باب ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه .
وهي : عقد لازم ليس لواحد منهما فسخها لأنها بيع فأشبهت بيوع الأعيان إلا أن يجد العين معيبة فيملك الفسخ بما يحدث من العيب لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكتري إلى إزالة العيب من غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها فلا خيار للمستأجر لعدم الضرر وإلا فله الفسخ فإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيبا مع علمه به فلزمه البدل كالمبيع المعيب إذا رضيه وإن كان العقد على موصوف في الذمة فرد بعيب لم ينفسخ العقد ويطالب ببدله فإن تعذر بدله فله الفسخ لتعذر المعقود عليه كما لو وجد بالسلم عيبا فرده والعيب ما تنقص به المنفعة كانهدام حائط الدار وتعيبه وانقطاع ماء بئرها أو تغيره وانقطاع ماء الأرض أو نقصه وتغير الظهر في المشي وعرجه الفاحش وربضه وكونه عضوضا أو جموحا وضعف بصر الأجير في الخدمة ومرضه فأما كون الظهر خشن المشي فليس بعيب لأن المنفعة فيه كاملة وإن اختلفا في العيب رجع فيه إلى أهل الخبرة .
فصل : .
وإن تلفت العين في يده انفسخت الإجارة كما لو تلف المكيل قبل قبضه وإن تلفت قبل مضي شيء من المدة فلا أجرة عليه لأنه لم يقبض شيئا من المعقود عليه وإن تلفت بعد مضي شيء منها فعليه من الأجرة بقدر ما استوفى ويسقط بقدر ما بقي فإن كان أجرها في بعض المدة أكثر قسمت على القيمة وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة لم تنفسخ بالتلف وله البدل كما لو تعيب .
فصل : .
إذا اكترى أرضا للزرع فانقطع ماؤها أو دارا فانهدمت انفسخ العقد في أحد الوجهين لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت فأشبه تلف العبد والآخر : لا ينفسخ لأنه يمكن الانتفاع بها كالسكنى في خيمة أو يجمع فيها حطبا أو متاعا لكن له الفسخ لأنها تعيبت وإن ماتت المرضعة انفسخت الإجارة وعن أبي بكر : لا تنفسخ ويجب في مالها أجر رضاعه والمذهب الأول لأن المعقود عليه تلف فأشبه تلف عبد الخدمة وإن مات المرتضع انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لأن غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع ولذلك وجب تعيينه ولم استأجر رجلا ليقلع ضرسه فبرئ أو ليكحل عينه فبرئت أو ليقتص له فمات المقتص منه أو عفي عنه انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فانفسخ كما لو تعذر بالموت وإن استأجر للحج فمات ففيه وجهان : .
أحدهما : تنفسخ الإجارة لأنه تعذر الاستيفاء بموته أشبه موت المرتضع .
والثاني : لا تنفسخ ويقوم وارثه مقامه كما لو كان المستأجر دارا وإن لم يمت لكن تلف ماله لم تنفسخ الإجارة لأن المعقود عليه سليم .
فصل : .
فإن غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخير حقه فإن فسخ فالحكم فيه كالفسخ بتلف العين وإن لم ينفسخ حتى انقضت المدة خير بين الفسخ والرجوع على المؤجر بالمسمى ويرجع المؤجر على الغاصب بأجر المثل وبين إمضاء العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل لأن المنافع تلفت في يد الغاصب فأشبه ما لو أتلف المبيع أجنبي وإن كان العقد على موصوف في الذمة طولب المؤجر بإقامة عين مقامها فإن تعذر فله الفسخ لأن فيه تأخير حقه .
فصل : .
فإن أجر نفسه ثم هرب أو اكترى عينا ثم هرب بها فللمستأجر الخيار بين الصبر والفسخ لأن فيه تأخير حقه فأشبه ما لو اشترى مكيلا فمنعه قبضه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة استؤجر من ماله من يعمله كما لو هرب قبل تسليم المسلم فيه فإن لم يكن فللمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل كما لو تعذر تسليم المسلم فيه وإن كانت الإجارة على مدة انقضت في هربه بطلت الإجارة لأنه أتلف المعقود عليه فأشبه ما لو باعه مكيلا فأتلفه قبل تسليمه .
فصل : .
وإن أجر عبده ثم أعتقه لم تنفسخ الإجارة لأنه عقد على المنفعة فلم تنفسخ بالعتق كالنكاح ولا يرجع العبد بشيء لأن منفعته استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدله كما لو زوج أمته ثم أعتفها ونفقته على سيده لأنه يملك بدل منفعته فهو كالباقي على ملكه .
فصل : .
وإن أجر عينا ثم باعها صح البيع لأنه عقد على المنفعة فلم يمنع البيع كالنكاح ولا تبطل الإجارة قياسا على النكاح وإن باعها من المستأجر صح لذلك وفي الإجارة وجهان : .
أحدهما : تبطل لأنها عقد على المنفعة فأبطلها ملك الرقبة كالنكاح فعلى هذا يسقط من الأجرة بقدر ما بقي من المدة .
والثاني : لا تبطل لأنه عقد على الثمرة فلم تبطل بملك الأصل كما لو اشترى ثمرة شجرة ثم ملك أصلها ومتى وجد المستأجر عيبا ففسخ به رجع على المؤجر لأن عوض الإجارة له فالرجوع عليه وإن كان المستأجر هو المشتري فكذلك إن قلنا : لا تنفسخ الإجارة وإن قلنا : تنفسخ لم يرجع على أحد .
فصل : .
ولا تنفسخ الإجارة بموت المتكاريين ولا موت أحدهما لأنه عقد لازم فلا يبطل بموت المتعاقدين مع سلامة المعقود عليه كالبيع وإن أجر عينا موقوفة عليه ثم مات ففيه وجهان : .
أحدهما : لا تبطل لأنه أجر ما له إجارته شرعا فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه ولكن يرجع البطن الثاني في تركة المؤجر بأجر المدة الباقية إن كان قبضها لأن المنافع لهم فاستحقوا أجرتها .
والثاني : تبطل فيما بقي من المدة لأننا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فإن المنافع بعد موته لغيره بخلاف المالك فإن ورثته إنما يملكون ما خلفه وما خرج عن ملكه بالإجارة في حياته غير مخلف فلم يملكوه والأمر إلى من انتقل إليه الوقف في إجارته أو تركه فعلى هذا يرجع المستأجر على المؤجر بأجرة بقية المدة وإن أجر الولي الصبي أو ماله مدة في أثنائها ففيه وجهان أيضا كهذين