باب حكم المرتد .
( ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وجب قتله لقول النبي A : [ من بدل دينه فاقتلوه ] وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد Bهم ولم ينكر فكان إجماعا .
1635 - ـ مسألة : ( ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل بالسيف ) لما روى مالك في موطئه عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد القاري [ عن أبيه أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى فقال له عمر : هل من مغربة خبر ؟ قال : نعم رجل كفر بعد إسلامه فقال : ما فعلتم به ؟ قال : قربناه فضربنا عنقه قال عمر : فهلا حبستموه ثلاثا فأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني ] ولو لم تجب استتابته لما برىء من فعلهم إذا ثبت وجوب الاستتابة فإن مدتها ثلاثة أيام لحديث عمر ولأن الارتداد قد يكون لشبهة ولا يزول في الحال فوجب أن ينظر في مدة يرتئي فيها وأولى ذلك ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة وينبغي أن يضيق عليه في مدة الاستتابة ويحبس لحديث عمر وتكرر دعايته لعله ينعطف قلبه ويراجع دينه وإذا ثبت هذا فلا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتال بالارتداد روي ذلك عن أبي بكر وعلي Bهما لقوله عليه السلام : [ من بدل دينه فاقتلوه ] وروى الدارقطني بإسناده [ أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فبلغ أمرها إلى النبي A فأمر بها أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت ] ولأنها شخص بدل دين الحق بالباطل فتقتل كالرجل وإذا ثبت هذا فإن الردة لا تصح إلا من عاقل فأما من لا عقل له كالطفل الذي لا عقل له والمجنون فلا تصح ردتهما ولا حكم لكلامهما قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه أنه مسلم على ما كان قبل ذلك ولو قتله قاتل عمدا كان عليه القود إذا طلب أولياؤه وقد قال عليه السلام : [ رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق ] وأما القتل فإنه يكون بالسيف بالقياس على القتل في القصاص لأنه أروح للمقتول .
1636 - ـ مسألة : ( ومن جحد كتاب الله ) سبحانه بعد إقراره به فقد ارتد لأنه لم يعبد إلها ( وجعل له شريكا ) فهو مشرك وليس بموحد ( وكذلك من جعل له ندا ومن جعل لله ولدا فقد كذب على الله تعالى ومن سبه ) فقد استخف به ( ومن كذب رسوله أو سبه ) فقد رد على الله تعالى ولم يوجب طاعته ( ومن جحد نبيا ) فقد كفر لقوله سبحانه : { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا } 'سورة النساء : الآية 150' ( وكذا من جحد كتاب الله أو شيئا منه فقد كفر ) لأنه كذب الله تعالى ورد عليه قال الله تعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } 'سورة البقرة : الآية 285' ( ومن جحد أحد أركان الإسلام أو أحل محرما ظهر الإجماع على تحريمه فقد كذب الله ورسوله ) لأن أدلة ذلك قد ظهرت في الكتاب والسنة فلا تخفى على المسلمين ولا يجحدها إلا مكذب لله ورسوله A .
1637 - ـ مسألة : ( إلا أن يكون ممن تخفى عليه الواجبات والمحرمات فيعرف ذلك فإن لم يقبل ذلك كفر ) والذي يخفى عليه ذلك من يكون حديث عهد بالإسلام أو يكون قد نشأ ببلاد بعيدة عن المسلمين فهذا يعرف فإن رجع عن ذلك وإلا قتل وأما من كان ناشئا بين المسلمين مسلما فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل وذلك لأن إقرار هذه الأشياء ظاهر في الكتاب والسنة فالمخل بها مكذب لله ولرسوله فيكفر بذلك كما قلنا في جاحد أركان الإسلام .
1638 - ـ مسألة : ( ويصح إسلام الصبي العاقل ) وهو إذا بلغ عشر سنين وعقل الإسلام صح إسلامه لأن عليا Bه أسلم صبيا فصح إسلامه وعد ذلك من مناقبه وسبقه ويقال أول من أسلم من الصبيان علي ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال Bهم وفي الحديث عن النبي A : [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ] وقال A : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ] وقال : [ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يعرب عنه لسانه فإما شاكرا وإما كفورا ] وهذا يدخل في عموم الصبي ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبي كالصلاة والحج وإن كان دون عشر سنين نظرت فإن كان لا يعقل الإسلام لم يصح منه لأنه لا يصدر عن عقل فيكون كلامه مثل كلام المجنون وإن كان يعقل الإسلام فينبغي أن يصح إسلامه وكلام الخرقي يقتضي التفريق بين ابن عشر وبين من له دون العشر وعموم ما ذكرنا من الآثار يقتضي عدم التفريق وقد حكى ابن المنذر عن أحمد إذا كان ابن سبع فإسلامه إسلام قال الجوزجاني : حجة أحمد في السبع أن النبي A قال : [ مروهم بالصلاة لسبع ] وعن عروة أن عليا والزبير أسلما وهما ابنا ثماني سنين وبايع النبي A ابن الزبير لسبع أو ثماني سنين .
1639 - ـ مسألة : ( وإن ارتد الصبي لم يقتل حتى يستتاب ثلاثا بعد بلوغه ) وذلك لأن ردة الصبي صحيحة كما إن إسلامه صحيح وإنما لم يقتل قبل البلوغ لأن الغلام لا تجب عليه عقوبة بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنى والسرقة والقصاص فإذا بلغ فثبوته على درته بمنزلة ابتدائها فعند ذلك يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل كالذي ارتد وهو بالغ .
1640 - ـ مسألة : ( ومن ثبتت ردته ثم أسلم قبل منه ) كما يقبل من الكافر الأصلي ( إلا أن يكون كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة أو نحوه أو يعتقد أن محمدا A إلى العرب خاصة فلا يقبل منه حتى يقر بما جحده ) فإن كان كفره بقوله إن محمدا A إنما بعث إلى العرب خاصة احتاج - مع الشهادتين - إلى أن يقر أنه مبعوث إلى الخلق أجمعين ويتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف دين الإسلام لأنه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل أنه أراد ما اعتقده وإن ارتد بجحود فرض لم يسلم حتى يقر بما جحده ويعيد الشهادتين لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده وكذلك إذا استباح محرما .
1641 - ـ مسألة : ( وإذا ارتد الزوجان بدار ولحقا بدار الحرب فسبيا لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق من ولد لهما قبل ردتهما ويجوز استرقاق سائر أولادهما ) وذلك لأن الرق لا يجري على المرتد بحال لقوله عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه ولأنه لا يجوز إقراره على كفره فلم يجز استرقاقه كالرجل فإنهم سلموه ولم يثبت أن الذين سباهم أبو بكر Bه كانوا أسلموا ولا يثبت لهم حكم الردة فأما أولاد المرتدين فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بإسلامهم تبعا لآبائهم ولا يتبعونهم في الردة لأن الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم في الكفر ولا يجوز استرقاقهم صغارا لأنهم مسلمون ولا كبارا لأنهم إذا كبروا فرضوا الإسلام فهم مسلمون وإن رضوا الكفر فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة وتحريم الاسترقاق فأما من حدث من أولادهم بعد الردة فهو محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين ويجوز استرقاقهم في ظاهر كلام الخرقي ونص عليه أحمد لأنهم لم يثبت لهم حكم الإسلام فجاز استرقاقهم كولد الحربيين