باب الشروط في النكاح .
وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان : .
أحدهما : شرط ما يقتضيه العقد كتسليم المرأة إليه وتمكنه من استمتاعها فهذا لا يؤثر في العقد ووجوده كعدمه .
والثاني : شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها معلومة أو نقد معين أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أو لا يسافر بها ولا ينقلها عن دارها ولا بلدها فهذا صحيح يلزم الوفاء له لما روي عن النبي A أنه قال : [ أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج ] متفق عليه وروي أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال : لها شرطها فقال الرجل : إذا يطلقننا فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لها فيه نفع ومقصود لا ينافي مقصود النكاح فصح كالزيادة في المهر فإن لم يف به فلها فسخ النكاح : لأنه شرط لازم في عقد فثبت حق الفسخ بفواته كشرط الرهن في البيع .
فصل : .
القسم الثاني : فاسد وهو ثلاثة أنواع : .
أحدها : ما يبطل في نفسه ويصح النكاح مثل أن يشرط عليها أنه لا مهر لها أو الرجوع عليها بمهرها أو لا نفقة لها عليه أو أن نفقته عليها أو لا يطؤها أو يعزل عنها أو يقسم لها دون قسم صاحبتها أو ألا يقسم لها إلا في النهار أو ليلة في الأسبوع ونحوه فهذه الشروط باطلة في نفسها لأنها تتضمن إسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كإسقاط الشفعة قبل البيع وقد نقل عن أحمد في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الإسلام وهذا يحتمل إفساد العقد فيتخرج عليه سائر الشروط الفاسدة أنها تفسده لأنها شروط فاسدة فأفسدت العقد كما لو زوجه وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته وهذا يحتمل أن يفسد بشرطها عليها ترك الوطء لأنه ينافي مقتضى العقد ومقصوده ولو شرط عليها ألا يطأها لم يفسد لأنه الوطء حقه عليها وهي لا تملكه .
فصل : .
النوع الثاني : ما يفسد النكاح من أصله وهو أربعة أمور : .
أحدهما : أن يشرطا تأقيت النكاح وذلك نكاح المتعة مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهرا أو نحوه فالنكاح باطل نص عليه لما روى الربيع ابن سبرة عن أبيه أن رسول الله A : ( نهى عن المتعة في حجة الوداع ) وفي لفظ رسول الله A : [ حرم متعة النساء ] رواه أبو داود ولأنه لم يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق وغيره فكان باطلا كسائر الأنكحة الباطلة قال أبو بكر : فيه رواية أخرى : أنها مكروهة لأن أحمد قال في رواية ابن منصور يجتنبها أحب إلي فظاهرها الكراهة لا التحريم وغيره من أصحابنا يقول : المسألة رواية واحدة في تحريمها ولو اشترط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح النكاح لأنه شرط يمنع بقاء النكاح فأشبهت التأقيت ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط لأن النكاح وقع مطلقا وشرط على نفسه شرطا لا يؤثر فيه فأشبه ما لو شرط ألا يطأها .
فصل : .
الأمر الثاني : أن يزوجه وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته فهذا نكاح الشغار ولا تختلف الرواية عن أحمد في فساده لما روى ابن عمر أن رسول الله A : نهى عن نكاح الشغار و الشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال : بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي فإن سميا مع ذلك صداقا فقال : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك ومهر كل واحدة مائة فالمنصوص عن أحمد صحته لحديث ابن عمر وقال الخرقي : لا يصح لما روى الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس : أنكح عبد الرحمن بن الحكم تبنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته : وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان : يأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله A رواه أبو داود ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح كما لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه وإن سمي لإحداهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر : النكاح فاسد فيهما وقال القاضي : يجب أن يكون في التي سمى لها مهرا روايتان .
فصل : .
الشرط الثالث : أن يشرط عليه إحلالها لزوج قبله ثم يطلقها فيكون النكاح حراما باطلا لما روي عن النبي A أنه قال : [ لعن الله المحلل والحلل له ] قال الترمذي : هذا حديث صحيح فإن تواطآ على ذلك قبل العقد فنواه في العقد ولم يشرطه فالنكاح باطل أيضا ونص عليه وقال : متى أراد بذلك الإحلال فهو ملعون لعموم الحديث وروى نافع : أن رجلا قال لابن عمر : امرأة تزوجتها أحلها لزوجها ولم يأمرني ولم تعلم قال : لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها وإن كنا نعده على عهد رسول الله A سفاحا ولا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة وإن شرط عليه سباقا إحلالها فنوى غير ذلك صح لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه وإن قصدت المرأة التحليل ووليها دون الزوج لم يؤثر في العقد لأنه ليس إليهما إمساك ولا فراق فلم يؤثر بينهما كالأجنبي وإن زوجها عبده بنية أن يهبها إياه لينفسخ نكاحه فهو نكاح المحلل لأنه قصد به التحليل وذكر القاضي : فيما إذا خلا العقد عن شرط التحليل وجها آخر : أنه يصح وخرجه أبو الخطاب رواية لأنه روي عن أحمد : أنه كرهه فظاهر الصحة مع الكراهة لأنه مجرد النية لا يفسد العقد كما لو اشترى عبدا ينوي أن يبيعه .
فصل : .
النوع الثالث : فاسد وفي فساد النكاح به روايتان : .
وهو أن يتزوجها بشرط الخيار أو إن رضيت أمها أو إنسان ذكره أو بشرط ألا يكره فلان أو إن جاءها بالمهر إلى كذا وإلا فلا نكاح بينهما فنقل عنه ابناه و حنبل : نكاح المتعة حرام وكل نكاح فيه وقت أو شرط فاسد لأن عقد النكاح يجب أن يكون ثابتا لازما فنافاه هذا الشرط كالخلع ونقل عنه : أن العقد صحيح والشرط بالطل لأن النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق ونقل عنه فيمن شرط إن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما أن الشرط صحيح لأن لها فيه نفعا أشبه ما لو اشترط ألا يخرجها من دارها