باب شروط الصلاة .
( هي ستة : أحدها الطهارة من الحدث لقول رسول الله A في حديث أبي هريرة : [ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ] متفق عليه وقد مضى ذكر الطهارة وحكمها .
( الثاني الوقت ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله ) بعد القدر الذي زالت عليه الشمس لما [ روى ابن عباس Bه أن النبي A قال : أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك ثم صلى بي المرة الأخيرة حين صار ظل كل شئ مثله وقال : الوقت ما بين هذين ] قال الترمذي : حديث حسن ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره .
170 - ـ مسألة : ( ووقت العصر وهي الوسطى ) لما روي [ عن علي Bه قال : قال رسول الله A يوم الأحزاب : شغلونا عن صلاة العصر صلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ] متفق عليه ( وأول وقتها ) إذا صار ظل كل شئ مثله وهو ( آخر وقت الظهر ) [ لقوله عليه السلام في حديث جبريل : وصلى بي العصر حين صار ظل كل شئ مثله ] ( وآخره ما لم تصفر الشمس ) لما روى ابن عمر [ أن رسول الله A قال : وقت العصر ما لم تصفر الشمس ] رواه مسلم [ وعنه أن آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه لقوله عليه السلام في حديث جبريل : وصلى بي العصر في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شئ مثليه ] .
171 - ـ مسألة : ( ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ) والضرورة العذر يعني لا يباح تأخيرها إلا لعذر لما روى أبو هريرة Bه [ عن النبي A أنه قال : من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ومن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه وفي رواية : [ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ] متفق عليه .
172 - ـ مسألة : ( ووقت المغرب من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر ) لما روى بريدة [ أن النبي A أمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق ثم قال : وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم ] رواه مسلم وفي لفظ رواه الترمذي : [ فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق ] .
173 - ـ مسألة : ( ووقت العشاء من ذلك ) يعني من مغيب الشفق ( إلى نصف الليل ) لما [ روى عبد الله بن عمر أن النبي A قال : وقت العشاء إلى نصف الليل ] رواه مسلم وعنه إلى ثلث الليل لما روى بريدة : [ أن النبي A صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ] رواه مسلم من حديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله .
174 - ـ مسألة : ( ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني ) وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده لحديث أبي هريرة [ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ] متفق عليه .
175 - ـ مسألة : ( ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس ) يعني من طلوع الفجر الثاني إجماعا إلى طلوع الشمس لما روى بريدة [ عن النبي A أنه أمر بلالا فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال : وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم ] وفي حديث أبي هريرة : [ من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ] متفق عليه وللنسائي : [ فقد أدركها ] .
176 - ـ مسألة : ( ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها ) كذلك وأما ما دون الركعة فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يدركها بإدراكه لأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كإدراك المسافر صلاة المقيم والمأموم صلاة الإمام .
177 - ـ مسألة : ( الصلاة في أول الوقت أفضل ) لقوله عليه السلام : [ أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ] [ وروى أبو برزة قال : كان رسول الله A يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ] يعني : تزول .
178 - ـ مسألة : ( إلا في العشاء الآخرة ) لقول أبى برزة : [ كان رسول الله A يستحب أن يؤخر العشاء ] متفق عليه .
179 - ـ مسألة : ( وفي شدة الحر الظهر ) [ لقول النبي A : أبردوا بالظهر في شدة الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم ] متفق عليه .
مسألة : ( الشرط الثالث ستر العورة بما لا يصف البشرة ) واجب لما [ روت عائشة Bها أن النبي A قال : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] رواه أبو داود .
180 - ـ مسألة : ويجب سترها بما يستر لون البشرة من الثياب والجلود أو غيرها فإن وصف لون البشرة لم يعتد به لأنه غير ساتر .
181 - ـ مسألة : ( وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة ) لما [ روى أبو أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله A : أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة ] رواه أبو بكر بإسناده [ وعن جرهد أن رسول الله A قال له : غط فخذك فإن الفخذ من العورة ] رواه الإمام أحمد في المسند ( 1 / 275 ) وعنه أنها الفرجان من الرجل لما روى أنس : [ أن النبي A يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ رسول الله A ] رواه البخاري .
182 - ـ مسألة : ( والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها ) لقوله سبحانه : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال ابن عباس : وجهها وكفيها ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين ولو كانا عورة لم يجز كشفهما وعنه في الكفين هما عورة لأن المشقة لا تلحق بسترهما فأشبها سائر بدنها وما عدا هذا عورة لقول النبي A : [ لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] [ وعن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ فقال : نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ] .
مسألة : ( وعورة الأمة كعورة الرجل ) ما [ روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شئ من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة يريد الأمة ] رواه الدارقطني ( 1 / 230 ) ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل .
183 - ـ مسألة : ( وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة ) لأن الرق باق فيها إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيها من شبه الأحرار وعنه أنهما كالحرة لذلك .
184 - ـ مسألة : ( ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته ) لأنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم استعماله فلم يصح كما لو صلى في ثوب نجس ولأن الصلاة قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به أو يؤمر بما هو منهي عنه ؟ وعنه يصح لأن التحريم لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو غسل ثوبه بماء مغصوب أو صلى من عليه عمامة حرير .
185 - ـ مسألة : ( ولبس الحرير والذهب مباح للنساء دون الرجال ) لما روى أبو موسى أن رسول الله A قال : [ حرم لبس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم ] قال الترمذي : حديث صحيح قال ابن عبد البر : هذا إجماع .
186 - ـ مسألة : ( إلا عند الحاجة : كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبسه [ لأن أنسا روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى رسول الله A فرخص لهما في قميص الحرير فرأيته عليهما ] متفق عليه وغير القمل الذي ينفع فيه لبس الحرير في معناه فيقاس عليه فأما لبسه للحرب فظاهر كلام أحمد Bه إباحته مطلقا لأنه سئل عن لبسه في الحرب فقال : أرجو أن لا يكون به بأس .
187 - ـ مسألة : ( ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه جزأه ذلك ) لما [ روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال : لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ ] متفق عليه .
188 - ـ مسألة : ( فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها ) لأن سترها شرط لصحة الصلاة وقد قدر عليه فلزمه كسائر شروطها ولأن ذلك واجب في غير الصلاة ففيها أولى .
189 - ـ مسألة : ( فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين ) لأنهما أغلظ ( فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء ) وستر الدبر أولى في أحد الوجهين لأنه أفحش وفي الآخر القبل لأنه يستقبل به القبلة والدبر يستر بالإليتين وأيهما ستر أجزأه ( فإن عدم الستر بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء بالسجود ) لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة وهو آكد لذلك وعنه يصلي قائما ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط .
190 - ـ مسألة : ( ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا أو مكانا نجسا صلى فيهما ولا إعادة عليه ) لأن ستر العورة واجب في الصلاة وغيرها وهو مخاطب بها مأمور بها فإذا صلى فقد أتى بما أمر به فيخرج عن العهدة وعنه يعيد إذا صلى في الثوب النجس لأنه ترك شرطا مقدورا عليه .
191 - ـ ( الشرط الرابع الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته ) لقوله عليه السلام لأسماء في دم الحيض : [ حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء وصلي فيه ] فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله .
192 - ـ مسألة : ( إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ) لأنه عفي عنها لمشقة التحرز على ما سبق في باب المياه .
193 - ـ مسألة : ( وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها ) ففيها روايتان : إحداهما يعيد لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء والثانية لا يعيد لما [ روى أبو سعيد Bه أن النبي A خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم قال : ما لكم خلعتم نعالكم فقالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال : أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن فيهما قذرا ] رواه أبو داود فوجه الحجة أن النبي A لم يكن عالم بالنجاسة حتى أخبر بها وبنى على صلاته ولو بطلت لاستأنفها والناسي مثله فعلى هذا ( إن علم بها في الصلاة ) فأمكنه إزالتها بغير عمل كثير ( أزالها وبنى على صلاته ) كما فعل النبي A وإن لم يمكنه إلا بعمل كثير استأنفها كالسترة إذا وجدها وهو في الصلاة بعيدة منه .
194ـ - مسألة : ( والأرض كلها مسجد ) ( تصح الصلاة فيها ) لقوله عليه السلام : [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] .
195 - ـ مسألة : ( إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل ) أما المقبرة والحمام فلما [ روى أبو سعيد أن النبي A قال : الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ] رواه أبو داود ) وأما الحش فبطريق التنبيه عليه بالنهى في هذين الموضعين لأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب .
196 - ـ مسألة : ( وأما أعطان الأبل فلما [ روى جابر بن سمرة أن رجلا قال : يا رسول الله أنصلى في مرابض الغنم ؟ قال : نعم قال : أنصلي في مبارك الإبل ؟ قال : لا ] رواه مسلم ولأنها مظنة النجاسة فإن البعير إذا برك صار سترة للبائل بخلاف الغنم فإنها لا تستر فأقمنا المظنة مقام حقيقة النجاسة .
مسألة : ( الشرط الخامس استقبال القبلة ) لقوله سبحانه : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ' سورة البقرة الآيه : 144 ' ( إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه ) لما [ روى ابن عمر أن النبي A كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان يوتر على بعيره ] متفق عليه .
197 - ـ مسألة : ( والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره ) لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام وقال الله سبحانه وتعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } قال ابن عمر : [ كان النبي A يصلي مستقبل القبلة وغير مستقبلها ] رواه البخاري ولأنه عاجز عن القيام أشبه المربوط .
198 - ـ مسألة : ( وما عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل القبلة ) يعني ما عدا النافلة على الراحلة والعاجز لقوله سبحانه : { فولوا وجوهكم شطره } 'سورة البقرة الآية : 239 ' وهو عام خرج منه الصورتان بما ذكرناه من الدليل بقي ما عداهما على مقتضى النص .
199 - ـ مسألة : ( فإن كان قريبا من الكعبة لزمته الصلاة إلى عينها ) وهو من كان عند الكعبة يراها أو قريبا منها للآية ( وإن كان بعيدا فإلى جهتها ) لأنه لا يقدر على إصابة العين بخلاف القريب وقال عليه السلام : [ ما بين المشرق والمغرب قبلة ] قال الترمذي : حديث صحيح .
200 - ـ مسألة : ( وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين ) لأنها دليل عليها ( فإن أخطأ فعليه الإعادة ) لأن الظاهر أنه فرط في السؤال .
201 - ـ مسألة : ( وإن خفيت القبلة في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه ) وإن أخطأ لأنه أتى بالمأمور فيخرج عن عهدة الأمر ودليل أنه أتى بما أمر به أنه اجتهد وليس عليه أكثر من الاجتهاد وهو مأمور بالصلاة إلى الجهة التي يغلب على ظنه بعد الاجتهاد أنها جهة الكعبة فيخرج عن العهدة لأنه ليس في وسعه أكثر من ذلك .
202 - ـ مسألة : ( وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما الآخر ) كما نقول في المجتهدين في الأحكام ( ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه ) كما نقول في الأحكام .
( الشرط السادس النية للصلاة بعينها ) فلا تصح إلا بها إجماعا لقوله عليه السلام : [ إنما الأعمال بالنيات ] ولأنها عبادة أشبهت الصوم ويجب أن ينويها بعينها إن كانت معينة ظهرا أو عصرا لتتميز عن غيرها وإن كانت سنة معينة كالوتر لزمه تعيينها وإن لم تكن معينة كالنافلة المطلقة أجزأه نية الصلاة لأنها غير معينة .
203 - ـ مسألة : ( ويجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها ) لأنها عبادة يشترط لها النية فجاز تقديمها عليه كالصوم ولأن أولها من أجزائها يكفي استصحاب النية فيه كسائر أجزائها