كتاب الصداق .
يستحب أن يعقد النكاح بصداق لأن النبي A كان يتزوج ويزوج بناته بصداق وعن سهل بن سعد أن النبي A جاءته امرأة فقالت : إني وهبت نفسي لك فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال : [ هل عندك من شيء تصدقها إياه ] ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله A : [ إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا آخر ] فقال : لا أجد فقال : [ التمس ولو خاتما من حديد ] فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله A : [ هل معك شيء من القرآن ؟ ] قال : نعم سورة كذا وسورة كذا لسورة يسميها فقال النبي A : [ زوجتكها بما معك من القرآن ] متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع فيه .
ويجوز من غير صداق لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } فأثبت الطلاق مع عدم الفرض ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع وهو حاصل بغير صداق .
فصل : .
ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقول النبي A : [ التمس ولو خاتما من حديد ] ولأنه بدل منفعتها فكان تقديره إليها كأجرتها ويجوز أن يكون كثيرا لقوله تعالى : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ولا تستحب الزيادة على خمسمائة درهم لأنه صداق أزواج النبي A وبناته بدليل ما روى أبو سلمة قال : سألت عائشة عن صداق النبي A فقالت : ثنتا عشر أوقية ونش فقلت : وما نش ؟ قالت : نصف أوقية رواه مسلم و أبو داود ولأنه إذا كثر أجحف ودعا إلى المقت ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي A أنه قال : [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ] رواه أحمد .
فصل : .
وكل ما جاز ثمنا في بيع أو عوضا في إجارة من دين وعين وحال مؤجل ومنفعة معلومة من حر أو عبد كرد عبدها من مكان معين وخدمتها في شيء معلوم جاز أن يكون صداقا لأن الله تعالى أخبر عن شعيب أنه قال : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } فجعل الرعي صداقا و لأنه عقد على المنفعة فجاز ما ذكرنا كالإجارة .
فصل : .
وما لا يجوز أن يكون ثمنا ولا أجرة لا يجوز أن يكون صداقا كالخمر وتعليم التوراة والإنجيل وتعليم الذمية القرآن والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع المعتبر قبضه قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالآبق والطير في الهواء لأنه عوض في عقد فأشبه عوض البيع والإجارة ولا يصح أن يكون مجهولا كعبد وثوب هذا اختيار أبي بكر وقال القاضي : يصح في مجهول جهالة لا تزيد على مهر المثل كعبد أو فرس أو بعير أو ثوب هروي أو قفيز حنطة أو قنطار زيت لأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح مع كثرة الجهل فهذا أولى فإن زادت جهالته على جهالة مهر المثل كثوب ودابة وحكم إنسان ورد عبدها أين كان وخدمتها فيما أرادت لم يصح وقال أبو الخطاب : إن تزوجها على عبد من عبيده صح ولها أحدهم بالقرعة نص عليه أحمد وعلى هذا يخرج إذا أصدقها قميصا من قمصانه أو عمامة من عمائمه أو دابة من دوابه لأن الجهالة تقل فيه ولا تصح على عبد مطلق لأن الجهالة تكثير ولنا أنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كثمن البيع وتأويل أبو بكر نص أحمد على أنه عين عبدا فأشكل عليه فإن أصدقها ما لا يجوز أن يكون صداقا لم يبطل النكاح ونقل المروذي عن أحمد : إذا تزوج على مال بعينه غير طيب أنه كرهه وأعجبه استقبال النكاح وهذا يدل على أن النكاح لا يصح اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة ففسد بفساد العوض كالبيع والأول أولى لأن فساده ليس بأكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد ويجب لها مهر المثل لأنها لم ترض إلا ببدله ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري وعلى قول القاضي : إذا أصدقها مجهولا وجب لها الوسط ووسط العبيد السندي فيجب ذلك لها وإن جاءها بقيمته لزم قبوله قياسا على الإبل في الدية .
فصل : .
فإن أصدقها عبدا فخرج حرا أو مستحقا فله قيمته لأن العقد وقع على التسمية لأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا وقد تعذر تسليمه فكانت لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردته وإن أصدقها مثليا فخرج مستحقا فلها مثله لأنه أقرب إليه ولذلك يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها عصيرا فخرج خمرا فذكر القاضي : أن لها قيمته لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال ويحتمل أن يلزمه مثل العصير المسمى لأنه مثلي فوجب إبداله بمثله كما لو أتلف ويفارق هذا ما إذا قال : أصدقتك هذا الخمر أو هذا الحر لأنها رضيت بما لا قيمة له فأشبهت المفوضة ولم ترض هاهنا بذلك وإن قال : أصدقتك هذا الخمر أشار إلى الخل أو هذا الحر وأشار إلى عبده صح ولها المشار إليه لأنه محل يصح العقد عليه فلم يختلف حكمه باختلاف تسميته كما لو قال : أصدقتك هذا الأبيض وأشار إلى الأسود وإن تزوجها على شيء فخرج معيبا فهي مخيرة بين أخذ أرشه وبين رده وأخذ قيمته أو مثله إن كان مثليا لما ذكرنا في أول الفصل .
فصل : .
وإن تزوج الكافر كافرة بمحرم ثم أسلما أو تحاكما إلينا قبل الإسلام والقبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لأنه لا يمكن إجباره على تسليم المحرم وإن كان بعد القبض برئت ذمته كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وإن قبضت البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق خنزيرين أو زقي خمر أو زق خمر وخنزيرا وقبضت أحدهما ففيه وجهان : .
أحدهما : يعتبر العدد لأنه لا قيمة له فكان الجميع واحدا فيقسط على عدده فيسقط نصف الصداق ويجب نصف مهر الثمل .
والثاني : يعتبر بقيمته عندهم أو بالكيل إن كان مكيلا لأنه أخصر .
فصل : .
وإن تزوج المرأة على أن يشتري لها عبدا بعينه صح لأنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو أصدقها رد عبدها من مكان معين فإن لم يبع أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر تسليم المسمى فوجبت قيمته كما لو تلف وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح كذلك ومتى تعذر إعتاقه وجبت قيمته لما ذكرناه وفي المسألتين إذا أمكن الوفاء بما شرطه فبذل قيمته لم يلزمها قبوله لأن الحق ثبت لها في معين فلم يلزم قبول عوضه مع إمكانه كما لو قال : أ صدقتك هذا العبد وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصلح أن يكون عوضا في البيع ولا يلزمه قبول قيمته لأنها استحقت عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها قبول قيمته كالمبيع وعند القاضي : يلزمها قبولها قياسا على الإبل في الدية .
فصل : .
وإن تزوجها على طلاق زوجته الأخرى لم يصح الصداق لأن النبي A قال : [ لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولتنكح فإنما رزقها على الله ] رواه البخاري و مسلم .
وعنه : يصح لأن لها فيه غرضا صحيحا أشبه عتق أبيها فإن فات طلاقها بموتها فقال أبو الخطاب : قياس المذهب أن لها مهر الميتة لأن عوض طلاقها مهرها فأشبه قيمة العبد ويحتمل أن يجب مهر المثل لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل .
فصل : .
وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا فالتسمية فاسدة لأنه في معنى بيعتين في بيعة وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن كان له زوجة فقال أحمد : تصح التسمية قال أبو بكر و القاضي : في المسألتين جميعا روايتان جعلا نصه في إحدى المسألتين رواية في الأخرى لتماثلهما .
إحداهما : فساد التسمية اختاره أبو بكر لأنه لم يعين العوض ففسد كبيعتين في بيعة .
والثانية : يصح لأن الألف معلومة وإنما جعلت الثانية وهي معلقة على شرط فإن وجد كانت زيادة في الصداق والزيادة فيه صحيحة .
فصل : .
فإن أصدقها تعليم شيء مباح كصناعة أو كتابة أو فقه أو حديث أو لغة أو شعر لها أو لغلامها صح ولأنه أحد عوضي الإجارة فجاز صدقا كالأثمان فإن أصدقها تعليم شيء لا يحسنه نظرت فإن قال : أحصل لك تعليمه صح لأنها منفعة في ذمته لا تختص به فأشبه ما لو أصدقها دينارا لا يقدر عليه وإن قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه تعين بفعله وهو عاجز عنه وقال في المجرد يحتمل أن يصح لأنه يقع في ذمته فصح لما ذكرنا فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجرة تعليمها وإن أتته بغيرها ليعلمها مكانها لم يلزمه ذلك لأنهما يختلفان في سرعة التعليم وإبطائه و يحتمل أن يلزمه إذا أتته بمن يجري مجراها كمن اكترى شيئا جاز أن يوليه لمن يقوم مقامه وإن طلقها بعد الدخول قبل تعليمها ففيه وجهان : .
أحدهما : يعلمها من وراء حجاب كما يسمع الحديث من الأجنبية .
والثاني : عليه أجرة التعليم لأنها صارت أجنبية فلا تؤمن الفتنة عليهما في تعليمها أما الحديث فإن الحاجة داعية إلى سماعه لأنه لا بدل له وإن كان قبل الدخول ففي تعليمه النصف الوجهان فإن طلقها بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجرة التعليم .
فصل : .
فإن أصدقها تعليم القرآن أو شيء منه ففيه روايتان : .
إحداهما : يجوز لقول النبي A : [ زوجتكها بما معك من القرآن ] .
والثانية : لا يجوز لأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لصاحبه فلم يكن صداقا كتعليم الإيمان وقد روى النجاد بإسناده أن رسول الله A زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال : [ لا تكون لأحد بعدك مهرا ] فإن قلنا بجوازه فأصدقها تعليم بعض القرآن فمن شرطه تعيين ذلك البعض لأن التعليم والمقاصد تختلف باختلافه وذكر أبو الخطاب وابن عقيل أنه إن كان في البلد قراءات افتقر إلى تعيين أحدها لأن حروف القرآن تختلف فأشبه تعيين الآيات والصحيح أنه لا يفتقر إليه لأنه اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبره .
فصل : .
ويصح أن يكون الصداق معجلا ومؤجلا فإن أطلق ذكره كان حالا لأنه عوض في عقد معاوضة أشبه الثمن فإن شرطه مؤجلا إلى مدة معلومة فهي إلى أجله وإن لم يذكر أجله فقال أبو الخطاب : لا يصح ولها مهر المثل قياسا على الثمن في المبيع وقال القاضي : يصح وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال : إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة لأن الصداق يجوز أن يكون مجهولا فيما إذا تزوجها على مهر المثل فالتأجيل التابع له أولى فعلى هذا محل الآجل الفرقة بموت أو غيره لأن المطلق يحمل على العرف والعادة في الآجل تركه إلى الفرقة فحمل عند الإطلاق عليه .
فصل : .
وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية فقال الخرقي : يؤخذ بالعلانية لأن الزائد على صداق السر زيادة زادها في الصداق وإلحاق الزيادة بالصداق جائزة وقال القاضي : الواجب مهر العقد الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية لأنه الذي انعقد به النكاح فكان الواجب المسمى فيه كما لو انفرد .
فصل : .
وإلحاق الزيادة بالصداق جائز فإن زادها في صداقها شيئا بعد انبرام العقد جاز وكان الجميع صداقا لقوله تعالى : { فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } .
فصل : .
وإذا تزوج أربعا بصداق واحد صح لأن جملة صداقهن معلومة فصح كما لو اشترى أربعة أعبد بثمن واحد ويقسم بينهن على قدر مهورهن كما يتقسط ثمن الأعبد على قيمتهم وقال أبو بكر : يخرج فيه وجه آخر أنه يقسم بينهن على عددهن لأنه أضيف إليهن إضافة واحدة فأشبه ما لو أقر لهن وهذا القول فيما إذا خالعهن بعوض واحد أو كاتب أعبده بعوض واحد .
فصل : .
وتملك المرأة المسمى بالعقد إذا كان صحيحا ومهر المثل في الموضع الذي يجب فيه لأنه عقد يملك فيه المعوض بالعقد فملك العوض به كالبيع وعنه رواية أخرى تدل على أنها لا تملك إلا نصفه لأنه لو طلقها لم يجب إلا نصفه والمذهب الأول فعلى هذا نماؤه وزيادته لها وزكاته عليها ونقصانه بعد قبضها إياه عليها وإن نقص قبل القبض لمنعه إياه من قبض فهو من ضمانه وإن لم يمنعها فنقص المكيل والموزون عليه لأنه يعتبر قبضه وما عداه يخرج فيه وجهان بناء على الروايتين في المبيع قبل القبض سواء لأنه منتقل بعقد ينقل الملك فأشبه المبيع .
والثاني : لها التصرف فيه لأنه منتقل بسبب لا ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث وقد نص أحمد على جواز هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضه وهو تصرف .
فصل : .
ويدفع صداق المرأة إليها إن كانت رشيدة وإلى من يلي مالها إن كانت غير رشيدة لأنه مال لها فأشبه ثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة وجهان : .
أحدهما : لا يدفع إلا إليها كذلك .
والثاني : يجوز دفعه إلى أبيها لأنه العادة ولأنه يملك إجبارها على النكاح فأشبهت الصغيرة .
فصل : .
ولها منع نفسها حتى تقبض صداقها المعجل لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع عن بذل الصداق فلا يمكن الرجوع فيه بخلاف المبيع ولها النفقة إذا امتنعت لأنه امتناع بحق فأشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام وإن سلمت نفسها ثم أرادت المنع فقد توقف أحمد عن الجواب وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحق بن شاقلا : إلى أنه ليس لها ذلك لأنها سلمت تسليما استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها المنع كما لو سلمت المبيع وذهب ابن حامد : إلى أن لها ذلك لأنه تسليم بحكم عقد النكاح فملكت المنع منه قبل قبض صداقها كالأول فأما إن أكرهها فوطئها لم يسقط حقها من الامتناع لأنه بغير رضاها وإن قبضت صداقها فوجدته معيبا فردت فلها منع نفسها حتى يبذله لأن صداقها جيد وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها ثم أرادت الامتناع ففيه وجهان بناء على ما تقدم وإن كان صداقها مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بالتأجيل رضى منها بتسليم نفسها قبله كالثمن المؤجل وإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأنه قد وجب عليها تسليم نفسها واستقر فلم يسقط بحلوله