باب صفة اللعان .
وصفته : أن يقول الرجل بمحضر من الحاكم أو نائبه : أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا ويشير إليها إن كانت حاضرة وإن كانت غائبة سماها ونسبها حتى تنتفي المشاركة ثم يقول : وإن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت فيه زوجتي هذه من الزنا ثم تقول المرأة أربع مرات : أشهد الله إن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه فإن كان غائبا سمته ونسبته ثم تقول : وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني من الزنا لقول الله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآيات .
وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس : أن هلال بن أمية قذف امرأته فقال رسول الله A : [ أرسلوا إليها ] فأرسلوا إليها فجاءت فتلا عليهم آية اللعان وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال : والله لقد صدقت عليها فقالت : كذب فقال رسول الله A : [ لاعنوا بينهما ] فقيل لهلال : اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل : يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها : اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها : اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ' وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة ثم قالت : والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله A بينهما وقضى أن لا بيت لهما من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها .
فصل : .
وشروط صحة اللعان ستة : .
أحدها أن يكون بمحضر من الحاكم أو نائبه لأنه يمين في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى وإن كانت المرأة برزة أرسل إليها فأحضرها كما فعل النبي A بامرأة هلال وإن لم تكن برزة بعث من يلاعن بينهما كما يبعث من يستخلفها في سائر الدعاوى .
الثاني : أن يأتي به بعد إلقائه عليه فإن بادر به قبل ذلك لم يعتد به كما لو حلف قبل أن يستحلفه الحاكم .
الثالث : كمال لفظاته الخمس فإن نقص منها شيئا لم يعتد به لأن الله علق الحكم عليها فلا يثبت بدونها ولأنها بينة فلم يجز النقص من عددها كالشهادة .
الرابع : الترتيب على ما ورد به الشرع فإن بدأ بلعان المرأة لم يعتد به لأنه خلاف ما ورد به الشرع ولأن لعان الرجل بينة للإثبات ولعان المرأة بينة للإنكار فلم يجز تقديم الإنكار على الإثبات فإن قدم الرجل اللعنة على شيء من الألفاظ الأربعة أو المرأة الغضب على شيء منها لم يعتد بها لأن الله تعالى جعلها الخامسة فلا يجوز تغييره .
الخامس : الإتيان بصورة الألفاظ الواردة في الشرع فإن أبدل الشهادة ببعض ألفاظ اليمين كقوله : أقسم أو أحلف أو أولي أو أبدل لفظة اللعنة بالإبعاد أو الغضب بالسخط أو غيره لم يعتد به لأنه ترك المنصوص ولأنه موضع ورد الشرع فيه بلفظ الشهادة فلم يجز إبداله كالشهادة في الحقوق وفيه وجه آخر : أنه يجزئ لأن معناهما واحد وقال الخرقي : يقول الرجل : اشهد بالله لقد زنت وليس هذا لفظ النص فيدل ذلك على أنه لم يشترط اللفظ وإن أبدلت المرأة لفظة الغضب باللعنة لم يجز لأن الغضب أغلظ ولذلك خصت به المرأة لأن المعرة والإثم بزناها أعظم من الحاصل بالقذف وإن أبدل الرجل اللعنة بالغضب ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يجوز لمخالفته المنصوص .
والثاني : يجوز لأنه أبلغ في المعنى .
السادس : الإشارة من كل واحد إلى صاحبه إن كان حاضرا أو تسميته ونسبه بما يتميز به إن كان غائبا ليحصل التميز عن غيره وقال الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة C : الفقهاء يشترطون أن يزاد : فيما رميتها به من الزنا وفي نفيها عن نفسها : فيما رماني به من الزنا ولا أراه يحتاج إليه لأن الله تعالى أنزل ذلك وبينه ولم يذكر هذا ولم يأت بالخبر في صفة اللعان عند رسول الله A فاشتراطه زيادة .
فصل : .
ويشترط في اللعان : العربية لمن يحسنها ولا يصح بغيرها لأن الشرع ورد به بالعربية فلم يصح بغيرها كأذكار الصلاة وإن لم يحسن العربية جاز بلسانه لأنه يحتاج إليها فجاز بلسانه كالنكاح فإن عرف الحاكم لسانه أجزأ وإن لم يعرف لسانه أحضر عدلين يترجمان عنه ولا يقبل أقل منهما لأنه بمنزلة الشهادة عليه .
فصل : .
فإن كان بينهما ولد يريد نفيه لم ينتف إلا بذكره في اللعان فإن لم يذكره أعاد اللعان وهذا قول الخرقي واختاره القاضي و قال أبو بكر : لا يحتاج إلى ذكره وينتفي بزوال الفراش لأن حديث سهل بن سعد وصف فيه اللعان ولم يذكر فيه الولد وقال فيه : ففرق رسول الله A بينهما وقضى أنه لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها رواه أبو داود والأول أصح لأن ابن عمر قال : لاعن رجل امرأته في زمن رسول الله A وانتفى من ولدها ففرق رسول الله A بينهما وألحق الولد بالمرأة متفق عليه والزيادة في الثقة مقبولة ولأن من سقط حقه باللعان اشترط ذكره فيه كالزوجة وتذكره المرأة في لعانها لأنهما يتحالفان عليه فاشترط ذكره في تحالفهما كالمختلفين في الثمن ويحتمل أن لا يشترط ذكرها له لأنها لا تنفيه والأول المذهب ولا بد من ذكره في كل لفظة فإذا قال : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا يقول : وما هذا الولد ولدي وتقول هي : هذا الولد ولده في كل لفظة وذكر القاضي : أنه يشترط أن يقول : هذا الولد من زنا وليس مني لئلا يعني بقوله : ليس مني خلقا وخلقا ولا يكفيه قوله : هو من الزنا لأنه قد يعتقد الوطء في النكاح الفاسد زنا والصحيح الأول لأنه نفى الولد فينتفي عنه كما لو قال ذلك .
فصل : .
ويسن في اللعان أربعة أمور : .
أحدها : أن يتلاعنا قياما لأن في بعض ألفاظ حديث ابن عباس فقال هلال فشهد ثم قامت فشهدت ولأن فعله في القيام أبلغ في الردع .
الثاني : أن يكون بمحضر من جماعة لأن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروه مع حداثة أسنانهم في عهد رسول الله A وإنما يحضر الصبيان تبعا للرجال ولأن اللعان بني على التغليظ للردع والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك .
والثالث : أن يعظهما الحاكم بعد الرابعة ويخوفهما كما جاء عن النبي A في حديث ابن عباس .
والرابع : أن يضع رجل يده على الملاعن بعد الرابعة يمنعه المبادرة إلى الخامسة إلى أن يعظه الحاكم ثم يرسلها وتفعل امرأة بالملاعنة بعد رابعتها كذلك لما روى ابن عباس في خبر المتلاعنين قال : : فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه وقال : ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعا بها فقرأ عليها فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها وقال : ويلك كل شيء أهون عليك من غضب الله أخرجه الجوزجاني .
فصل : .
ولا يسن التغليظ بزمن ولا مكان لأنه لم يرد به أثر ولا فعله رسول الله A وإنما دل الحديث على لعانهما كان في صدر النهار لقوله في الحديث : فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله A وذكر الحديث والغدو إنما يكون أول النهار وقال أبو الخطاب : يستحب التغليظ بهما فيتلاعنان بعد العصر لقول الله تعالى : { تحبسونهما من بعد الصلاة } يعني : بعد العصر ويكون في الأماكن الشريفة عند المنابر في الجامع إلا في مكة بين الركن والمقام وفي المسجد الأقصى عند الصخرة لأنه أبلغ في الردع والزجر ولله الحمد والمنة