باب القطع في السرقة .
وهي أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه .
إذا أخذ المكلف الملتزم مسلما كان أو ذميا بخلاف المستأمن ونحوه نصابا من حرز مثله من مال معصوم بخلاف حربي لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء قطع لقوله تعالى : { و السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ولحديث عائشة [ تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ] .
فلا قطع على منتهب وهوالذي يأخذ المال على وجه الغنيمة ولا مختلس وهو الذي يختطف الشىء ويمر به ولا غاصب ولا خائن في وديعة أو عارية أو غيرها لأن ذلك ليس بسرقة وليس الأصح إن جاحد العارية يقطع إن بلغت نصابا لقول ابن عمر : [ كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي A بقطع يدها ] رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال أحمد : لا أعرف شيئا يدفعه .
ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب أو غيره ويأخذ منه أو بعد سقوطه نصابا لأنه سرق من حرز .
ويشترط للقطع في السرقة ستة شروط : .
أحدها : أن يكون المسروق مالا محترما لأن ما ليس بمال لا حرمة له ومال الحربي تجوز سرقته بكل حال فلا قطع بسرقة آلة لهو لعدم الاحترام ولا بسرقة محرم كالخمر وصليب وآنية فيها خمر ولا بسرقة ماء أو إناء فيه ماء ولا بسرقة مكاتب وأم ولد ومصحف وحر ولو صغيرا ولا بما عليهما .
الشرط الثاني : ما أشار إليه بقوله : ويشترط أيضا أن يكون المسروق نصابا وهو أي نصاب السرقة ثلاثة دراهم خالصة أو تخلص من مغشوشة أو ربع دينار أي مثقال وإن لم يضرب أوعرض قيمته كأحدهما أي ثلاثة دراهم أو ربع دينار فلا قطع بسرقة ما دون ذلك لقوله A : [ لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا ] رواه أحمد ومسلم وغيرهما [ وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنا عشر درهما ] رواه أحمد .
وإذا نقصت قيمة المسروق بعد إخراجه لم يسقط القطع لأن النقصان وجد في العين بعد سرقتها أو ملكها أي العين المسروقة السارق ببيع أو هبة أوغيرهما لم يسقط القطع بعد الترافع إلى الحاكم وتعتبر قيمتها أي قيمة العين المسروقة وقت إخراجها من الحرز لأنه وقت السرقة التي وجب بها القطع فلو ذبح فيه أي في الحرز كبشا فنقصت قيمته أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن نصاب السرقة ثم أخرجه من الحرز فلا قطع لأنه لم يخرج من الحرز نصابا أو أتلف فيه أي في الحرز المال لم يقطع لأنه لم يخرج منه شيئا .
و الشرط الثالث : أن يخرجه من الحرز فإن سرقه من غير حرز كما لو وجد بابا مفتوحا أو مهتوكا فلا قطع عليه .
وحرز المال ما العادة حفظه فيه إذ الحرز معناه الحفظ ومنه احترز أي : تحفظ .
ويختلف الحرز باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه لاختلاف الأحوال باختلاف المذكورات فحرز الأموال أي النقود والجواهر والقماش في الدور والدكاكين والعمران أي الأبنية الحصينة والمحال المسكونة من البلد وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة والغلق اسم للقفل خشبا كان أو حديدا وصندوق بسوق وثم حارس حرز .
وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما كقدور طبيخ وخزف وراء الشرائج وما يعمل من قصب أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره إذا كان في السوق حارس لجريان العادة بذلك .
وحرز الحطب والخب والحظائر جمع حظيرة - بالحاء المهملة والظاء المعجمة - ما يعمل للإبل والغنم من الشجر تأوي إليه فيعبر بعضه في بعض ويربط .
وحرز المواشي الصير - جمع صيرة وهي الحظيرة - وحرزها أي المواشي في المرعى بالراعي ونظره اليها غالبا فما غاب عن مشاهدته غالبا فقد خرج عن الحرز وحرز سفن في شط بربطها وإبل باركة معقولة بحافظ حتى نائم وحمولتها بتقطيرها مع قائد يراها ومع عدم تقطير بسائق يراها .
وحرز ثياب في حمام ونحوه بحافظ كقعوده على متاع وإن فرط حافظ حمام بنوم أو تشاغل ضمن ولا قطع على سارق إذا وحرز باب ونحوه تركيبه بموضعه .
و الشرط الرابع : أن تنتفي الشبهة عن السارق لحديث [ ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم ] فلا يقطع سارق بالسرقة من مال أبيه وإن علا ولا بسرقة من مال ولده وإن سفل لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر والأب والأم في هذا سواء لما ذكر .
ويقطع الأخ بسرقة مال أخيه و يقطع كل قريب بسرقة مال قريبه لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة من أحدهما للآخر فلم تمنع القطع .
ولا يقطع أحد من الزوجين بسرقته من مال الآخر ولو كان محرزا عنه روى ذلك سعيد عن عمر بإسناد جيد .
وإذا سرق عبد ولو مكاتبا من مال سيده أو سيد من مال مكاتبه فلا قطع .
أو سرق مسلم حر أو قن من بيت المال فلا قطع أو سرق من غنيمة لم تخمس فلا قطع لأن لبيت المال فيها خمس الخمس أو سرق فقير من غلة وقف على الفقراء فلا قطع لدخوله فيهم أو سرق شخص من مال له فيه شركة له أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه كأبيه وابنه وزوجه ومكاتبه لم يقطع للشبهة .
الشرط الخامس : ثبوت السرقة وقد ذكرها بقوله : ولا يقطع إلا بشهادة عدلين يصفانها بعد الدعوى من مالك أو من يقوم مقامه أو بإقرار السارق مرتين بالسرقة ويصفها في كل مرة لاحتمال ظنه القطع في حال لا قطع فيها ولا ينزع أي يرجع عن إقراره حتى يقطع ولا بأس بتلقينه الإنكار .
و الشرط السادس : أن يطالب المسروق منه السارق بماله فلو أقر بسرقة من مال غائب أو قامت بها بينة انتظر حضوره ودعواه فيحبس وتعاد الشهادة .
وإذا وجب القطع لاجتماع شروطه قطعت يده اليمنى لقراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة من مفصل الكف لقول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة وحسمت وجوبا بغمسها في زيت مغلي لتسد أفواه العروق فينقطع الدم .
فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه بترك عقبه وحسمت فإن عاد حبس حتى يتوب وحرم أن يقطع .
ومن سرق شيئا من غير حرز ثمرا كان أو كثرا - بضم الكاف وفتح المثلثة - طلع الفحال أو غيرهما من جمار أو غيره أضعفت عليه القيمة أي ضمنه بعوضه مرتين قاله القاضي واختاره الزركشي وقدم في التنقيح لأن الضعيف خاص بالثمر والطلع والجمار والماشية وقطع به في المنتهى وغيره لأن التضعيف ورد في هذه الأشياء على خلاف القياس فلا يتجاوز به محل النص ولا قطع لفوات شرطه وهو الحرز