحدة أقرع بينهم فقدم من خرجت له القرعة وإن كثر عددهم كتب أسماءهم في رقاع وتركها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة واحدة بعد أخرى ويقدم صاحبها حسبما يتفق