باب المساقاة .
وهي : دفع شجر لمن يقوم بمصالحه بجزء من ثمره بشرط كون الشجر معلوما للمالك والعامل برؤية أو وصف فلو ساقاه على بستان غير معين ولا موصوف أوعلى أحد هذين الحائطين لم يصح لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان فلم تجز على غير معلوم كالبيع .
وأن يكون له ثمر يؤكل من نخل وغيره لحديث ابن عمر : [ عامل النبى A أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ] متفق عليه وهذا عام في كل ثمر .
وأن يشرط للعامل جزء مشاع معلوم من ثمره كالمضاربة فلو شرطا في المساقاة الكل لأحدهما أوآصعا معلومة أو ثمرة شجرة معينة لم تصح قال في الشرح : تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته هذا قول الخلفاء الراشدين وقال أيضا : وتصح على البعل كالسقي لا نعلم فيه مخالفا لأن الحاجة تدعو إلى المعاملة فيه كدعائها إلى المعاملة في غيره انتهى وأما حديث ابن عمر : [ كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج : أن رسول الله A نهى عن المخابرة ] فمحمول على رجوعه عن معاملات فاسدة فسرها رافع قال في الشرح قلنا : لا يجوز حمل حديث رافع ولا حديث ابن عمرعلى ذلك [ لأنه A لم يزل يعامل أهل خيبر والخلفاء على ذلك بعده ثم من بعدهم ] ولو صح خبر رافع لحمل على ما يوافق السنة فروى البخاري فيه : كنا نكري الأرض بالناحية منها وفسر بغير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب جدا قال أحمد : يروى عن رافع في هذا ضروب كأنه يريد أن اختلاف الروايات عنه توهن حديثه وأنكره زيد بن ثابت وغيره عليه ولم يقبلوا حديثه وحملوه على أنه غلط في روايته انتهى باختصار .
والمزارعة : دفع الأرض والحب لمن يزرعه ويقوم بمصالحه قال في الشرح : وتجوز المزارعة بجزء معلوم للعامل في قول أكثر أهل العلم .
بشرط كون البذر معلوما جنسه وقدره ولو لم يوكل وعلمه برؤية أو صفة لا يختلف معها كشجر في مساقاة وإن قال : مازرعتها من شئ فلي نصفه صح لحديث خيبر .
وكونه من رب الأرض نص عليه واختاره عامة الأصحاب قياسا على المساقاة والمضاربة وعنه : لا يشترط فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر وابن مسعود وغيرهما ونص عليه في رواية مهنا وصححه في المغني و الشرح واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين و ابن القيم وصاحب الفائق قال في الإنصاف وعليه عمل الناس لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر ولم يذكر النبي A أن البذر على المسلمين وفي بعض ألفاظ الحديث ما يدل على أنه جعل البذر عليهم قال ابن عمر : [ دفع رسول الله A نخل خيبر وأرضها إليهم على أن يعملوها من أموالهم ] رواه مسلم وعن عمر Bه : [ أنه كان يعامل الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا ] علقه البخاري .
وأن يشرط للعامل جزء مشاع معلوم منه لما تقدم قال في الشرح : ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم زائدا على ماله من الثمرة بغير خلاف وقال : وكذا لو شرط لأحدهما زرع ناحية معينة أو ما على الجداول منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد إجماعا لصحة الخبر بالنهي عنه انتهى .
ويصح كون الارض والبذر والبقر من واحد والعمل من آخر قياسا على المضاربة لأنه عقد على العمل في مال ببعض نمائه فأشبه المضاربة وكالمزارعة على المزرع الموجود الذي ينمى بالعمل فيصح لأنه إذا جاز في المعدوم مع كثرة الغرر فعلى الموجود مع قلته أولى قال في الشرح : وتجوز إجارة الأرض بالذهب والفضة والعروض غير المطعوم في قول عامة أهل العلم لقول رافع : [ أما بالذهب والفضة فلا بأس ] ولمسلم : [ أما بشئ معلوم مضمون فلا بأس ] انتهى وقال ابن عباس : [ إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة ] رواه البخاري تعليقا .
وأما إجارتها بطعام فثلاثة أقسام : .
أحدها : إجارتها بطعام معلوم غير الخارج منها فأجازه الأكثر ومنع منه مالك وعن أحمد : ربما تهيبته لما في حديث رافع : [ لا يكريها بطعام مسمى ] رواه أبو داود .
الثاني : بطعام معلوم من جنس ما يخرج منها ففيه روايتان .
الثالث : إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها فالمنصوص جوازه قاله في الشرح والمساقاة والمزارعة عقد جائز لقوله A : [ نقركم على ذلك ما شئنا ] رواه مسلم فلو كانت لازمة لقدر مدتها وقيل عقد لازم قال في الشرح : وهو قول أكثر الفقهاء انتهى لأ نه عقد معاوضة فكان لازما اختاره الشيخ تقي الدين لحديث : [ المؤمنون على شروطهم ] فعلى هذا يفتقر إلى تقدير مدتها كالإجارة .
فإن فقد شرط فالمساقاة والمزارعة فاسدة والثمر والزرع لربه لأنه نماء ملكه .
وللعامل أجرة مثله لأن بذل منافعه بعوض لم يسلم له .
ولا شئ له إن فسخ أو هرب قبل ظهور الثمرة لإسقاط حقه برضاه كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح .
وإن فسخ بعد ظهورها فالثمرة بينهما على ما شرطا وعلى العامل تمام العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد ظهورالربح .
مما فيه نمو أو صلاح للثمرة والزرع من السقي بالماء وإصلاح طرقه والحرث وآلته وبقره وقطع الشوك والحشيش المضر واليابس من الشجرة والحفظ والتشميس وإصلاح موضعه ونحو ذلك وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء الأنهار وحفر بئر الماء ونحوه .
والجذاذ عليهما بقدر حصتهما نص عليه لأنه إنما يكون بعد تكامل الثمر وانقضاء المعاملة أشبه نقله إلى المنزل وعنه : الحصاد واللقاط والجذاذ على العامل [ لأن النبي A دفع خيبر إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم ] وهذا من العمل مما لا تستغني عنه الثمرة أشبه التشميس قاله في الكافي .
ويتبعان العرف في الكلف السلطانية : فما عرف أخذه من رب المال فعليه ومن العامل فعليه .
ما لم يكن شرط فيتبع أي : يعمل به قال الشيخ تقي الدين : وما طلب من قرية من وظائف سلطانية ونحوها فعلى قدرالأموال وإن وضعت على الزرع فعلى ربه أو على العقار فعلى ربه ما لم يشترطه على مستأجر وإن وضع مطلقا رجع إلى العادة انتهى