باب الأنفال و الأسلاب .
النفل : ما يعطاه زيادة على سهمه و هو نوعان : .
أحدهما : ما يستحق بالشرط و هو ضربان : .
أحدهما : أن الأمير إذا دخل دار الحرب غازيا بعث سرية بين يديه تغير على العدو و يجعل لهم الربع بعد الخمس فإذا قفل بعث سرية تغير و يجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لها ثم قسم الباقي في الجيش و السرية معه لما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم نفل الربع في البدأة و الثلث في الرجعة و في لفظ : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينفل الربع بعد الخمس و الثلث بعد الخمس إذا قفل رواهما أبو داود و عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينفل في البدأة الربع و في القفول الثلث قال الترمذي : هذا حديث حسن و روى الأثرم عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال لجرير بن عبد الله لما قدم عليه في قومه يريد الشام : هل لك أن تأتي الكوفة و لك الثلث بعد الخمس من كل أرض و سبي ؟ و لا تجوز الزيادة على الثلث لأن نفل النبي صلى الله عليه و سلم انتهى إليه و يجوز النقص منه لأنه إذا جاز أن لا ينفل شيئا فلأن يجوز تنفيل القليل أولى و لا يستحق هذا النفل إلا بالشرط نص عليه لأن استحقاقه بغير شرط إنما يثبت بالشرع و لم يرد الشرع باستحقاقه على الإطلاق .
الضرب الثاني : أن يجعل الأمير جعلا لمن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين مثل أن يقول : من طلع هذا الحصن فله كذا أو من نقبه أو من جاء بأسير فله كذا و من جاء بعشرة رؤوس فله رأس و أشباه هذا مما يراه الإمام مصلحة للمسلمين فيجوز لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] و يجوز أن يجعل الجعل من مال المسلمين و مما يؤخذ من المشركين فإن جعله من مال المسلمين لم يجز إلا معلوما مقدرا كالجعل في المسابقة ورد الضالة و إن كان من الكفار جاز مجهولا لأن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الثلث و الربع و سلب المقتول و هو مجهول و لأنه ضرر فيه على المسلمين فجاز مع الجهالة كسلب القتيل .
النوع الثاني : أن يخص الإمام بعض الغانمين بشيء لغنائه و بأسه أو لمكروه تحمله ككونه طليعة أو عينا فيجوز من غير شرط لما روى سلمة بن الأكوع قال : أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فتبعتهم و ذكر الحديث إلى قوله : فأعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم الفارس و الراجل و عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أبا بكر فبيتنا عدونا فقتلت منهم تسعة أهل أبيات فأخذت منهم امرأة فنفلنيها أبو بكر Bه فلما قدمت المدينة استوهبها مني رسول الله صلى الله عليه و سلم فوهبتها له رواهما أبو داود و لأن في هذا تحريضا على القتال و نفعا للمسلمين و الدفع عنهم فجاز كإعطاء السهم .
فصل .
إذا قال : من دلني على القلعة الفلانية أومن دلني على طريق سهل و نحو ذلك فله كذا جاز فإن كان الجعل جارية من القلعة جاز أن تكون معينة وغير معينة كجارية مطلقة فإن لم تفتح القلعة فلا شيء له لأن تقدير الكلام : من دلني على القلعة ففتحها الله علينا فله جارية منها لتعذر تسليمه جارية منها قبل فتحها فإن فتحت فلم يكن فيها جارية أو لم يكن فيها المعينة فلا شيء له لأنه شرط معدوما و إن كان فيها فماتت قبل الفتح فلا شيء له لأنها غير مقدور عليها أشبهت المعدومة وإن كانت باقية سلمت إليه لأنه استحقها بالشرط فإن كانت قد أسلمت قبل الفتح عصمت نفسها بإسلامها وله قيمتها لأنه تعذر تسليمها مع وجودها و القدرة عليها و إن أسلمت بعد الفتح سلمت إليه إن كان مسلما و إن كان مشركا انتقل إلى قيمتها لتعذر تسليمها إليه مع القدرة عليها فإن أسلم بعد ذلك احتمل أن لا يستحقها لأن حقه انتقل إلى قيمتها و احتمل أن يستحقها لأن تعذر تسليمها إليه لمانع زال فأشبه من غصب عبدا فأبق ثم قدر عليه و إن فتحت القلعة صلحا فاستثنى الأمير الجارية و سلمها جاز و إن وقع مطلقا فرضي مستحقها بقيمتها أعطيها و إن أبى و امتنع صاحب القلعة من بذلها بقيمتها فسخ الصلح لتعذر إمضائه لسبق حق الدال و تعذر إيصاله إليه مع تمام المصلحة و يحتمل أن يعطى مستحقها قيمتها لأنه تعذر دفعها إليه فأشبه ما لو أسلمت .
فصل .
ومن قتل في و قت الحرب كافرا فله سلبه لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ] متفق عليه وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم حنين : [ من قتل كافرا فله سلبه ] فقتل أبو طلحة عشرين رجلا و أخذ أسلابهم .
و لا يقبل دعوى القتل إلا ببينة للخبر و لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين نص عليه لأنه دعوى القتل فأشبه قتل المسلم و قياس المذهب أن يقبل فيها ما يقبل في الأموال لأن مقصوده المال فأشبه الشهادة على الغصب والجناية الموجبة للمال و يحتمل أن يقبل فيه قول واحد لأن أبا قتادة لما شهد له الرجل الذي أخذ سلبه دفعه إليه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله وحده و لا يخمس سلب لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فله سلبه ] يتناول جميعه و قد روى عوف بن مالك و خالد بن الوليد Bهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في السلب للقاتل و لم يخمس السلب رواه أبو داود .
فصل .
و لا يستحقه إلا بشروط أربعة : .
أحدها : أن يكون القاتل ذا حق في المغنم حرا كان أو عبدا رجلا أو صبيا أو امرأة لعموم الخبر و إن لم يكن ذا حق كالمخذل و المرجف و الكافر إذا حضر بغير إذن لم يستحقه لأنه لا حق له في السهم الثابت فغيره أولى .
و الثاني أن يغرر بنفسه في قتله كالمبارز فإن قتله بسهم رماه من صف المسلمين و نحوه لم يستحقه لأنه إنما ورد الخبر في المبارز ونحوه .
الثالث : أن يقتله و هو مقبل على الحرب فإن قتل أسيرا أو مثخنا أو منهزما إلى غير فئة لم يستحقه لأن ابن مسعود ذفف على أبي جهل يوم بدر فلم يعط سلبه ولأن استحقاق السلب للمخاطرة و التغرير بالنفس و لا خطر هاهنا و إن قتل موليا ليكر أو متحيزا إلى فئة فله سلبه لأن سلمة بن الأكوع أدرك طليعة للكفار موليا فقتله فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من قتله ؟ ] قالوا : ابن الأكوع قال : [ فله سلبه أجمع ] و لأن القتال كر و فر .
الرابع : أن يقتله لأن الخبر خص القاتل بالسلب فاختص به دون غيره فإن أسره لم يستحق سلبه كذلك وقال القاضي : له سلبه سواء قتله الإمام أو من عليه أو فاداه و له فداؤه لأن مال حصل بسبب تغريره في تحصيله أشبه سلب القتيل و ظاهر كلام أحمد أنه يشترط أن ينفرد بقتله لأنه قال في رواية حرب : له سلبه إذا انفرد بقتله و لأنه يستحق للتغرير بالنفس و لا يحصل مع الاشتراك و إن قطع أحدهما يده أو رجله و قتله الآخر فكذلك لأنهما شريكان فيه وإن قطع أحدهما أربعته و قتله الآخر فسلبه للقاطع لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وتمم عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه و سلم بسلبه لمعاذ و لأن القاطع كفى شره فأشبه القاتل و إن قطع يديه أو رجليه فكذلك لأنه قد عطله ويحتمل أن لا يستحقه لأنه إن قطع رجليه قاتل بيديه و إن قطع يديه فهو يعدو و يكثر و يهيب فما كفى شره وإن عانق رجلا فقتله الآخر فالسلب للقتل للخبر و لأنه قاتل لمن لم يكف المسلمون شره أشبه المطلق و ظاهر المذهب أنه يستحق وإن لم يشرطه الإمام له للخبر إلا أنه أعجب أحمد أن لا يأخذه إلا بإذن الإمام لأنه أمر مجتهد فيه فلا يأخذه إلا بإذنه كالسهم و عنه : لا يستحقه إلا بجعل الإمام قبل قتله أو تنفيله بعده لأنه نفل فلا يستحقه إلا بإذنه كسائر الأنفال .
فصل .
و السلب : ما على القتيل من ثيابه و حليه و سلاحه و إن كثر إنما روى أن عمرو بن معد يكرب حمل على أسوار فطعنه فدق صلبه فصرعه فنزل إليه فقطع يديه و أخذ سوارين كانا عليه و يلمقا من ديباج و سيفا و منطقة فسلم ذلك له و بارز البراء مرزبان الزارة فقتله فبلغ سواراه و منطقته ثلاثين ألفا .
و في الدابة و آلتها روايتان : .
إحداهما : هي من السلب اختارها الخرقي لأنها يستعان بها في الحرب فهي كالسلاح .
و الثانية : ليست منه اختارها الخلال و أبو بكر لأن السلب ما كان على البدن و الدابة ليست كذلك فإن كان يقاتل و هو ممسك بعنانها فعن أحمد أنها من السلب لأنه يركبها إذا احتاج إليها و عنه : ليست منه لأنه ليس بمستعين بها في حال قتاله أشبهت التي في رحله فإن كان معه فرس مجنوبة إلى فرسه فليست من السلب كذلك و كذلك المال الذي كمرانه و غيره ورحله و سلاحه الذي ليس معه حال قتله ليس من السلب لأن سلبه ما عليه حال قتله أو ما يستعان به في القتال