باب صلاة الجمعة .
تجب على كل ذكر مسلم مكلف حر لا عذر له لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } [ الجمعة : 9 ] الآية [ وروى ابن ماجه عن جابر قال : خطبنا رسول الله A فقال : واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا بها فلا جمع الله له شمله ولا بارك الله في أمره ] وعن طارق بن شهاب مرفوعا : [ الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض ] رواه أبو داود .
وكذا على كل مسافر لا يباح له القصر كسفر معصية وما دون المسافة فتلزمه بغيره .
وعلى مقيم خارج البلد إذا كان بينهما وبين الجمعة وقت فعلها فرسخ فأقل لقوله A [ الجمعة على من سمع النداء ] رواه أبو داود ولم يكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتا بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به قاله في الكافي .
ولا تجب على من يباح له القصر [ لأنه A سافر هو وأصحابه في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير ] وقال إبراهيم : كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنتين لا يجمعون ولا يشرقون رواه سعيد .
ولا على عبد ومبعض وامرأة لما تقدم .
ومن حضرها منهم أجزأته قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أن لا جمعة على النساء وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك بجزئ عنهن .
ولا يحسب هو ولا من ليس من أهل البلد من الأ ربعين ولا تصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب وإنما صحت منهم تبعا .
وشرط لصحة الجمعة أربعة شروط : أحدها : الوقت وهو من أول وقت العيد إلى خروج وقت الظهر [ لقول عبد الله بن سيدان السلمي شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول : انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول : زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره ] رواه الدارقطني وأحمد واحتج به قال : وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال فلم ينكر وعن جابر [ كان رسول الله A يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريح حين تزول الشمس ] رواه أحمد ومسلم .
وتجب بالزوال وبعده أفضل خروجا من الخلاف [ ولأنه الوقت الذي كان A يصليها فيه فى أكثر أوقاته ] لقول سلمة بن الأكوع [ كنا نجمع مع النبي A إذا زالت الشمس ثم نرجع فنتتبع الفيء ] أخرجاه وما قبل الزوال وقت للجواز لا للوجوب .
الثانى : أن تكون بقرية ولو من قصب فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للإستيطان وكانت قبائل العرب حول المدينة فلم يأمرهم النبي A بجمعة .
يستوطنها أربعون استيطان إقامة لا يظعنون صيفا ولا شتاء وهو قول أكثر أهل العلم قاله في المغني .
وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء لما يأتي .
الثالث : حضور أربعين [ لقول كعب بن مالك : أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت في نقيع يقال له : نقيع الخضمات قلت كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا ] رواه أبو داود [ قال ابن جريج قلت ل عطاء أكان بأمر النبي A ؟ قال : نعم ] وقال أحمد : [ بعث النبي A مصعب بن عمير إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة ] وقال جابر [ مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر ] رواه الدارقطني .
فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرا نص عليه لأن العدد شرط فاعتبر في جميعها وقال في الكافي : وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة .
الرابع تقدم خطبتين [ لأن النبي A كان يخطب خطبتين يقعد بينهما ] متفق عليه ومداومته عليهما دليل على وجوبهما .
من شرط صحتها خمسة أشياء : الوقت لأنهما بدل ركعتين قالت عائشة : إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة .
والنية لحديث [ إنما الأعمال بالنيات ] .
وقوعهما حضرا وحضورالأربعين لما تقدم ولأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد .
وأن يكون ممن تصح إمامته فيها فلا تصح خطبة من لا تجب عليه الجمعة كعبد ومسافر .
وأركانها ستة : حمد الله لحديث : [ كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم ] رواه أبو داود وقال جابر [ كان رسول الله A يخطب الناس : يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ] الحديث .
والصلاة على رسول الله A لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان .
وقراءة آية من كتاب الله D لقول جابر بن سمرة [ كان النبي A يقرأ آيات ويذكر الناس ] رواه مسلم .
والوصية بتقوى الله لأنها المقصود بالخطبة فلم يجز الإخلال بها .
وموالاتهما مع الصلاة لأنه لم ينقل عنه A خلافه وقال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] .
والجهر بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع لهم من سماعه كنوم بعضهم أو غفلته أو صممه فإن لم يسمعوا لخفض صوته لم تصح لعدم حصول المقصود وعن جابر : [ كان رسول الله A إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ] الحديث رواه مسلم .
وسنتها الطهارة فلا تشترط نص عليه وعنه أنها من شرائطها قاله في المغنى .
وستر العورة وإزالة النجاسة قياسا لأن الخطبتين بدل ركعتين من الجمعة لقول عمر وعائشة : قصرت الصلاة لأجل الخطبة [ ولم ينقل أنه A تطهر بين الخطبة والصلاة فدل على أنه يخطب متطهرا ] .
والدعاء للمسلمين [ لأنه A كان إذا خطب يوم الجمعة دعا وأشار بأصبعه وأمن الناس ] رواه حرب في مسائله ولأن الدعاء لهم مسنون فى غيرالخطبة ففيها أولى .
وأن يتولاهما مع الصلاة واحد قال أحمد في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاهما واحد كصلاتين .
ورفع الصوت بهما حسب الطاقة لما سبق .
وأن يخطب قائما لقوله تعالى : { وتركوك قائما } [ الجمعة : 11 ] .
وقال جابر بن سمرة [ كان النبي A يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ] رواه مسلم .
على مرتفع لأنه أبلغ في الإعلام [ ولأنه A كان يخطب على منبره ] .
معتمدا على سيف أو عصا أو قوس [ لفعله A ] رواه أبو داود .
وأن يجلس بينهما قليلا لقول ابن عمر : [ كان النبي A يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ] متفق عليه .
فإن أبى أو خطب جالسا فصل بينهما بسكتة ليحصل التمييز بينهما وليست واجبة لأن جماعة من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس : منهم المغيرة وأبي بن كعب قاله أحمد .
وسن قصرهما والثانية أقصر لحديث عمار مرفوعا : [ إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ] رواه مسلم .
ولا بأس أن يخطب من صحيفة كقراءة في الصلاة من مصحف