باب ما يختلف به عدد الطلاق .
إذا قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة لأن لفظه نص في الثلاث لا يحتمل غيرها والنية إنما تصرف اللفظ إلى بعض محتملاته فإن قال : أنت طالق واحدة فهي واحدة وإن نوى ثلاثا لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها وكذلك إن قال : أنت واحدة وإن قال : أنت طالق ولم ينو عددا فهي واحدة وإن نوى ثلاثا أو اثنتين : ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به ثلاث كالتي قبلها .
والثانية : يقع به ما نواه لأنه نوى بلفظ ما يحتمله بدليل أنه يصح تفسيره به فأشبه الكناية وإن قال : أنت طالق طلاقا أو الطلاق وقع ما نواه لأنه صرح بالمصدر وهو يقع على القليل والكثير وإن أطلق وقع بقوله : أنت طالق طلاقا واحدة لأنه اليقين وفي قوله : طالق الطلاق روايتان : .
إحداهما : تطلق ثلاثا لأن الألف واللام للاستغراق .
والثانية : تقع واحدة لأن الألف واللام اشتهر استعمالها في الطلاق لغير الاستغراق كقوله : [ أبغض الحلال إلى الله الطلاق ] وإن قال : فارقتك لزمه الطلاق ومن أكره على الطلاق وكذلك في غيره من الأجناس كقوله : [ اغسليه بالماء ] و [ عليك الصعيد ] و [ تيمم بالتراب ] فيجب حمله على اليقين وهكذا إن قال : أنت الطلاق أو الطلاق يلزمني أو لازم لي أو علي الطلاق أو أنت علي حرام أعني به الطلاق فحكم به على ما ذكرنا وقد نص أحمد فيمن قال : أنت علي حرام أعني به الطلاق أنه ثلاث ومن قال : أعني به طلاقا فهي واحدة .
فصل : .
فإن قال : أنت طالق كل الطلاق أو جميعه أو أكثره أو منتهاه طلقت ثلاثا لأن ذلك هو الطلاق الثلاث وإن قال : أنت طالق كعدد الماء أو الريح أو التراب أو كألف طلقت ثلاثا لأنه يقتضي العدد فإن قال : أنت طالق طلقة صعوبتها كألف قبل لأنه يحتمل ما قاله وإن قال : أنت طالق ملء الدنيا أو اشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه طلقت واحدة لأن ذلك لا يقتضي عددا والطلقة الواحدة توصف بكونها ملء الدنيا ذكرها وإنها أشد الطلاق عليها لضررها به فلم يقع الزائد بالشك فإن نوى ثلاثا وقعت لأن اللفظ يحتملها .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها بمقتضى اللفظ وإن احتمل دخوله لم نوقعه بالشك وعنه : تطلق ثلاثا لأن ما بعد إلى قد يدخل مع ما قبلها كقوله : { وأيديكم إلى المرافق } .
فصل : .
وإن قال : أنت طالق طلقة في طلقتين ونوى الثلاث وقع لأن ( في ) تستعمل في بعنى ( مع ) كقوله تعالى : { فادخلي في عبادي } وإن نوى واحدة لم يقع أكثر منها لأنه إنما أوقع واحدة وإن أطلق ولا يعرف الحساب وقعت واحدة فتطلق بقوله : أنت طالق ولا يقع بقوله : في ثنتين شيء لأنه لا يعرف مقتضاه ويحتمل أنه إن كان في عرفهم استعمال ذلك للثلاث طلقت ثلاثا لأن الظاهر إرادة ما تعارفوه فإن نوى موجبه في الحساب احتمل أن تكون نيته كعدمها قاله القاضي واحتمل أن تطلق طلقتين وهذا قول ابن حامد ووجه القولين ما ذكرنا فيما إذا نوى العجمي بلفظ الطلاق موجبه عند العرب فإن كان يعرف الحساب وقع طلقتان لأن ذلك موجبه عندهم وإن لم ينو فقال أبو بكر : يقع طلقتان لأنه موضوعه عندهم ويحتمل أن تقع واحدة لما ذكرنا في غير الحاسب .
فصل : .
فإن قال : أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه لأن ما لفظ به بعد الإضراب يدخل فيه ما لفظ قبله فلم يلزمه أكثر منه كما لو قال : له علي درهم بل درهمان وإن قال : أنت طالق طلقة بل طلقة طلقت واحدة كما لو قال : له علي درهم بل درهم وهكذا إن قال : أنت طالق بل طالق نص عليه ويحتمل أن يقع طلقتان وإن نوى به طلقتين وقع طلقتان لأنه قصد إيقاع طلقتين بلفظين وإن قال : أنت طالق بل هذه الأخرى طلقتا معا لأنه أوقعه بكل واحدة منهما فأشبه ما لو قال : له علي هذا الدرهم بل هذا ولو قال : أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا وإن قال : أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا لأن التفسير يحصل بالإشارة بدليل قول النبي A : [ الشهر هكذا وهكذا و هكذا ] فإن قال : أردت بعدد المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمله .
فصل : .
وإذا طلقها جزءا من طلقة طلقت واحدة لأن ذكر بعض ما لا يتبعض كذكر جميعه كما لو قال : نصفك طالق وإن قال : أنت طالق نصفي طلقة طلقت طلقة لأن ذلك طلقة وإن قال : ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأنه طلقة ونصف فيكمل النصف بالسراية فتصير طلقتين وإن قال نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وإن قال : أدرت من كل واحدة جزءا طلقت طلقتين لأنه أقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشيء كله وإن قال : ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا لأن نصف الطلقتين طلقة وقد كرره ثلاثا ويحتمل أن يقطع طلقتان ويكون معناه : ثلاثة أنصاف من طلقتين وإن قال : أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة لأن هذه أجزاء طلقة وإن قال : نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا لأنه عطف جزء الطلقة على جزء آخر يدل على المغايرة فيقع جزء من كل طلقة ثم يكمل بالسراية وإن قال : أنت نصف طالق طلقت واحدة كما لو قال : نصفك طالق وإن قال : أنت نصف طلقة طلقت واحدة كما لو قال : أنت الطلاق .
فصل : .
فإن قال لأربع نسائه : أوقعت بينكن أو عليكن طلقة طلقت كل واحدة طلقة لأن لكل واحدة ربع الطلقة ثم تكمل فإن قال : طلقتين فكذلك عن أبي الخطاب لأنه إذا قسم لم تزد كل واحدة على طلقة وكذلك إن أوقع بينهن ثلاثا أو أربعا وإن أوقع بينهن خمسا طلقت كل واحدة طلقتين لأن لكل واحدة طلقة وربع فيكمل الربع طلقة وروى الكوسج عن أحمد إذا قال : أوقعت بينكن ثلاث طلقات : ما أرى إلا قد بن منه فظاهره أنه قد أوقع بكل واحدة ثلاثا لأن نصيب كل واحدة من كل طلقة ربع ثم يكمل بالسراية وهذا قول أبي بكر و القاضي وعلى هذا يتفرع ما أشبهه .
فصل : .
فإن قال : أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو لا ينقص به عدد طلاقك أو لا شيء أو ليس بشيء طلقت لأنه أوقع الطلاق ثم وصفه بما لا يتصف به فلغت الصفة وبقي الطلاق بحاله وإن قال : أنت طالق أو لا ؟ لم تطلق لأنه لم يوقعه وإنما استفهم عنه فلم يقع والله أعلم