باب قسم الفيء .
فصل .
و هو : كل مال أخذ من المشركين بغير قتال كالجزية و الخراج و العشور المأخوذة من تجارهم و ما تركوه فزعا هربوا أو بذلوه لنا في الهدنة و نحو ذلك فذكر الخرقي : أنه يخمس فيصرف خمسه إلى من يصرف إليه خمس الغنيمة لقول الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } و هؤلاء أهل الخمس و هذا إحدى الروايتين عن أبي عبد الله C و ظاهر المذهب أنه لا يخمس لقول الله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } الآيات فجعله كله لجميع المسلمين قال عمر Bه لما قرأها : هذه استوعبت المسلمين و لئن عشت ليأتين الراعي و هو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه و على كلتا الروايتين يبدأ فيه بالأهم فالأهم و أهم المصالح كفاية أجناد المسلمين بأرزاقهم و سد الثغور بمن فيه كفاية و كفايتهم بأرزاقهم و بناء ما يحتاج إلى بنائه منها و حفره الخنادق و شراء ما يحتاج إليه من الكراع و السلاح ثم الأهم فالأهم من عمارة القناطر و الطرق و المساجد و كري الأنهار و سد البثوق و أرزاق القضاة و الأئمة و المؤذنين و من يحتاج إليه المسلمون وكل ما يعود نفعه إلى المسلمين ثم ما فضل قسمه على المسلمين لما ذكرنا من الآية و قول عمر Bه و ذكر القاضي : أن الفيء لأهل الجهاد خاصة دون غيرهم من الأعراب ومن لا يعد نفسه للجهاد لأنه ذلك كان للنبي صلى الله عليه و سلم لحصول النصرة به فلما مات أعطي لمن يقوم مقامه في ذلك و هم المقاتلة دون غيرهم .
فصل .
ويفرض للمقاتلة من المسلمين قدر كفايتهم لأنهم كفوا المسلمين أمر الجهاد فيجب أن يكفوا المؤنة و يتعاهد عدد عيالهم لأنهم قد يزيدون و ينقصون و يتعرف أسعار ما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة لأنه قد يغلوا و يرخص لتكون أعطيتهم على قدر كفايتهم و لا يفرض في المقاتلة لصبي و لا مجنون و لا عبد و لا مرأة و لا ضعيف عاجز عن الجهاد و لا لمريض لا يرجى برؤه لأنهم من غير أهل الجهاد و يفرض للمريض المرجو برؤه لأن أحدا لا يخلو من عارض و إن مات مجاهد وله عائلة أجري عليهم قدر كفايته لأن فيه تطبيب قلوب المجاهدين فمتى علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد موتهم توفروا على الجهاد و إن علموا خلاف ذلك توفروا على الكسب و آثروه على الجهاد فإذا بلغ الذكور منهم فاختاروا أن يكونوا من المقاتلة فرض لهم و إن لم يختاروا تركوا و متى تزوجت المرأة سقط حقها لأنها خرجت من عيال الميت و من مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه لأنه مات بعد الاستحقاق فانتقل حقه إلى وارثه كسائر الموروثات .
فصل .
و ينبغي للإمام أن يضع ديوانا يكتب فيه أسماء المقاتلة و قدر أرزاقهم لما روي عن أبي هريرة قال : قدمت على عمر Bه ثمانمائة ألف درهم فلما أصبح أرسل إلى نفر من أصحاب رسول الله A فقال لهم : قد جاء للناس مال لم يأتيهم مثله منذ كان الإسلام أشيروا علي بمن أبدأ ؟ قالوا : بك يا أمير المؤمنين إنك ولي ذلك قال : لا و لكن ابدأوا بأهل بيت رسول الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب فوضع الديوان على ذلك و يجعل لكل طائفة عريفا يقوم بأمرهم و يجمعهم وقت العطاء و وقت الغزو لأنه يروى أن النبي A جعل عام خيبر على كل عشرة عريفا و يجعل العطاء في كل عام مرة أو مرتين و لا يجعل في أقل من ذلك لئلا يشغلهم عن الغزو ويبدأ ببني هاشم لأنهم أقارب رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ذكرنا من خبر عمر ثم ببني المطلب لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إنما بنو هاشم و بنو المطلب شيء واحد ] وشبك بين أصابعه ثم ببني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبيه و أمه قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز : عبد شمس كان يتلو هاشما وهما بعد لأم و أب ثم ببني نوفل لأنه أخو هاشم لأبيه ثم يعطى بنو عبد العزى و عبد الدار و يقدم عبد العزى لأن فيهم أصهار رسول الله A فإن خديجة منهم فعلى هذا : يعطى الأقرب فالأقرب حتى تنقضي قريش و هم بنو النضر بن كنانة ثم يقدم الأنصار على سائر العرب لسابقتهم و آثارهم الجميلة ثم سائر العرب ثم العجم وإن استوى اثنان في الدرجة قدم أسنهما ثم أقدمهما هجرة و سابقة .
فصل .
واختلفت الرواية عن أحمد في جواز تفضيل بعضهم على بعض فروي عنه : أنه يسوى بينهم في العطاء ولا يجوز التفضيل لأن أبا بكر الصديق Bه سوى بينهم فيه و قال : فضائلهم عند ربهم و لأن الغنائم تقسم بين من حضر الوقعة على السواء فكذلك الفيء و عنه : أن للإمام تفضيل قوم على قوم لأن عمر Bه قسم بينهم على السوابق و قال : لا أجعل من قاتل على الإسلام كمن قوتل عليه و لأن النبي صلى الله عليه و سلم قسم النفل بين أهله متفاضلا وهذا في معناه .
فصل .
ومن ضل من أهل الحرب الطريق فوقع في دار الإسلام أو حملته الريح في المركب إلينا أو شرد من دوابهم فحصل في أيدينا ذكر أبو الخطاب فيه روايتين : .
إحداهما : يكون فيئا لأنه مال مشرك ظهر عليه بغير قتال أشبه ما تركوه فزعا وهربوا .
و الثانية : هو لمن أخذه لأنه مباح ظهر عليه بغير جهاد فكان لآخذه كمباحات دار الإسلام و قد روي عن أحمد فيمن ضل الطريق منهم فدخل إلى قرية قال : هو لأهل القرية كلهم وقال في عبد أبق إلى أرض الروم ثم رجع و معه متاع : فالعبد لمولاه و ما معه من متاع و المال فهو للمسلمين و قال القاضي : هذا على الرواية التي تجعل غنيمة الذين دخلوا أرض الحرب بغير إذن الإمام فيئا فأما على الرواية الأخرى فيكون المال لسيده لأنه كسب عبده و في تخميسه روايتان و لو أسر الكفار رجلا فغنم منهم شيئا و خرج به إلى دار الإسلام كان له لأنه كسبه و يحتمل أن يجب فيه الخمس لأنه غنيمة وقد روى الأوزاعي أنه لما أقفل عمر بن عبد العزبز الجيش الذين كانوا مع مسلمة كسر مركب بعضهم فأخذ المشركون ناسا من القبط فكانوا خدما لهم ثم خرجوا إلى عبد لهم و خلف القبط في مركبهم و رفع القبط القلع وفي المركب متاع الآخرين و سلاحهم فلم يضعوا قلعهم حتى أتوا بيروت فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليهم عمر : نفلوهم القلع و كل شيء جاؤوا به إلا الخمس رواه سعيد و يحتمل أن يكون فيئا استدلالا بقول عمر : نفلوهم الذي جاؤوا به ولو كان لهم لم يكن نفلا