باب الكفالة .
تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحاكم بحق يصح ضمانه لأنه حق لازم فصحت الكفالة به كالدين ولا تصح بمن عليه حد أو قصاص لأنه تراد للاستيثاق بالحق وهذا مما يدرأ بالشبهات ولا تصح بالمكاتب لأنه لا يلزمه الحضور فلا يلزم غيره إحضاره كالأجانب وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة كالغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها ولا تصح في الأمانات إلا بشرط التعدي فيها كضمانها سواء .
فصل : .
وإذا صحت الكفالة فتعذر إحضار المكفول به لزمه ما عليه لقول النبي A [ الزعيم غارم ] ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان فإن غاب المكفول به أمهل كفيله قدر ما يمضي إليه فيعيده لأن ما لزم تسليمه لم يلزم إلا بمكان التسليم فإن مضى زمن الإمكان ولم يفعل لزمه ما عليه أو بذل العين التي كفل بها فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى سقطت الكفالة لأن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ كفيله كما يبرأ الضامن ببراءة المضمون عنه ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه وإن سلم المكفول نفسه أو برئ من الحق بأداء أو إبراء برئ كفيله لأن الحق سقط عن الأصيل فبرئ الكفيل كالضمان وإن أبرأ الكفيل صح كما يصح إبراء الضامن ولا يبرأ المكفول به كالضمان وإن قال رجل : أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به ففيه وجهان : .
أحدهما : يصح لأنه نقل الضمان إلى نفسه فصح كما لو أحال الضامن المضمون له على آخر .
والثاني : لا يصح لأنه شرط في الكفالة أن يبرئ الكفيل وهو شرط فاسد فمنع صحة العقد .
فصل : .
وإذا قال : أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو بدنه أو وجهه صحت الكفالة وإن كفل ببعض جسده فقال القاضي : لا يصح لأن ما لا يسري إذا خص به بعض الجسد لم يصح كالبيع وقال غيره : إن كفل بعضو لا تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صحت لأنه لا يمكن تسليمه بدون تسليم البدن فأشبه الوجه وإن كفل بغيرها كاليد والرجل ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يصح لأن تسليمه بدون البدن ممكن .
والثاني : يصح لأنه لا يمكن تسليمه على صفته دون البدن فأشبه الوجه .
فصل : .
إذا علق الكفالة والضمان على شرط أو وقتهما فقال : أنا كفيل بفلان شهرا أو إن قدم الحاج أو زيد فأنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه فقال القاضي لا يصح لأنه إثبات حق لآدمي فلم يجز ذلك فيه كالبيع وقال أبو الخطاب و الشريف أبو جعفر : يصح لأنه ضمان أو كفالة فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة فعلى هذا لو قال : كفلت بفلان على أني إن جئت به وإلا فأنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه صح فيهما عندهما ولم يصح عند القاضي لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط .
فصل : .
وتصح الكفالة ببدن الكفيل كما يصح ضمان دين الضامن وتجوز حالة ومؤجلة كالضمان ولا تجوز إلى أجل مجهول لأنه حق لآدمي فلم يجز إلى أجل مجهول كالبيع وتجوز الكفالة مطلقة ومقيدة بالتسليم في مكان بعينه فإن أطلق ففي أي موضع أحضره سلمه إليه على وجه لا ضرر فيه برئ إن كان عليه ضرر لم يبرأ بتسليمه وكذلك إذا سلمه قبل المحل قياسا على من سلم المسلم فيه قبل محله أو غير مكانه وإن كفل واحد لاثنين فسلمه إلى أحدهما أو أبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر لأنه حق لاثنين فلم يبرأ بأداء حق أحدهما كالضمان وإن كفل اثنان لرجل فأبرأ أحدهما لم يبرأ الآخر كما في الضمان وإن سلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لأنه برئ من غير استيفاء الحق فلم يبرأ صاحبه كما لو برئ بالإبراء ويحتمل أن يبرأ كما لو أدى أحد الضامنين الدين وإن قال الكفيل أو الضامن : برئت مما كفلت به لم يكن إقرارا بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك .
فصل : .
إذا طولب الكفيل بإحضار المكفول به لزمه أن يحضر معه لأنه وكيل في إحضاره فإن أراد إحضاره من غير طلب والكفالة بإذنه لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فكان عليه تخليصه كما لو استعار عبده فرهنه وإن كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه لأنه لم يشغل ذمته ولا له قبله حق .
فصل : .
إذا كفل إنسانا أو ضمنه ثم قال : لم يكن عليه حق فالقول قول خصمه لأن ذلك لا يكون إلا بمن عليه حق فإقراره به إقرار بالحق وهل يلزم الخصم اليمين ؟ فيه وجهان مضى توجيههما فيمن أقر بتقبيض الرهن ثم أنكره وطلب يمين المرتهن والله أعلم