شروط إجارة العين .
فصل : ولا تصح إجارة العين إلا بشروط خمسة أحدها : أن يعقد على نفع العين دون أجزائها فلا تصح إجارة الطعام للأكل : كما تقدم ولا الشمع ليشعله ولا حيوانا ليأخذ لبنه ولا ليرضعه ولده ونحوه ولا لياخذ صوفه وشعره ونحوه إلا في الطير ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من عينها ونقع البئر يدخل تبعا للدار ونحوها قال ابن عقيل ( يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة أو دلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فيه فأما الماء فيؤخذ على الإباحة ) انتهى ويدخل أيضا تبعا حبر ناسخ وخيوط وكحل كحال مرهم طبيب وصبغ صباغ ونحوه وسئل أحمد عن إجارة بيت الرحى الذي يديره الماء فقال : الإجارة على البيت والأحجار والحديد والخشب فأما الماء فأنه يزيد وينقص وينضب ويذهب فلا يقع عليه إجارة ولا يجوز استئجار الفحل للضراب فان أحتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء : كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه ويحرم على المطرق أخذه وأن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو اكرم بكرامه لذلك فلا بأس .
الثاني : معرفة العين برؤية أو صفة يحصل بها معرفته : كمبيع فأن لم تحصل بها أو كانت لا تتأتي فيها كالدار والعقار فتشترط مشاهدته وتحديده ومشاهدة قدر الحمام ومعرفة مائه ومصرفه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع الزبل .
الثالث : القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الآبق والشارد والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه منه ولا إجارة مشاع مفرد لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه وأن كانت لواحد فأجر نصفه صح لأنه يمكنه تسليمه : إلا أن يؤجر الشريكان معا أو بأذنه قاله في الفائق وهو مقتضى تعليلهم ولا عين لاثنين فأكثر وهي لواحد وعنه بلى اختاره جمع .
الرابع : اشتمالها على المنفعة فلا تصح إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أخرس على تعليم منطوق ولا أعمى للحفظ ولا كافر لعمل في الحرم لأن المنع الشرعي كالحسى ولا لقلع سن سليمة أو قطع يد سليمة ولا الحائض والنفساء على كنس المسجد في حالة لا تأمن فيها تلويثه ولا على تعليم الكافر القرآن ولا على تعليم السحر والفحش والخنا أو على تعليم التوراة والكتب المنسوخة ولا إجارة أرض لا تنبت للزرع : كما تقدم ولا حمام لحمل كتب .
الخامس : كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها وتصح إجارة مستأجر لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر ولا يجوز لمن هو أكثر مستأجر منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره : ما لم يكن المأجور حرا كبيرا أو صغيرا فأنه ليس لمستأجره أن يؤجر لأنه لا تثبت يد غيره عليه وإنما هو يسلم نفسه أو يسلمه وليه ويصح لغير مؤجرها ولمؤجرها بمثل الأجرة وزيادة ولو لم يقبض المأجور : ما لم تكن حيلة وليس للمؤجر مطالبة المؤجر الثاني بالأجرة وإذا تقبل عملا في ذمته بأجرة : كخياطة أو غيرها فلا بأس أن يقبله غيره بأقل منها ولو لم يعين فيه بشيء ولمستعير إجارتها أن أذن له معير فيها يعينها والأجرة لربها ولا يضمن مستأجر - ويأتي في العارية - وتصح إجارة وقف فأن مات المؤجر انفسخت أن كان المؤجر الموقوف عليه ناظرا بأصل الاستحقاق وهو من يستحق النظر لكونه موقوفا عليه ولم يشرط الواقف ناظرا : بناء على أن الموقوف عليه يكون له النظر إذا لم يشرط الواقف ناظرا : وأن جعل له الواقف النظر أو تكلم بكلام يدل عليه فله النظر بالاستحقاق والشرط ولا تبطل الإجارة بموته فيرجع مستأجر على مؤجر قابض في تركته حيث قلنا تنفسخ ومثله مقطع أجر أقطاعه ثم انتقل إلى غيره بأقطاع آخر وأن كان المؤجر الناظر العام أو من شرط له الواقف النظر وكان أجنبيا أو من أهل الوقف لم تنفسخ بموته ولا بعزله كملكه الطلق والذي يتوجه أنه لا يجوز للموقوف عليهم أن يستسلفوا الأجرة لأنهم لم يملكوا المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها فالتسلف لهم قبض مالا يستحقونه بخلاف المالك وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالب بالأجرة المستأجر الذي سلف المستحقين لأنه لم يكن له التسليف ولهم أن يطالبوا الناظر أن كان هو المسلف وكموت المستأجر وإذا أجر الولي اليتيم أو ماله أو السيد العبد مدة ثم بلغ الصبي ورشد وعتق العبد : فان كان يعلم بلوغ الصبي فيها أو عتق العبد بأن كان معلقا انفسخت وقت عتقه وبلوغه وان لم يعلم لم تنفسخ ولا تنفسخ بموت المؤجر لا عزله ولا يرجع العتيق على سيده بشيء من الأجرة : لكن نفقته في مدة باقي الإجارة على سيده أن لم تكن مشروطة على المستأجر ولو ورث المأجور أو اشترى أو اتهب أو وصى له بالعين أو أخذ صداقا أو أخذه الزوج عوضا عن خلع أو صلحا أو غير ذلك فالإجارة بحالها وتجوز إجارة الإقطاع : كالوقف فلو أجره ثم استحقت الإقطاع لآخر فالصحيح تنفسخ : كما تقدم وأن كانت الإقطاع عشرا لم تصح إجارتها : كتضمينه .
فصل : - وإجارة العين تنقسم قسمين : .
أحدهما : أن تكون على مدة : كإجارة الدار شهرا أو الأرض عاما والآدمي للخدمة أو للرعي ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص : وهو من قدر نفعه بالزمن : وإذا تمت الإجارة وكانت على مدة - ملك المستأجر المنافع المعقود عليها فيها وتحدث على ملكه - ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وأن طالت فان قدر المدرة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية وأن قال : عددية أو سنة بالأيام : فثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددي ثلاثون يوما وأن قال : رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز : وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وأن جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح ولا يشترط أن تلي المدة العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح : سواء كانت العين مشغولة وقت العقد بإجارة أو رهن أو غيرهما إذا أمكن التسليم عند وجوبه أو لم تكن مشغولة فلا تصح إجارة مشغولة بغراس أو بناء للغير وغيرهما ولو أجره إلى ما يقع اسمه على شيئين : كالعيد وجمادى وربيع لم يصح فلا بد من تعيين العيد : فطرا وأضحى من هذه السنة أو من سنة كذا وكذا جمادى ونحوه - وتقدم في السلم وأن علقها بشهر مفرد : كرجب فلا بد أن يبين من أي سنة وبيوم لا بد أن يبينه من أي أسبوع وليس لوكيل مطلق - الإيجار مدة طويلة بل العرف : كسنتين ونحوهما قاله الشيخ وإذا أجره في أثناء شهر مدة لا تلي العقد فلا بد من ذكر ابتدائها : كانتهائها وأن كانت تليه لم يحتج إلى ذكره ويكون من حين العقد وكذا أن أطلق فقال : آجرتك شهرا أو سنة ونحوهما وإذا آجره سنة هلالية في أولها عد أثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا وكذلك أن كان العقد على أشهر وأن كان في أثناء شهر استوفى شهرا بالعدد ثلاثين من أول المدة وآخرها نص عليه في النذر وباقيها بالأهلة وكذا حكم ما تعتبر فيه الأشهر كعدة وفاة وشهري صيام الكفارة ومدة الخيار وغير ذلك وإذا استأجر سنة أو سنتين أو شهرا لم يحتج إلى تقسيط الأجرة على سنة أو شهر أو يوم .
القسم الثاني - إجارتها لعمل معلوم : كإجارة دابة للركوب إلى موضع معين أو يحمل عليها إليه فأن أراد العدول إلى مثله في المسافة والحزونة والسهولة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا جاز وأن سلك أبعد منه أو أشق فاجرة المثل للزائد - ويأتي قريبا - وأن اكترى ظهرا إلى بلد ركبه إلى مقره ولو لم يكن في أول عمارته وتصح إجارة بقر لحرث مكان أو دياس زرع أو استئجار آدمي ليدله على الطريق أو رحى لطحن قفزان معلومة .
ويشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف ولا تعرف الأرض التي يريد حرثها إلا بالمشاهدة وأما تقدير العلم فيجوز بأحد شيئين : إما بالمدة : كيوم وإما بمعرفة الأرض : كهذه القطعة أو تحرث من هنا إلى هنا أو بالمساحة : كجريب أو جريبين أو كذا ذراعا في كذا فان قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي يعمل عليها ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها وأن يستأجرها مع صاحبها وبآلتها وبدونها وكذا استئجار البقر وغيرها لدياس الزرع واستئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا وأن اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له : كبقر للركوب وإبل وحمر للحرث جاز وأن استأجر دابة لادارة الرحى اعتبر معرفة الحجر بمشاهدة أو صفة وتقدير العلم وذكر جنس المطحون أن كان يختلف وأن اكتراها لادارة دولاب فلا بد من مشاهدته ومشاهدة دلائه وتقدير ذلك بالزمن أو ملء الحوض وكذلك أن اكتراها للسقي بالغرب فلا بد من معرفته ويقدر بالزمان أو بعدد الغروب أو بملء بركة لا بسقي أرضه وأن قدره بشرب ماشية جاز لأن شربها يتقارب في الغالب : كشيل تراب معروف وأن استأجر دابة ليسقي عليها فلا بد من معرفة الآلة التي يستقي فيها من راوية أو قرب أو جرار : إما بالرؤية أو بالصفة ويقدر العمل بالزمان أو بالعدد أو بملء شيء معين فان قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة المكان التي يستقي منه والذي يذهب إليه ومن اكترى زورقا فزواه مع زورق له فغرقا ضمن لأنها مخاطرة لاحتياجها إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اكترى ثورا لاستقاء ماء فجعله فدانا لاستقاء الماء فتلف ضمن وكل موضع وقع على مدة فلا بد من معرفة الذي يعمل عليه وأن وقع على عمل معين لم يحتج إلى ذلك وأن استأجر رحى لطحن قفزان معلومة احتاج إلى معرفة جنس المطحون : برا أو شعيرا أو ذرة أو غير ذلك لأن ذلك يختلف ويجوز استئجار كيال ووزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة واستئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته ويجوز لحفر الآبار والأنهار والقنى ولا بد من معرفة الأرض التي يحفر فيها وأن قدره بالعمل فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها تختلف بالصلابة والسهولة ومعرفة دور البئر وعمقها وآلتها أن طواها وطول النهر وعرضه وعمقه وأن حفر بئرا فعليه شيل ترابها منها فان تهور تراب من جانبها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر وأن وصل إلى صخر أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ فان فسخ كان له من الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل فيقال : كم أجر ما عمل ؟ وكم أجر ما بقي ؟ فيسقط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه وأن نبع ما منعه من الحفر فكالصخرة ويجوز استئجار ناسخ فان قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه فان عرف الخط بالمشاهدة جاز وان أمكنه بالصفة ذكره وإلا فلا بد من المشاهدة ويصح تقدير الأجر بأجزاء الفرع وأجزاء الأصل وأن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز فأن أخطأ بالشيء اليسير عفى عنه وأن كان كثيرا عرفا فهو عيب يرد به - قال ابن عقيل ( ليس له محادثة في غيره حالة النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره تحديثه وشغله ) وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب : كالقصارة والنساجة ونحوهما ويجوز أن يستأجر سمسار ليشتري له ثيابا فان عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح وأن قال : كلما اشتريت ثوبا فلك درهم وكانت الثياب معلومة أو مقدرة بثمن جاز ويجوز أن يستأجره ليبيع له ثيابا يعينها ونحوه