باب الغسل من الجنابة .
وهي على ضربين : كامل ومجزئ .
الضرب الأول : الكامل يأتي فيه بتسعة أشياء : النية وهو أن ينوي الغسل للجنابة أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن و اللبث في المسجد ثم يسمي ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من الأذى ويغسل فرجه وما يليه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بها أصول شعره ويخلله بيده ثم يفيض الماء على سائر جسده ثم يدلك بدنه بيده وإن توضأ إلا غسل رجليه ثم غسل قدميه آخرا فحسن قال أحمد Bه : الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها : كان رسول الله A إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيديه حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده .
وقالت ميمونة : وضع لرسول الله A وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده متفق عليهما .
الضرب الثاني : المجزئ وهو ينوي ويعم بدنه وشعره بالغسل والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا لحديث عائشة ولا يجب نقضه إن كان مضفورا لما روت أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : [ لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ] رواه مسلم ولا ترتيب الغسل لأن الله تعالى قال : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه و البداءة بغسل الشق الأيمن لأن النبي A كان يحب التيامن في طهوره ولا موالاة فيه لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة .
فصل : .
فأما غسل الحيض فهو كغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئا من المسك أو طيب أو غيره فتتبع به أثر الدم ليزيل [ زفورته ] لما روت عائشة Bها : أن امرأة جاءت إلى رسول الله A تسأله عن الغسل من الحيض فقال : [ خذي فرصة من مسك فتطهري بها ] فقالت : كيف أتطهر بها ؟ فقالت عائشة : قلت : تتبعي بها أثر الدم رواه مسلم فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء كاف .
وهل عليها نقض شعرها للغسل منه ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا يجب لأنه غسل واجب أشبه الجنابة .
والثانية : يجب ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته وإنما عفي عنه في الجنابة لأنه يتكرر فيشق النقض فيه بخلاف الحيض .
فصل : .
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل للخبر الوارد فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى : [ { إن كنتم جنبا فاطهروا } ولم يأمر بالوضوء معه ] ولأنهما عبادتان من جنس : صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة .
وعنه : لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ لأنهما نوعان يجبان بسببين فلم يدخل إحداهما في الآخر كالحدود وإن نوى إحداهما دون الآخر فليس له غيرها لأن النبي A قال : [ وإنما لكل امرئ ما نوى ] .
فصل : .
ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا و يتوضآ من إناء واحد لأن النبي A كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد يغرفان منه جميعا متفق عليه وقال ابن عمر كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله A من إناء واحد رواه أبو داود ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة وللرجل التطهر بفضل طهور الرل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به .
فإن خلت به ففيه وجهان : .
إحداهما : يجوز أيضا لما روت ميمونة Bها قالت : أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي A ليغتسل منها فقلت : إني اغتسلت منه فقال : [ إن الماء ليس عليه جنابة ] رواه أبو داود ولأنه ماء لم ينجس ولم يزل عن إطلاقه فأشبه فضله الرجل .
والثانية : لا يجوز للرجل التطهر به لما روى الحكم بن عمرو قال : نهى النبي A أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة حديث حسن قال أحمد C : جماعة من الصحابة كرهوه ذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس وخص ما خلت به لقول عبد الله بن سرجس : توضأ أنت ههنا وهي ههنا فأما إذا خلت به فلا تقربنه .
ومعنى الخلوة : أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح .
وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل .
وإنما تؤثر خلوته في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير فهذا أولى .
ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة .
وللرجل إزالة النجاسة به لأن منع الرجل من الوضوء به تعبد فوجب قصره على مورده .
وذكر القاضي أنه لا يزيل النجاسة لأن ما لا يرفع الحدث لا يزيل النجس كالخل .
وهذا لا يمكن القول بموجبه فإن هذا يرفع حدث المرأة بخلاف الخل