باب المسابقة .
وهي جائزة في السفن والمزاريق والطيور وغيرها وعلى الأقدام وبكل الحيوانات أجمع المسلمين على جواز المسابقة في الجملة لقوله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } [ الأنفال : 60 ] ولمسلم مرفوعا : [ ألا إن القوة الرمي ] وعن ابن عمر : [ أن النبي A سابق بين الخيل المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ] متفق عليه [ وسابق النبي A عائشة على قدميه ] رواه أحمد وأبو داود [ وصارع ركانة فصرعه ] رواه أبو داود [ وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله A ] رواه مسلم [ ومر النبي A بقوم يرفعون حجرا ليعلموا الشديد منهم فلم ينكر عليهم ] .
لكن لا يجوز أخذ العوض إلا في مسابقه الخيل والإبل والسهام لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ] رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجة نصل ويتعين حمله على المسابقة بعوض جمعا بينه وبين ما تقدم للإجماع على جوازها بغير عوض في غير الثلاثة ولأنها آلات الحرب المأمور بتعلمها وأحكامها وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعا .
بشروط خمسة : الأول : تعيين المركوبين والراميين بالرؤية لأن القصد معرفة جوهر الدابتين ومعرفة حذق الرماة ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية .
الثاني : اتحاد المركوبين أو القوسين بالنوع فلا تصح بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية لأن التفاوت بينهما معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين .
الثالث : تحديد المسافة بما جرت به العادة لحديث ابن عمر السابق فلو جعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها غالبا وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لم تصح لأن الغرض المقصود بالرمي يفوت بذلك قال في الشرح : وقيل : ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني .
الرابع : علم العوض وإباحته وجوز حالأ ومؤجلا .
الخامس : الخروج عن شبه القمار بأن يكون العوض من واحد فإن كان من الإمام على أن من سبق فهو له جاز ولو من بيت المال لأن فيه مصلحة وحثا على تعليم الجهاد ونفعا للمسلمين أو كان من أحد غيرهما أو من أحدهما جاز وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فأولى أن يجوز من أحدهما وعن ابن عمر [ أن النبي A سبق بين الخيل وأعطى السابق ] رواه أحمد .
فإن أخرجا معا لم يجز لأنه قمار إذ لا يخلو كل منهما أن يغنم أو يغرم لحديث ابن مسعود مرفوعا : [ الخيل ثلاثة : فرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان فأما فرس الرحمن : فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله أجر وأما فرس الشيطان : فالذي يقامر ويراهن عليه ] الحديث رواه أحمد وحمل على المراهنة من الطرفين من غير محلل .
إلا بمحل لا يخرج شيئا وبه قال ابن المسيب و الزهري وحكي عن مالك : لا أحبه وعن جابر بن زيد أنه قيل له : إن الصحابة لا يرون به بأسا فقال : هم أعف من ذلك قاله في الشرح .
ولا يجوز كون المحلل .
أكثر من واحد لدفع الحاجة به .
يكافئ مركوبه مركوبيهما في المسابقة .
ورميه رمييهما في المناضلة لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارا ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار ] رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن أن يسبق لأن وجوده كعدمه واختار الشيخ تقي الدين : يجوز من غير محلل قال : وهو أولى واقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما وهو بيان عجز الآخر انتهى .
فإن سبقا معا أحرزا سبقيهما ولا شئ للمحلل لأنه لم يسبق أحدهما .
ولم يأخذا من المحلل شيئا لئلا يكون قمارا .
وإن سبق أحدهما أو سبق المحلل أحرز السبقين لوجود شرطه ويسن أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني لفعل الصحابة Bهم قال إبراهيم التيمي : رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين وعن ابن عمر مثله ويروى أن الصحابة يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهبانا ويروى مرفوعا : [ ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة ] ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما إذا أصاب وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وغيظه وحرمه ابن عقيل .
والمسابقة جعالة لأن الجعل في نظير عمله وسبقه .
لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل لأنها عقد على ما لم تعلم القدرة على تسليمه وهو السبق أو الإصابة أشبه الجعل في رد الآبق .
ولكل فسخها كسائر الجعالات .
ما لم يظهر الفضل لصاحبه فإن ظهر فللفاضل الفسخ وليس للمفضول لئلا يفوت غرض المسابقة فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ