باب صلاة التطوع وأوقات النهي .
والتطوع لغة : فعل الطاعة وشرعا : طاعة غير واجبة .
وأفضل ما يتطوع به الجهاد ثم النفقة فيه ثم العلم تعلمه وتعليمه من حديث وفقه وتفسير ثم الصلاة .
وآكدها كسوف ثم استسقاء لأنه A لم ينقل عنه أنه ترك صلاة الكسوف عند وجود سببها بخلاف الاستسقاء فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى .
ثم تراويح لأنها تسن لها الجماعة .
ثم وتر لأنه تسن له الجماعة بعد التراويح وهو سنة مؤكدة روي عن الإمام : من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة وليس بواجب يفعل بين صلاة العشاء و طلوع الفجر فوقته من صلاة العشاء ولو مجموعة مع المغرب تقديما إلى طلوع الفجر وآخر الليل لمن يثق بنفسه أفضل .
وأقله ركعة لقوله A : [ الوتر ركعة من آخر الليل ] رواه مسلم .
ولا يكره الوتر بها لثبوته عن عشرة من الصحابة منهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة Bهم .
وأكثره أي أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة يصليها مثنى مثى أي يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة لقول عائشة : [ كان رسول الله A يصلي بالليل إحدى عثرة ركعة يوتر منها بواحدة ] وفي لفظ : [ يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ] هذا هو الأفضل .
وله أن يسرد عشرا ثم يجلس فيتشهد ولا يسلم ثم يأتي بالركعة الأخيرة و يتشهد و يسلم .
وإن أوتر بخمس أو سبع سردها و لم يجلس إلا في آخرها لقول أم سلمة : [ كان رسول الله A يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام ] رواه أحمد ومسلم .
و إن أوتر بتسع يسرد ثمانية ثم يجلس عقب الركعة الثامنة ويتشهد التشهد الأول ولا يسلم ثم يصلي الركعة التاسعة ويتشهد ويسلم لقول عائشة : [ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه وينهض ولايسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعناه ] .
وأدنى الكمال في الوتر ثلاث ركعات بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم ثم الثالثة ويسلم لأنه أكثر عملا ويجوز أن يسردها بسلام واحد .
يقرأ من أوتر بثلاث في الركعة ا لأولى ب سورة سبح وفي الركعة الثانية ب سورة قل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثالثة ب سوره الإخلاص بعد ا لفاتحة .
ويقنت فيها أي في الثالثة بعد الركوع ندبا [ لأنه صح عنه A من رواية أبي هريرة وأنس وابن عباس ] وإن قنت قبل الركوع بعد القراءة جاز لما روى أبو داود عن أبي بن كعب أن النبي A [ كان يقنت في الوتر قبل الركوع ] فيرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وبطونهما نحو السماء ولو كان مأموما .
ويقول جهرا : اللهم اهدني فيمن هديت أصل الهداية الدلالة وهي من الله التوفيق والإرشاد وعافني فيمن عافيت أي من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وتولنا فيمن توليت الولي ضد العدو من توليت الشىء : إذا اعتنيت به أو من وليته : إذا لم يكن بينك وبينه واسطة وبارك لنا فيما أعطيت أي أنعمت وقنا شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت رواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي قال : [ علمني النبي A كلمات أقولهن في قنوت الوتر وليس فيه ولا يعز من عاديت ] رواه البيهقي وأثبتها فيه ورواه النسائي مختصرا - في آخره : [ وصلى الله على محمد ] اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك إظهارا للعجز والانقطاع لا نحصي أي لا نطيق ولا نبلغ ولا ننهي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اعترافا بالعجز على الثناء وردا إلى المحيط علمه بكل شئ جملة وتفصيلا روى الخمسة [ عن علي أن النبي A كان يقول ذلك في آخر وتره ورواته ثقات ] اللهم صل على محمد لحديث الحسن السابق ولما روى الترمذي عن عمر : [ الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شئ حتى تصلي على نبيك ] وزاد في التبصرة وعلى آل محمد واقتصر الأكثرون على الصلاة عليه A ويمسح وجهه بيديه إذا فرغ من دعائه هنا وخارج الصلاة لقول عمر : [ كان رسول الله A إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ] رواه الترمذي .
ويقول الإمام : اللهم اهدنا إلخ ويؤمن مأموم إن سمعه .
ويكره قنوته في غير الوتر عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء Bهم روى الدراقطني عن سعيد بن جبير قال : أشهد أني سمعت ابن عباس يقول : إن القنوت في صلاة الفجر بدعة الا أن تنزل بالمسلمين نازلة من شدائد الدهر غير الطاعون فيقنت الإمام الأعظم استحبابا في الفرائض غير الجمعة ويجهر به في الجهرية ومن ائتم بقانت في فجر تابع الإمام وأمن .
ويقول بعد وتره : سبحان الملك القدوس ثلاثا ويمد بها صوته في الثالثة .
والتراويح سنة مؤكدة سميت بذلك لأنهم يصلون أربع ركعات ويتروحون ساعة أي : يستريحون عشرون ركعة لما روى أبو بكر عبدالعزيز في الشافي عن ابن عباس : [ أن النبي A كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة ] .
تفعل ركعتين ركعتين في جماعة مع الوتر بالمسجد أول الليل بعد العشاء والأفضل وسنتها في رمضان لما روي في الصحيحين من حديث عائشة [ أنه A صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال : اني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ] وفي البخاري [ أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح ] .
وروى أحمد وصححه الترمذي [ من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ] .
ويوتر المتهجد أي الذي له صلاة بعد أن ينام بعده أي بعد تهجده لقوله A : [ اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ] متفق عليه .
فإن تبع إمامه فأوتر معه أو أوتر منفردا ثم أراد التهجد لم ينقض تره وصلى ولم يوتر وإن شفعه بركعة أي ضم لوتره الذي تبع إمامه فيه ركعة جاز وتحصل له فضيلة متابعة إمامه وجعل وتره آخر صلاته .
ويكره التنفل بينها أي بين التراويح روى الأثرم عن أبي الدرداء : أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال : ما هذه الصلاة ؟ أتصلي وإمامك بين يديك ؟ ليس منا من رغب عنا .
و لا يكره التعقيب وهو الصلاة بعدها أي بعد التراويح والوتر في جماعة لقول أنس : لا ترجعون إلا لخير ترجونه .
وكذا لا يكره الطواف بين التراويح ولا يستحب للإمام الزيادة على ختمة في التراويح إلا أن يؤثروا زيادة على ذلك ولا يستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة ليحوزوا فضلها .
ثم يلي الوتر في الفضيلة السنن الراتبة التي تفعل مع الفرائض وهي عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر لقول ابن عمر : [ حفظت من رسول الله A عشر ركعتين قبل الظهر وركعتن بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي A فيها ] [ حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين ] متفق عليه .
وهما أي ركعتا الفجر آكدها أي أفضل الرواتب لقول عائشة Bها [ لم يكن النبي A على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر ] متفق عليه .
فيخير فيما عداهما وعدا الوتر سفرا .
ويسن تخفيفهما واضطجاع بعدهما على الأيمن ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية : قل هو الله أحد أو يقرأ في الأولى : قولوا أمنا بالله الآية وفي الثاثية : قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة الآية .
ويلي ركعتي الفجر وركعتا المغرب ويسن أن يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص .
ومن فاته شئ منها أي من الرواتب سن له قضاؤه كالوتر لأنه A قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقس الباقي وقال : [ من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر ] رواه الترمذي لكن ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه إلا سنة فجر ووقت كل سنة قبل الصلاة من دخول وقتها إلى فعلها وكل سنة بعد الصلاة من فعلها إلى خروج وقتها فسنة فجر وظهر الأولة بعدهما قضاء .
والسنن غير الرواتب عشرون : أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وأربع بعد المغرب وأربع بعد العشاء غير السنن قال جمع : يحافظ عليها وتباح ركعتان بعد أذان المغرب .
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار لقوله A : [ أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل ] رواه مسلم عن أبي هريرة .
فالتطوع المطلق أفضله صلاة الليل لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص وأفضلها أي الصلاة ثلث الليل بعد نصفه مطلقا لما في الصحيح مرفوعا [ أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ] .
ويسن قيام الليل وافتتاحه بركعتين خفيفتين ووقته من المغرب إلى طلوع الفجر ولا يقومه كله إلا ليلة عيد ويتوجه وليلة النصف من شعبان .
وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى لقوله A : [ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ] رواه الخمسة وصححه البخاري ومثنى معدول عن اثنين اثنين ومعناه معنى المكرر وتكريره لتوكيد اللفظ لا للمعنى وكثرة ركوع وسجود أفضل من طول قيام فيما لم يرد تطويله .
وإن تطوع في النهار بأربع بتشهدين كالظهر فلا بأس لما روى أبو داود وابن ماجة عن أبي أيوب [ أنه A كان يصلى قبل الظهر أربعا لا يفصل بينهن بتسليم ] وإن لم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى ويقرأ في كل ركعة مع الفاتحة سورة وإن زاد علىاثنتين ليلا أو أربع نهارا ولو جاوز ثمانيا بسلام واحد صح وكره في غير الوتر ويصح تطوعه بركعة ونحوها .
وأجر صلاة قاعد بلا عذر على نصف أجر صلاة قائم لقوله A : [ من صلىقائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ] متفق عليه .
ويسن تربعه بمحل قيام وثني رجليه بركوع وسجود .
وتسن صلاة الضحى لقول أبي هريرة [ أوصاني خليلي رسول الله A بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحي وأن أوتر قبل أن أنام ] رواه أحمد ومسلم وتصلى في بعض الأيام دون بعض لأنه A لم يكن يلازم عليها .
وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة وأكثرها ثمان لما روت أم هانئ [ أن النبي A عام الفتح صلى ثماني ركعات سبحة الضحى ] رواه الجماعة .
ووقتها من خروج وقت النهي أي من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال أي إلى دخول وقت النهي بقيام الشمس وأفضله إذا اشتد الحر .
وسجود التلاوة والشكر صلاة لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى له تحريم وتحليل فكان صلاة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر العورة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك .
ويسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع لقول ابن عمر : [ كان النبي A يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته ] متفق عليه وقال عمر : [ إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء ] رواه البخاري .
ويسجد في طواف مع قصر فصل ويتيمم محدث بشرطه ويسجد مع قصره وإذا نسي سجدة لم يعد الآية لأجله ولا يسجد لهذا السهو ويكرر السجود بتكرارالتلاوة كركعتي الطواف .
قال في الفروع : وكذا يتوجه في تحية المسجد إن تكرر دخوله ا هـ ومراده غير قيم المسجد .
دون السامع الذي لم يقصد الاستماع لما روي أن عثمان بن عفان Bه مر بقاص يقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة على من استمع ولأنه لا يشارك القارئ في الأجر فلم يشاركه في السجود .
وإن لم يسجد القارئ أو كان لا يصلح إماما للمستمع لم يسجد لأنه A [ أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله A فقال : إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا ] رواه الشافعي في مسنده مرسلا .
ولا يسجد المستمع قدام القارئ ولا عن يساره مع خلو يمينه .
ولا رجل لتلاوة امرأة ويسجد لتلاوة أمي وصبي .
وهو أي سجود التلاوة أربع عشرة سجدة في الأعراف الرعد والنحل وسبحان ومريم و في الحج منها ثنتان والفرقان و النمل وآلم تنزيل وحم السجدة والنجم والانشقاق واقرأ باسم ربك وسجدة ص سجدة شكر .
ولا يجزئ ركوع ولا سجود الصلاة عن سجدة التلاوة .
و إذا أراد السجود فإنه يكبر تكبيرتين تكبيرة إذا سجد وتكبيرة إذا رفع سواء كان في الصلاة أو خارجها .
ويجلس إن لم يكن في الصلاة ويسلم وجوبا وتجزئ واحدة ولا يتشهد كصلاة الجنازة ويرفع يديه إذا سجد ندبا ولو في صلاة وسجو د عن قيام أفضل .
ويكره للإمام قراءة آية سجدة في صلاة سر و كره سجوده أي سجود الإمام للتلاوة فيها أي في صلاة سرية كالظهر لأنه إذا قرأها إما أن يسجد لها أو لا فإن لم يسجد لها كان تاركا للسنة وإن سجد لها أوجب الإبهام والتخليط على المأموم .
ويلزم الماموم متابعته في غيرها أي غير الصلاة السرية ولو مع ما يمنع السماع كبعد وطرش ويخير في السرية .
ويستحب في غير الصلاة سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم مطلقا لما روى أبو بكرة Bه : [ أن النبي A كان إذا أتاه امر يسر به خر ساجدا ] رواه أبوداود وغيره وصححه الحاكم .
وتبطل به أي بسجود الشكر صلاة غير جاهل وناس لأنه لا تعلق له بالصلاة بخلاف سجود التلاوة وصفة سجود الشكر وأحكامه كسجود التلاوة