باب جامع الوصايا .
إذا أوصى من عبد من عبيده ولا عبيد له أو بعبده الحبشي ولا حبشي له أو بعبده سالم وليس ذلك له فالوصية باطلة لأنه و صى له بما لا يملك أشبه إذا وصى له بداره ولا دار له وعن أحمد في رجل قال : أعطوا فلانا من كيسي مائة ولم يكن في الكيس مائة : يعطى مائة درهم فلم تبطل الوصية فيخرج هاهنا مثله لأنه لما تعذرت الصفقة بقي أصل الوصية فيشترى له عبد فإن كان له عبيد أعطي واحدا بالقرعة في إحدى الروايتين لأنهم تساووا بالنسبة إلى استحقاقه فيصار إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم .
والثانية : يعطيه الورثة ما شاؤوا من سليم ومعيب وصغير وكبير لأنه يتناوله الاسم فيرجع إلى رأي الورثة كما لو وصى له بخط أو نصيب ولا عرف في هبة الرقيق فرجع إلى ما يتناوله الاسم فإن مات رقيقه قبل موته أو بعده بطلت الوصية لفوات ما تعلقت به الوصية به من غير تفريط وإن بقي منهم واحد تعينت الوصية فيه لوجوده منفردا وإن قتلوا قبل موت الوصي بطلت الوصية لأنه جاء وقت الوجوب ولا رقيق له وإن قتلوا بعد موته وجبت له قيمة أحدهم لأنه بدل ما وجب له وإن لم يكن له عبيد حين الوصية فاستحدثت عبدا احتمل صحة الوصية اعتبارا بحالة الموت واحتمل أن لا تصح لأن ذلك يقتضي من عبيده الموجودين حال الوصية .
فصل : .
وإن وصى بعتق عبد وله عبيد احتمل أن يجزئ عتق ما وقع عليه الاسم لعموم اللفظ واحتمل أن لا يجزئ إلا عتق رقبة تجزئ في الكفارة لأن للعتق عرفا شرعيا فحملت الوصية عليه وهل يعتق أحدهم بالقرعة أو يرجع إلى اختيار الورثة ؟ على وجهين وإن عجز الثل عن عتق رقبة كاملة عتق منه قدر الثلث إلا أن يجيز الورثة عتق جميعه وإن وصى بعتق عبيد فلم يخرج من الثلث إلا واحد عتق واحد منهم بالقرعة وإن وصى أن يشترى بثلثه رقاب يعتقون فأمكن شراء ثلاث رقاب بثمن رقبتين غاليتين فعتق الثلاثة أولى لأنه تخليص لثلاثة وإن اتسع لرقبتين وبعض أخرى زيد في ثمن الرقبتين لأن النبي A سئل عن أفضل الرقاب قال : [ أغلاهما ثمنا وأنفسهما عند أهلهما ] وإن قال : أعتقوا أحد رقيقي جاز إعتاق الذكر والأنثى والخنثى لأنه أحد رقيقه وإن قال : أعتقوا عبدا من عبدي لم يجزئهم عتق الأنثى ولا الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه ذكرا ويجزئ عتق الخنثى المحكوم بذكوريته لأنه عبد وإن قال : أعتقوا أمة لم يجزئهم إلا أنثى .
فصل : .
وإن قال أعطوه شاة من غنمي فهو كالوصية بعبد من عبيده ويتناول الضأن والمعز وهل يتناول الذكر ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : يتناوله لأن الاسم يقع عليه لغة .
والثاني : لا يتناوله لأنه لا يتناوله الاسم عرفا قال أصحابنا : ويتناول الصغيرة ويحتمل أن لا يتناولها لأنها لا تسمى شاة عرفا فإن لم يكن له إلا ذكران أو صغار لم يعط إلا من جنس ماله لأنه أضافه إليه فاختص به وإن قال : أعطوه جملا لم يعط إلا ذكرا والبعير كالجمل لأنه في العرف مختص به وقال أصحابنا : البعير كالإنسان يتناول الذكر والأنثى وإن قال : أعطوه ناقة لم يعط إلا أنثى وإن قال : أعطوه ثورا فهو الذكر والبقرة هي الأنثى وإن وصى له برأس من الإبل أو البقر أو الغنم جاز فيه الذكر والأنثى لأن ذلك اسم للجنس .
فصل : .
وإن وصى له بدابة أعطي من الخيل أو البغال أو الحمير لأن اسم الدابة يطلق على الجميع ويتناوله الذكر والأنثى وإن قال : من دوابي تعينت الوصية فيما عنده وإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها تعينت الوصية فيه فإذا قال : أعطوه دابة يقاتل عليها فهي فرس وإن قال : ينتفع بنسلها خرج منها البغال : وإن قال : أعطوع فرسا تناول الذكر والأنثى وإن قال : حصانا فهو الذكر وإن قال : حجرة فهي الأنثى وإن قال : حمارا فهو ذكر وإن قال : أتانا فهي أنثى .
فصل : .
وإن وصى بكلب يباح اقتناؤه صحت الوصية لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع فجازت فيه وإن كان له كلب أو لم يكن له إلا كلب هراش لم تصح الوصية لأنه لا يمكن شراؤه وكلب الهراش لا يباح اقتناؤه وإن كان له كلاب ينتفع بها فللموصى له واحد منها إلا أن تذكر القرينة على واحد منها بعينه من صيد أو حفظ غنم فيدفع إليه ما دلت القرينة عليه وإن وصى له بثلاثة أكلب لا مال له سواها ردت الوصية إلى ثلثها ويعطى واحدا منها بالقرعة في أحد الوجهين وفي الآخر يعطيه الورثة أيها شاؤوا وإن لم يكن له إلا كلب واحد أعطي ثلثه وإن كان للموصي مال ففيه وجهان : .
أحدهما : يدفع جميع الكلاب إلى الموصى له وإن قل المال لأن أقل المال خير من الكلاب الكثيرة فأمضيت الوصية كما لو وصى له بشاة تخرج من ثلثه .
والثاني : يدفع إليه ثلث الكلاب لأنه لا يجوز أن يكون للوصي شيء إلا وللورثة مثلاه ولا يمكن اعتبار الكلب من ثلث المال لأنه لا قيمة له فاعتبر بنفسه .
فصل : .
وإن وصى له بطبل من طبوله وله طبول حرب أعطي واحدا منها فإن لم يكن له إلا طبول لهو فالوصية باطلة لأنها وصية بمحرم وإن كان له طبل لهو وطبل حرب أعطي طبل الحرب لأن طبل اللهو لا تصح الوصية به فهو كالمعدوم وإن وصى له بعود من عيدانه وله عيدان للسقي والبناء أعطي واحدا منها وإن لم يكن له إلا عيدان لهو فالوصية باطلة لأنها وصية بمحرم وإن كان له عيدان للهو ولغيره ففيه وجهان : .
أحدهما : الوصية باطلة لأن العود بإطلاقه ينصرف إلى عود اللهو ولا تصح الوصية به والآخر : تصح الوصية ويعطى عودا مباحا لأن الوصية تعينت فيه لتحريم ما سواه فأشبه ما لو وصى له بطبل وله طبل لهو وطبل حرب .
فصل : .
وإن وصى له بقوس وأطلق انصرف إلى قوس الرمي بالسهام لأنه الذي يفهم من إطلاق القوس فإن قال : قوس يرمي عليه أو يغزو به كان تأكيدا لذلك : وإن قال : يندف به أو يتعيش به انصرف إلى قوس الندف وإن قال : قوسا من قسيي وليس له إلا قسي ندف أو بندق أعطي واحدا منها لأن الوصية تعينت فيه بإضافتها إلى قسيه واختصاص قسيه بها قال القاضي : ويعطى القوس بوتره لأنه لا ينتفع به إلا به فجرى مجرى جزئه ويحتمل أن يعطاه بدون الوتر لأن الاسم يقع عليه بدونه .
فصل : .
وإن أوصى له بعبد ولآخر بباقي الثلث دفع العبد إلى صاحبه وتمام الثلث للآخر فإن لم يبق من الثلث شيء بطلت الوصية بالباقي لأنه لا باقي ها هنا فإن رد صاحب العبد وصيته فوصية الآخر بحالها فإن مات العبد بعد موت الموصي فكذلك ويقوم العبد حال الموت وإن مات قبل موت الموصي قومت التركة بدون العبد لأنه معدوم .
فصل : .
فإن وصى لرجل بمائة والآخر بتمام الثلث ولثالث بالثلث فأجيز لهم قسم الثلثان بين الأوصياء على ما ذكر الموصي فإن مان الثلث مائة سقطت وصية صاحب الباقي وقسم الثلثان بين الآخرين نصفين وإن كان الثلث دون المائة فرد الورثة قسم الثلث بينهما بالحصة فإذا كان الثلث خمسين قسم أثلاثا لصاحب المائة ثلثاها وللآخر ثلثها وإن كان الثلث أكثر من المائة فلم يجز الورثة دفع إلى صاحب الثلث نصفه وفي باقيه وجهان : .
أحدهما : يقدم صاحب المائة بها فإن فضل عنها شيء دفع إلى صاحب الباقي وإلا فلا شيء له لأنه حق في الباقي بعد المائة فلا يأخذ شيئا قبل استيفائها كالعصبة لا تأخذ شيء قبل تمام الفرض ويزاحم صاحب المائة لصاحب الباقي وإن لم يعطه شيئا كما يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب ولا يعطيه شيئا .
والثاني : أن السدس يقسم بين صاحب المائة وصاحب الباقي على قدر وصيتهما فإذا كان الثلث مائتين أخذا مائة فاقتسماها نصفين لأنه إنما أوصى له بالمائة من كل الثلث لا من بعضه فلم يجز أن يأخذ من نصف الثلث ما يأخذه من جميعه كالوارث إذا زاحمهم أصحاب الوصايا وإن بدأ فوصى لرجل بثلث ماله ثم وصى لآخر بمائة ولآخر بتمام الثلث ففيه وجهان : .
أحدهما : هي كالتي قبلها سواء لأنه إذا أوصى بتمام الثلث بعد وصيته بالثلث علم أنه لم يرد ذلك الثلث الموصى به وإنما أراد ثلثا ثانيا فصارت كالتي قبلها .
والثاني : أن الوصية بتمام الثلث باطلة لأن الثلث قد استوعبته الوصية الأولى ولا باقي له فيكون وجود هذه الوصية كعدمها .
فصل : .
إذا وصى لرجل بمنفعة جارية ولآخر برقبتها صح ولصاحب المنفعة منافعها وأكسابها وله إجارتها لأنه عقد على منفعتها ولا يملك واحد منهما وطأها لأن الوطء إنما يكون في ملك تام وليس لواحد منهما ملك تام ولا يملك أحدهما تزويجها لذلك فإن اتفقا عليه جاز لأن الحق لا يخرج عنهما والولي مالك الرقبة لأنه مالكها والمهر له لأنه بدل منفعة البضع التي لا يصح بذلها ولا وصية بها وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها وقال أصحابنا : هو لمالك منفعتها لأنه بدل منفعة من منافعها فإن أتت بولد فحكمه حكمها لأنه جزء من أجزائها فيثبت فيه حكمها كولد المكاتبة وأم الولد وإن زنت فالحكم في الولد والمهر على ما ذكرنا وإن وطئت بشبهة فالمهر على ما ذكرنا والولد حر تجب قيمته يوم وضعه لمالك الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر : يشتري بها عبد يقوم مقامه وإن قتلت وجبت قيمتها يشترى بها ما يقوم مقامها وإن ولد ولدها الرقيق فكذلك لأن الواجب قائم مقام الأصل فكان حكمه حكم الأصل وإن احتاجت إلى نفقة احتمل أن تجب على مالك المنفعة لأنه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج واحتمل أن تجب على صاحب الرقبة لأنه مالك رقبتها فوجب عليه نفقتها كما لو كانت زمنة واحتمل أن تجب في كسبها لأنه تعذر إيجابها على كل واحد منهما فلم يبق إلا إيجابها في كسبها فإن لم يف كسبها ففي بيت المال فإن أعتقها صاحب الرقبة عتقت لأنه مالك لرقبتها وتبقى منافعها مستحقة لصاحب المنفعة يستوفيها في حال حريتها وإن باعها احتمل أن يصح لأن البيع يقع على رقبتها وهو مالك لها واحتمل أن لا يصح لأن ما لا نفع له لا يصح بيعه كالحشرات واحتمل أن يصح بيعها لمالك منفعتها دون غيره لأنه يجتمع لها رقبتها ونفعها بخلاف غيره فإن وطئها أحد الوصيين فمن حكمنا له بالمهر لا مهر عليه ومن لم نحكم له بالمهر فهو عليه لصاحبه ولا حد عليه لأن له شبهة الملك فيها .
فصل : .
ومن أوصي له بشيء فتلف بعضه أو هلك فله ما بقي إن حمله الثلث وإن وصى له بثلث ثلاثة دور فهلك اثنتان فليس له إلا ثلث الباقية لأنه لم يوص له منها إلا بثلثها وإن أوصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فجميع الثلث الباقي للموصى له إذا حمله ثلث المال لأنه قد أوصى له بجميعه .
فصل : .
إذا أوصى بعتق مكاتبه أو الإبراء مما عليه اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته مكاتبا أو مال كتابته لأن العتق إبراء والإبراء عتق فاعتبر أقلهما وألغي الآخر فإن احتمله الثلث عتق وبرئ وإن احتمل الثلث بعضه كنصفه عتق نصفه وبقي نصفه على الكتابة وإن لم يكن للموصي سوى المكاتب عتق ثلثه في الحال وبقي ثلثاه على الكتابة إن عجز رق وإن أدى عتق وإن قال : ضعوا عن مكاتبي أكثر ما عليه وضع عنه النصف وأدنى زيادة لأنه الأكثر وإن قال : ضعوا عنه أكثر نجومه وضع عنه أكثر من نصفها لذلك وإن قال : ضعوا عنه أكبر نجومه وضع عنه أكثرها مالا وإن قال : ضعوا عنه أوسط نجومه وهي ثلاثة وضع الثاني وإن كانت خمسة وضع الثالث وإن كانت أربعة وضع الثاني والثالث وعلى هذا القياس فإن كانت أوسط في القدر وأوسط في المدة وأوسط في العدد فللوارث وضع أي الثلاثة شاء لأن الأوسط يقع على الثلاثة وإن قال : ضعوا عنه ما قل أو كثر فللوارث وضع ما شاء لأن الاسم يتناوله .
فصل : .
وإن وصى لرجل بمال الكتابة ولآخر برقبته صح فإن أدى عتق وبطلت الوصية بالرقبة وإن عجز رق وكان لمالك الرقبة وإن كانت الكاتبة فاسدة فأوصى بما ذمة المكاتب لم يصح لأنه لا شيء في ذمته وإن وصى بما يقتضي منه صحت الوصية لأنه أضافه إلى حال يملكه فصح كما لو وصى برقبة المكاتب إذا عجز وإن وصى له برقبته صحت الوصية لأنه وصى بمملوكه .
فصل : .
وإذا قال : حجوا عني بخمسمائة وهي تخرج من الثلث وجب صرفها كلها في الحج وليس للولي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالوكيل في البيع ويحج عنه من بلده لأن حج المستنيب من بلده فكذلك النائب فإن فضل ما لا يكفي للحج من بلده أو كان الموصى به لا يكفي للحج من بلده فقال أحمد : يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته .
وعنه : أنه يعان به في الحج فإن لم يمكن ذلك سقطت الوصية لعذرها فإن قال الموصي : أحجوا عني حجة بخمسمائة صرف جميع ذلك إلى من يحج حجة واحدة لأن الموصي قصد إرفاق الحاج بذلك فإن عين الحاج تعين فإن أبى المعين الحج صرف إلى من يحج عنه نفقة المثل والباقي للورثة فإن قال المعين : أعطونى الزائد لم يقبل منه لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يحج لم يستحق شيئا وإن لم يعين أحدا فالوصى صرفها إلى من شاء لأنه فوض إليه الاجتهاد فيه وإن قال الموصي : أحجوا عني حجة ولم يذكر المقدار ولم يدفع إلى من يحج عنه إلا قدر نفقة المثل إلا أن لا يوجد من يحج بذلك فيعطى أقل ما يوجد من يحج به وكذلك إن قال : أحجوا عني ولم يذكر قدر ما يحج به ولا قدر الحج لم يحج أكثر مكن حجة واحدة بقدر نفقة المثل لأنه اليقين .
فصل : .
وإذا أوصى ببيع عبده فالوصية باطلة لأنه لا نفع فيها وإن قال : بيعوه لفلان صحت الوصية لأنه قد يقصد نفع العبد بإيصاله إلى فلان أو نفع فلان بإيصال العبد إليه فإن أبى الآخر شراءه بطلت الوصية وإن قال : اشتروا عبد زيد بخمسمائة فأعتقوه فأبى زيد بيعه بخمسمائة أو بيعه بالكلية بطلت الوصية وإن اشتروه بأقل فالباقي للورثة لأن المقصود قد حصل ويحتمل أن تكون الخمسمائة لزيد لأنه يحتمل أنه قصد محاباته فأشبه ما لو قال : يحج عني فلان بخمسمائة وإذا أوصى بفرسه في سبيل الله وألف درهم ينفق عليه فمات الفرس فالألف للورثة لأن الوصية بطلت فيها لعدم مصرفها وإن أنفق بعضها رد الباقي إلى الورثة