فصل .
1516 - ـ مسألة : ( وجناية العبد في رقبته إلا أن يفديه السيد بأقل الأمرين من أرشها أو قيمته ) هذا في الجناية التي تودي بالمال إما لكونها موجبة للقصاص فعفى عنه إلى المال وإما لكونها لا توجب إلا المال كسائر جناياته فإن أرش جميع ذلك يتعلق برقبته لأنه لا يخلو إما أن يتعلق برقبته أو بذمته أو بذمة سيده أو لا يجب شئ ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمي فيجب اعتبارها كجناية الحر ولا يمكن تعلقها بذمته لإفضاء ذلك إلى فوات حق المجني عليه أو تأخيره ولا بذمة السيد لأنه لم يجن والجاني هو العبد وله يد وقصد فثبت أنها تتعلق برقبته ولأن الضمان موجب جنايته فيتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمة العبد فما دون أو أكثر فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها فإن طالب بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا وإن دفع السيد عبده فأبى قبوله وقال بعه وادفع إلي ثمنه فهل يلزم السيد ذلك ؟ على روايتين : إحداهما لا يلزمه بيعه لأن الحق لم يثبت في ذمته ولم يتعلق بغير الجاني فلم يلزمه أكثر من تسليمه كما لو أصدق المرأة عبدا بعينه والثانية يلزم السيد الأقل من قيمته أو أرش جنايته ولا يلزم الجاني أخذ العبد لأن الدين تعلق به على وجه لم يملكه ولا يجب مثله فإشبه الرهن وأما إن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان : إحداهما أن سيده مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه لما ذكرنا في القسم الذي قبله والثانية أنه مخير بين تسليمه وبين فدائه بأرش جنايته بالغة ما بلغت لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه ووجه الأولى أن الشارع قد جعل للسيد فداءه فكان الواجب عليه قيمته كسائر المتلفات .
1517 - ـ مسألة : ( ودية الجناية عليه - يعني على العبد - ما نقص من قيمته ) لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن بعضه بما نقص كسائر الأموال وعنه إن كانت الجناية عليه في شئ مثله مؤقت في الحر كاليد والعين فهو في العبد مقدر من قيمته لأن ديته قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وما أوجب الدية من الحر كاليدين والرجلين والأنف والذكر والأنثيين أوجب قيمة العبد وهذا يروى عن علي بن أبي طالب Bه ولم يعرف له مخالف من الصحابة ولأنه آدمي يضمن في القصاص والكفارة فكان في أطرافه مقدرا كالحر ولأن أطرافه منها مقدر من الحر فكان فيها مقدرا من العبد كالشجاج الأربع ولأن ما وجب في شجاجه مقدرا وجب في أطرافه مقدرا كالحر إذا ثبت هذا فإنها تجب ( في مال الجاني ) لأن العاقلة لا تحمل العبد كما سبق .
1518 - ـ مسألة : ( وجناية البهائم هدر ) لقوله عليه السلام : العجماء جبار والعجماء البهيمة وقوله جبار أي هدر كقوله : [ البئر جبار والمعدن جبار ] أي هدر يعني إذا استأجر من يحفر له في بئر أو معدن فوقع عليه فقتله فهو هدر .
1519 - ـ مسألة : ( إلا أن تكون البهيمة في يد إنسان كالراكب والقائد والسائق فعليه ضمان ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها أو ذنبها ) لأن اليد والفم يمكنه التحفظ منهما وليس كذلك الرجل فإنه لا يمكنه التحفظ منها كما لو لم تكن يده عليها وقد روي عن النبي A أنه قال : الرجل جبار في حديث أبي هريرة وروى سعيد بإسناده عن هذيل بن شرحبيل عن النبي A أنه قال : وذنبها كرجلها وعنه رواية أخرى يضمن جناية الرجل قال القاضي : وهي أصح لأنه يشاهدها فهي كاليد أو الفم .
1520 - ـ مسألة : ( وإن تعدى بربطها في ملك غيره أو طريق ضمن جنايتها كلها ) لأنه متعد بذلك وإن كان الطريق واسعا ففيه روايتان : إحداهما يضمن أيضا لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة وكذلك لو ترك في الطريق طينا أو ما أشبهه فزلق فيه إنسان ضمن والثانية لا يضمن لأن له أن يقفها في طريق لا يضيق بها على الناس فلم يكن متعديا فلم يضمن كما لو جلس فعثر به إنسان .
1521 - ـ مسألة : ( وما أفسدت البهيمة من الزرع نهارا لم يضمنه إلا أن تكون في يده وما أتلفت ليلا فعليه ضمانه ) لما روى مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة [ أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله A أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم ] قال ابن عبد البر : إن كان هذا مرسلا فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات واستعمله فقهاء الحجاز بالقبول ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي وحفظها ليلا وعادة أهل الحوائط حفظها نهارا دون الليل فإذا رعت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ وإن أتلفت نهارا كان التفريط من أهل الزرع فكان عليهم وقد فرق النبي A بينهما وقضى على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته وأما غير الزرع فلا يضمن لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلا يحتاج إلى حفظها عنه بخلاف الزرع وهذا إذا لم تكن يد أحد عليها فإن كان صاحبها معها أو غيره فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته من نفس أو مال على ما سبق في المسألة قبلها