باب موقف الصلاة .
إذا كان المأموم واحدا وقف عن يمين الإمام فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه فإن جاء آخر كبر وتأخر فصفا خلفه ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقا فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيده لما روى جابر قال : سرت مع النبي A في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله A فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه من المسند وإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال : هكذا رأيت رسول الله A فعل رواه أبو داود ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء .
فإذا كان معهم امرأة قامت خلفهم لما روى أنس قال : قام رسول الله A وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى بنا ركعتين متفق عليه فإن اجتمع رجال وصبيان و خناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال : ألا أحدثكم بصلاة النبي A ؟ قال : أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال : هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي رواه أبو داود .
فإن لم يكن مع الرجال إلا امرأة وقفت خلفه فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لما روى ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي A يصلي من الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه .
فإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما كما في حديث ابن مسعود وجعل الرجل عن يمينه أو جعلهما عن يمينه وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس .
فصل : .
فإن وقف المأموم قدام الإمام لم تصح صلاتهم لقول النبي A : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به ] .
وإن وقف الواحد خلف الصف أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته لأن النبي A أدار ابن عباس وجابر لما وقفا عن يساره وروى وابصة بن معبد أن النبي A رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد رواه أبو داود وعن علي بن شيبان قال : صلى بهم النبي A فانصرف ورجل فرد خلف الصف فتوقف النبي A حتى انصرف الرجل فقال النبي A : [ استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف ] رواه الأثرم قال أحمد Bه : فيه وفي حديث وابصة هذا حديث حسن .
ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الإمام فإن صلى ركعة واحدة لم تصح صلاته وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات : .
إحداهن : يصح لأنه لم يصل ركعة واحدة أشبه ما لو أدرك الركوع .
والثانية : لا يصح لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه من صلى ركعة .
والثالثة : إن كان جاهلا لم يعد وإن كان عالما أعاد لما روى البخاري أن أبا بكرة انتهى إلى النبي A وهو راكع فركع قبل أن يصله فذكر ذلك للنبي A فقال : [ زادك الله حرصا ولا تعد ] فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود والنهي يقضي الفساد فإن ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات فحكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف ليخيفه الفوات وعدمه ويحتمل أن لا يصح لأن الرخصة وردت في حق المعذور فلا يلحق به غيره .
فصل : .
ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ لأنهم من غير أهل الوقوف معه وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفا : لأنهم من أهل الوقوف معه وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفا لحديث أنس وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفا لأنه كالمتنفل واحتمل أن لا يصح لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة .
وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته لأنه لو كان إماما له صحت صلاته .
وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وقال أبو بكر : تبطل صلاة من يليها لأنه خالف الموقف والأول أولى لأنها هي التي خافت بوقوفها مع الرجال فلم تبطل صلاتها فصلاته أولى .
فإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث .
فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها فإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام فإن لم يمكنه نبه رجلا يتأخر معه فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى .
فصل : .
السنة للمرأة إذا أمت نساء أن تقوم وسطهن لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة Bهما وإن كانت معهما امرأة وقفت عن يمينها وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس .
فصل : .
والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف لأن النبي A قال : [ وسطوا الإمام وسدوا الخلل ] رواه أبو داود وإن يتموا الصف الأول لما روى أنس أن رسول الله A قال : [ أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر ] رواه أبو داود .
و خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لقول رسول الله ( ص ) : [ خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ] رواه مسلم قال أحمد : ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان الغلمان لأن النبي ( ص ) قال : [ ليلني منكم أولوا الأحلام والنهي ] رواه مسلم .
فصل : .
والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين لما روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله ( ص ) وهو يقول : [ إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم ] وقال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت علي يدي رواه أبو داود فإن فعل فقال ابن حامد : تبطل صلاته لارتكاب النهي وقال القاضي : لا تبطل لأن عمارا بنى على صلاته وعن أحمد Bه : لا بأس بهذا لما روى سهل قال : رأيت رسول الله ( ص ) قام على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم قال : [ أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ] متفق عليه ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف .
فصل : .
يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد وإن تباعد لأن المسجد كله موضع للجماعة فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير لم يصح الائتمام به لتعذر اتباعه وإن منع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان : .
أصحها صحة الصلاة لأن أحمد قال في المنبر إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير فأشبه المشاهد .
والثاني : لا يصح لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها : لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب والحجاب موجود هاهنا فإن كان المأموم في غير المسجد وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه لم تصح الصلاة لحديث عائشة وقال ابن حامد : يمنع في الفرض وفي النافلة روايتان .
وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس ويشترط اتصال الصفوف وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق والصحيح أن هذا لا يمنع لأنه لا يمنع المتابعة إلا أن يكون عريضا يمنع الاتصال .
فصل : .
ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ] رواه الأثرم قال سهل : كان بين النبي ( ص ) وبين القبلة ممر الشاة رواه البخاري و مسلم .
وقدر السترة مثل آخر الرحل وقد قدر الذراع أو عظم الذراع إلا أن النبي ( ص ) قال : [ إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال ما مر وراء ذلك ] رواه مسلم .
ويجوز أن يستتر بعصا أو حيوان لأن النبي ( ص ) كان تركز له الحرية فيصلي إليها و يعرض البعير فيصلي إليه وقال نافع : كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية قال : ولني ظهرك فإن لم يجد سترة خط خطا لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه ] رواه أبو داود قال أحمد Bه : الخط عرضا مثل الهلال وقد قالوا طولا وقالوا عرضا .
قال الشيخ : وأنا أختار هذا فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط عرضها بين يديه لأنها تقوم مقام الخط ولا يصمد للسترة لكن ينحرف عنها يسيرا لقول المقداد : ما رأيت رسول الله ( ص ) يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ولا يصمد له صمدا رواه أبو داود .
وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي ( ص ) كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء .
فصل : .
وإذا مر من وراء سترته بشيء فلا بأس للحديث فإن أراد المرور دونها رده فإن لح دفعه إلا أن يغلبه أن يحوجه إلى عمل كثير لما روى أبو سعيد قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : [ إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو الشيطان ] متفق عليه فإن مر بين يديه لم يرده من حيث جاء لأنه مرور ثان وإن صلى إلى غير سترة فمر من بين يديه شيء فحكمه حكم ما مر بينه وبين السترة للحديث ويتقيد ذلك بالقريب منه الذي لو مشى إليه فدفعه لم تفسد صلاته لأن النبي ( ص ) أمر بدفع المار فتقيد به بدلالة الإجماع بما لا يفسد الصلاة فكذلك هذا .
فصل : .
ويحرم المرور بين يدي المصلي لما روى أبو جهيم الأنصاري قال : قال رسول الله ( ص ) : [ لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه ] متفق عليه ولا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد لما روى أبو ذر قال : قال رسول الله ( ص ) : [ إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخر الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخر الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ] قلت : يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي سألن رسول الله ( A ) كما سألتني فقال : [ الكلب الأسود شيطان ] رواه مسلم .
وعن أحمد أن مرور المرأة والحمار يقطع الصلاة للحديث والمشهور الأول لأن .
عائشة Bها قالت : عدلتمونا بالكلب والحمار لقد كان رسول الله ( ص ) يصلي صلاته في الليل كلها وأنا معترضة بينه مبين القبلة متفق عليه وقال : الفضل بن عباس : أتانا النبي ( ص ) ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالى ذلك رواه أبو داود فإن كان الكلب واقفا بين يديه ففيه وجهان : .
أحدهما : حكمه حكم المار لأنه حصل بين يديه أشبه المار .
والثاني : لا تفسد صلاته لأن حكم الواقف يخالف حكم المار بدليل أن النبي ( ص ) كان يصلي إلى البعير ويصلي وعائشة في قبلته ولا يرى ذلك كالمرور ومن غضب سترة فاستتر بها فهل يمنع ما مر وراءها فيه وجهان بناء على الصلاة في الثوب المغصوب .
فصل : .
ولا حاجة في مكة إلى سترة ولا يضره ما بين يديه لأن المطلب قال : رأيت رسول الله ( ص ) يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه رواه الخلال : وكان ابن الزبير Bه يصلي والطواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها