باب الاعتكاف .
هو لغة : لزوم الشئ ومنه { يعكفون على أصنام لهم } .
واصطلاحا : لزوم مسجد أي لزوم مسلم عاقل - ولو مميز لا غسل عليه - مسجدا ولو ساعة لطاعة الله تعالى ويسمى جوازا ولا يبطل بإغماء .
وهو مسنون كل وقت إجماعا لفعله A ومداومته عليه واعتكف أزواجه بعده ومعه وهو في رمضان آكد لفعله A وآكده في عشره الأخير .
ويصح الاعتكاف بلا صوم لقول عمر : [ يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة بالمسجد الحرام فقال النبي A : أوف بنذرك ] رواه البخاري ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل .
ويلزمان أي الاعتكاف والصوم بالنذر فمن نذر أن يعتكف صائما أو بصوم أو يصوم معتكفا أو باعتكاف لزمه الجمع .
وكذا لو نذر أن يصلي معتكفا ونحوه لقوله A : [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] رواه البخاري .
وكذا لو نذر صلاة بسورة معينة ولا يجوز لزوجة اعتكاف بلا إذن زوجها ولا لقن بلا إذن سيده ولهما تحليلهما من تطوع مطلقا ومن نذر بلا إذن .
ولا يصح الاعتكاف إلا بنية لحديث [ إنما الأعمال بالنيات ] .
ولا يصح إلا في مسجد لقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } يجمع فيه أي تقام فيه الجماعة لأن الاعتكاف في غيره يفضي إما إلى ترك الجماعة أو تكرر الخروج إليها كثيرا مع إمكان التحرز منه وهو مناف للاعتكاف إلا من لا تلزمه الجماعة كـ المرأة والمعذور والعبد ف يصح اعتكافهم في كل مسجد للآية .
وكذا من اعتكف من الشروق إلى الزوال مثلا سوى مسجد بيتها وهو الموضع الذي تتخذه لصلاتها في بيتها لأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكما لجواز لبثها فيه حائضا وجنبا .
ومن المسجد ظهره ورحبته المحوطة ومنارته التي هي أو بابها فيه وما زيد فيه المسجد الجامع أفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعة .
ومن نذره أي الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة : مسجد مكة والمدينة والأقصى وأفضلها المسجد الحرام فمسجد المدينة فالأقصى لقوله A : [ صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ] رواه لجماعة إلا أبا داود لم يلزمه - جواب من - أي لم يلزمه الإعتكاف أو الصلاة فيه أي في المسجد الذي عينه إن لم يكن من الثلاثة لقوله A : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ] .
فلو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج لشد الرحل إليه لكن إن نذر الاعتكاف في جامع لم تجزئه في مسجد لا تقام فيه الجمعة .
وإن عين لاعتكافه أو صلاته الأفضل كالمسجد الحرام لم يجز اعتكافه أو صلاته فيما دونه كمسجد المدينة أو الأقصى وعكسه بعكسه فمن نذر اعتكافا أو صلاة بمسجد المدينة أو الأقصى أجزأه بالمسجد الحرام لما روى أحمد وأبو داود عن جابر [ أن رجلا قال يوم الفتح : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال : صل هاهنا فسأله فقال : صل ها هنا فسأله فقال : شأنك إذا ] .
ومن نذر اعتكافا زمنا معينا كعشر ذي الحجة دخل معتكفه قبل ليلته الأولى فيدخل قبيل الغروب من اليوم الذي قبله وخرج من معتكفه بعد آخره أي بعد غروب الشمس آخر يوم منه وإن نذز يوما دخل قبل فجره وتأخر حتى تغرب شمسه وإن نذر زمنا معينا تابعه ولو أطلق وعددا فله تفريقه ولا تدخل ليلة يوم نذره كيوم أجلة نذرها .
ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لما لا بد له منه كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم من يأتيه بهما وكقىء بغتة وبول وغائط وطهارة واجبة وغسل متنجس يحتاجه وإلى جمعة وشهادة لزمتاه والأولى أن لا يبكر لجمعة ولا يطيل الجلوس بعدها وله المشي على عادته وقصد بيته لحاجته إن لم يجد مكانا يليق به بلا ضرر ولا منة وغسل يده بمسجد في إناء من وسخ ونحوه لا بول وفصد وحجامة بإناء فيه أو في هوائه .
ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة حيث وجب عليه الاعتكاف متتابعا ما لم يتعين عليه ذلك لعدم من يقوم به إلا أن يشترطه أي يشترط في ابتداء اعتكافه الخروج إلى عيادة مريض أو شهود جنازة وكذا كل قربة لم تتعين عليه وما له منه بد كعشاء ومبيت ببيته لا الخروج للتجارة ولا التكسب بالصنعة في المسجد ولا الخروج لما شاء وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه وإذا زال العذر وجب الرجوع إلى اعتكاف واجب .
وإن وطئ المعتكف في فرج أو أنزل بمباشرة دونه فسد اعتكافه ويكفر كفارة يمين إن كان الاعتكاف منذورا لإفساد نذره لا لوطئه ويبطل أيضا اعتكافه بخروجه لما له منه بد ولوقل .
ويستحب اشتغاله بالقرب من صلاة وقراءة وذكر ونحوهما واجتناب ما لا يعنيه - بفتح الياء - أي يهمه لقوله A : [ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ] ولا بأس أن تزوره زوجته في المسجد وتتحدث معه وتصلح رأسه أو غيره ما لم يلتذ بشئ منها وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر .
ويكره الصمت إلى الليل وإن نذره لم يف به .
وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه لاسيما إن كان صائما .
ولا يجوز البيع والشراء فيه للمعتكف وغيره ولا يصح