مسائل وفصول : أنصبة الإبل والواجب فيها وما يجزيء من الغنم في زكاة الابل .
مسألة : قال أبو القاسم C : وليس فيما دون خمس من الابل سائمة صدقة .
بدأ الخرقي C بذكر صدقة الابل لأنها أهم فانها أعظم النعم قيمة وأجساما وأكثر أموال العرب فالاهتمام بها أولى ووجوب زكاتها مما أجمع عليه علماء الاسلام وصحت فيه السنة عن النبي A ومن أحسن ما روي في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري قال : حدثنا أبي قال حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر الصديق Bه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله A على المسلمين والتي أمر الله بها ورسوله A فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط : في أربع وعشرين فما دونها من الابل في كل خمس شاه فاذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فاذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فاذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقه طروقة الجمل فاذا بلغت واحدة وستين الى خمس وسبعين ففيها جذعة فاذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون فاذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فاذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاري بها فاذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وذكر تمام الحديث نذكره : [ ان شاء الله تعالى في أبوابه ] ورواه أبو داود في سننه وزاد واذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فان لم يكن فيها ابنة مخاض ففيها ابنة لبون ذكر وهذا كله مجمع عليه إلى أن يبلغ عشرين ومائة ذكره ابن المنذر قال : ولا يصح عن علي Bه ما روي عنه في خمس وعشرين يعني ما حكي عنه في خمس وعشرين خمس شياه وقول الصديق Bه : التي فرض رسول الله A يعني قدر والتقدير يسمى فرضا ومنه فرض الحاكم للمرأة فرضا وقوله : ومن سئل فوقها فلا يعط يعني لا يعطي فوق وأجمع المسلمون على أن ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه وقال النبي A في هذا الحديث : [ ومن لم يكن معه الا أربع من الإبل فليس عليه فيها صدقة الا أن يشاريها ] وقال : [ ليس فيما دون خمس ذود صدقة ] متفق عليه والسائمة الراعية وقد سامت تسوم سوما اذا رعت وأسمتها اذا رعيتها وسومتها اذا جعلتها سائمة ومنه قول الله تعالى : { ومنه شجر فيه تسيمون } أي ترعون وفي ذكر السائمة احتراز من المعلوفة والعوامل فانه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم وحكي عن مالك في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة لعموم قوله عليه السلام : [ في كل خمس شياه ] قال أحمد : ليس في العوامل زكاة وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل .
ولنا قول النبي A : [ في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون ] في حديث بهز بن حكيم فقيده بالسائمة فدل على أنه لا زكاة في غيرها وحديثهم مطلق فيحمل على المقيد ولأن وصف النماء معتبر في الزكاة والمعلوفة يستغرق علفها نماءها إلا أن يعدها للتجارة فيكون فيها زكاة التجارة .
مسألة : قال : فاذا ملك خمسا من الإبل فأسامها أكثر السنة ففيها شاة وفي العشر شاتان وفي الخمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه .
وهذا كله مجمع عليه وثابت بسنة رسول الله A بما رويناه وغيره الا قوله : فأسامها أكثر السنة فان مذهب امامنا ومذهب أبي حنيفة أنها اذا كانت سائمة أكثر السنة ففيها الزكاة وقال الشافعي : ان لم تكن سائمة في جميع الحول فلا زكاة فيها لأن السوم شرط في الزكاة فاعتبر في جميع الحول كالملك وكمال النصاب ولأن العلف يسقط والسوم يوجب واذا اجتمعا غلب الاسقاط كما لو ملك نصابا بعضه سائمة وبعضه معلوفة .
ولنا عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في نصب الماشية واسم السوم لا يزول بالعلف اليسير فلا يمنع دخولها في الخبر ولأنه لا يمنع حقه للمؤنة فأشبهت السائمة في جميع الحول ولأن العلف اليسير لا يمكن التحرز منه فاعتباره في جميع الحول يسقط الزكاة بالكلية سيما عند من يسوغ له الفرار من الزكاة فانه اذا أراد اسقاط الزكاة علفها يوما فأسقطها ولأن هذا وصف معتبر في رفع الكلفة فاعتبر فيه الأكثر كالسقي بما لا كلفة فيه في الزرع والثمار وقولهم السوم شرط يحتمل أن يمنع ونقول بل العلف اذا وجد في نصف الحول فما زاد مانع كما أن السقي بكلفة مانع من وجوب العشر ولا يكون مانعا حتى يوجد في النصف فصاعدا كذا في مسألتنا وأن سلمنا كونه شرطا فيجوز أن يكون الشرط وجوده في أكثر الحول كالسقي بما لا كلفة فيه شرط في وجوب العشر ويكتفي بوجوده في الاكثر ويفارق ما اذا كان في بعض النصاب معلوف لأن النصاب سبب للوجوب فلا بد من وجود الشرط في جميعه وأما الحول فانه شرط الوجوب فجاز أن يعتبر الشرط في أكثره .
فصل : ولا يجزي في الغنم المخرجة في الزكاة الا الجذع من الضان والثني من المعز وكذلك شاة الجبران وأيهما أخرج أجزأه ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ولا جنس غنم البلد لأن الشاة مطلقة في الخبر الذي ثبت به وجوبها وليس غنمه ولا غنم البلد سببا لوجوبها فلم يتقيد بذلك كالشاة الواجبة في الفدية وتكون انثى فان أخرج ذكرا لم يجزئه لأن الغنم الواجبة في نصها أناث ويحتمل أن يجزئه لأن النبي A أطلق لفظ الشاة فدخل فيه الذكر والانثى ولأن الشاة اذا تعلقت بالذمة دون العين أجزأ فيها الذكر كالأضحية فان لم يكن له غنم لزمه شراء شاة وقال أبو بكر : يخرج عشرة دراهم قياسا على شاة الجبران .
ولنا أن النبي A نص على الشاة فيجب العمل بنصه ولأن هذا إخراج قيمة فلم يجز كما لو كانت الشاة واجبة في نصابها وشاة الجبران مختصة بالبدل بعشرة دراهم بدليل أنها لا تجوز بدلا عن الشاة الواجبة في سائمة الغنم .
فصل : فان أخرج عن الشاة بعيرا لم يجزئه سواء كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة أو لم يكن وحكي ذلك عن مالك و داود وقال الشافعي وأصحاب الرأي : يجزئه البعير عن العشرين فما دونها ويخرج لنا مثل ذلك اذا كان المخرج مما يجزي عن خمس وعشرين لأنه يجزىء عن خمس وعشرين والعشرون داخلة فيها ولأن ما أجزأ عن الكثير أجزأ عما دونه كابنتي لبون عما دون ست وسبعين .
ولنا أنه أخرج غير المنصوص عليه من غير جنسه فلم يجزه كما لو أخرج بعيرا عن أربعين شاة ولأن النص ورد بالشاة فلم يجزىء البعير كالأصل أو كشاة الجبران ولأنها فريضة وجبت فيها شاة فلم يجزىء عنها البعير كنصاب الغنم ويفارق ابنتي لبون عن الجذعة لأنها من الجنس .
فصل : وتكون الشاة المخرجة كحال الإبل في الجودة والرداءة فيخرج عن الإبل السمان سمينة وعن الهزال هزيلة وعن الكرائم كريمة وعن اللئام لئيمة فان كانت مراضا أخرج شاة صحيحة على قدر المال فيقال له لو كانت الابل صحاحا كم كانت قيمتها وقيمة الشاة ؟ فيقال قيمة الابل مائة وقيمة الشاة خمسة فينقص من قيمتها قدر ما نقصت الابل فاذا نقصت الابل خمس قيمتها وجب شاة قيمتها أربعة وقيل تجزئه شاة تجزىء في الأضحية من غير نظر الى القيمة وعلى القولين لا تجزئه مريضة لأن المخرج من غير جنسها وليس كله مراضا فينزل منزلة إجتماع الصحاح والمراض لا تجزىء فيه إلا الصحيحة .
مسألة : قال : فاذا صارت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض الى خمس وثلاثين .
فان لم يكن فيها بنت مخاض وابن لبون ذكر فاذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون الى خمس وأربعين فاذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقه طروقة الفحل الى ستين فاذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة الى خمس وسبعين فاذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون الى تسعين فاذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان الى عشرين ومائة وهذا كله مجمع عليه والخبر الذي رويناه متناول له وابنة المخاض التي لها سنة وقد دخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها قد حملت غيرها والماخض الحامل وليس كون أمها ماخضا شرطا فيها وانما ذكر تعريفا لها بغالب حالها كتعريفة الربتبة بالحجر وكذلك بنت لبون وبنت المخاض أدنى سن يوجد في الزكاة ولا تجب إلا في خمس وعشرين الى خمس وثلاثين خاصة وبنت لبون التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت بذلك لأن أمها قد وضعت حملها ولها لبن والحقة التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة لأنها قد استحقت أن يطرقها الفحل ولهذا قال طروقة الفحل واستحقت أن يحمل عليها وتركب والجذعة التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وقيل لها ذلك لأنها تجذع اذا سقطت سنها وهي أعلا سن تجب في الزكاة ولا تجب إلا في إحدى وستين الى خمس وسبعين وإن رضي رب المال أن يخرج مكانها ثنية جاز وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة سميت ثنية لأنها قد ألفت ثنيتيها وهذا الذي ذكرنا في الاسنان ذكره أبو عبيد وحكاه عن الاصمعي وأبي زيد الانصاري و أبي زياد الهلالي وغيرهم وقول الخرقي : فان لم يكن ابنة مخاض - أراد إن لم يكن في إبله ابنة مخاض أجزأه ابن لبون ولا يجزئه مع وجود ابنة مخاض لقوله عليه السلام : [ فان لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ] في الحديث الذي رويناه شرط في إخراجه عدمها فان اشتراها وأخرجها جاز وإن أراد اخراج ابن لبون بعد شرائها لم تجز لأنه صار في إبله بنت مخاض فان لم يكن في ابله ابن لبون وأراد الشراء لزمه شراء بنت مخاض وهذا قول مالك وقال الشافعي : يجزيه شراء ابن لبون لظاهر الخبر وعمومه .
ولنا أنهما استويا في العدم فلزمته ابنة مخاض كما لو استويا في الوجود والحديث محمول على وجوده لأن ذلك للرفق به اغناء له عن الشراء ومع عدمه لا يستغنى عن الشراء فكان شراء الأصل أولى على أن في بعض ألفاظ الحديث : [ فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فانه يقبل منه وليس معه شيء ] فشرط في قبوله وجوده وعدمها وهذا في حديث أبي بكر وفي بعض الالفاظ : [ ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ] وهذا يفسد بتعين حمل المطلق عليه وان لم يجد إلا ابنة مخاض معينة فله الانتقال الى ابن لبون لقوله في الخبر : فان لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها ولأن وجودها كعدمها لكونها لا يجوز اخراجها فأشبه الذي لا يجد إلا ما لا يجوز الوضوء به في انتقاله الى التيمم وإن وجد ابنة مخاض أعلا من صفة الواجب لم يجزه ابن لبون لوجود بنت مخاض على وجهها ويخير بين اخراجها وبين شراء بنت مخاض على صفة الواجب ولا يخير بعض الذكورية بزيادة سن في غير هذا الموضع ولا يجزيه أن يخرج عن ابن لبون حقا ولا عن الحقة جذعا لعدمهما ولا جودهما وقال القاضي وابن عقيل : يجوز ذلك مع عدمهما لأنهما أعلا وأفضل فيثبت الحكم فيهما بطريق التنبيه .
ولنا أنه لا نص فيهما ولا يصح قياسهما على ابن لبون مكان بنت مخاض لأن زيادة سن ابن لبون على بنت مخاض يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجر بنفسه ويرد الماء ولا يوجد هذا في الحق مع بنت لبون لأنهما يشتركان في هذا فلم يبق إلا مجرد السن فلم يقابل الا بتوجيه وقولهما أنه يدل على ثبوت الحكم فيهما بطريق التنبيه قلنا بل يدل على انتفاء الحكم فيهما بدليل خطابه فان تخصيصه بالذكر دونهما دليل على اختصاصه بالحكم دونهما .
فصل : وإن أخرج عن الواجب سنا أعلا من جنسه مثل أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاض وحقة عن بنت لبون أو بنت مخاض أو أخرج عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين جاز لا نعلم فيه خلافا لأنه زاد على الواجب من جنسه ما يجزي عنه مع غيره فكان مجزيا عنه على انفراده كما لو كانت الزيادة في العدد وقد روى الامام أحمد في مسنده و أبو داود في سننه باسنادهما [ عن أبي بن كعب قال : بعثني رسول الله A مصدقا فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا بنت مخاض فقلت له : أد بنت مخاض فانها صدقتك ؟ فقال : ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها فقلت ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به وهذا رسول الله A منك قريب فان أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل فان قبله منك قبلته وان رده عليك رددته قال : فاني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله A فقال له يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وايم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما علي فيه بنت مخاض وذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها فقال رسول الله A : ذاك الذي وجب عليك فان تطوعت بخير أجزل الله فيه وقبلناه منك فقال فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها قال : فأمر رسول الله A بقبضها ودعا له في ماله بالبركة ] وهكذا الحكم اذا أخرج أعلا من الواجب في الصفة مثل أن يخرج السمينة مكان الهزيلة والصحيحة مكان المريضة والكريمة مكان اللئيمة والحامل عن الحوابل فانها تقبل منه وتجزيه وله أجر الزيادة .
فصل : ويخرج عن ماشيته من جنسها على صفتها فيخرج عن البخاتي بختية وعن العراب عربية وعن الكرام كريمة وعن السمان سمينة وعن اللئام والهزال لئيمة هزيلة فان أخرج عن البخاتي عربية بقيمة البختية أو أخرج عن السمان هزيلة بقيمة السمينة جاز لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصود أجاز هذا أبو بكر وحكي عن القاضي وجه آخر أنه لا يجوز لأن فيه تفويت صفة مقصودة فلم يجز كما لو أخرج من جنس آخر والصحيح الاول لما ذكرنا وفارق خلاف الجنس فان الجنس مرعي في الزكاة ولهذا لو أخرج البعير عن الشاة لم يجز ومع الجنس يجوز اخراج الجيد عن الرديء بغير خلاف .
مسألة : قال : فاذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة .
ظاهر هذا أنها اذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الأوزاعي و الشافعي و إسحق والرواية الثانية لا يتعدى الفرض الى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون وهذا مذهب محمد بن إسحق بن يسار و أبي عبيد و لمالك روايتان لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض .
ولنا قول النبي A : [ فاذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ] والواحدة زيادة وقد جاء مصرحا به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله A وكان عند آل عمر بن الخطاب رواه أبو داود و الترمذي وقال هو حديث حسن وقال ابن عبد البر هو أحسن شيء روي في أحاديث الصدقات وفيه : [ فاذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ] وفي لفظ : [ الى عشرين ومائة فاذا زادت واحدة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ] أخرجه الدارقطني وأخرج حديث أنس من رواية اسحق بن راهوية عن النضر بن اسماعيل عن حماد بن سلمة قال : أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدث به عن أنس وفيه : فاذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ولأن سائر ما جعله النبي A غاية للفرض اذا زاد عليه واحدة تغير الفرض كذا هذا وقولهم ان الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة قلنا وهذا ما تغير بالواحدة وحدها وإنما تغير بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة عن التسعين والستين وغيرهما وقال ابن مسعود و النخعي و الثوري و أبو حنيفة اذا زادت الابل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة الى خمس وأربعين ومائة فيكون فيها حقتان وبنت مخاض الى خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق وتستأنف الفريضة في كل خمس شاة لما روي أن النبي A كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات والديات وذكر فيه مثل هذا .
ولنا أن في حديثي الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس والذي كان عند آل عمر بن الخطاب مثل مذهبنا وهما صحيحان وقد رواه أبو بكر عن النبي A بقوله : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله A على المسلمين وأما كتاب عمرو بن حزم فقد اختلف في صفته فرواه الأثرم في سننه مثل مذهبنا والأخذ بذلك أولى لموافقته الاحاديث الصحاح وموافقته القياس فان المال اذا وجب فيه من جنسه لم يجب من غير جنسه كسائر بهيمة الانعام ولأنه مال احتمل المواساة من جنسه فلم يجب من غير جنسه كالبقر والغنم وانما وجب في الابتداء من غير جنسه لأنه ما احتمل المواساة من جنسه فلم يجب من غير جنسه فعدلنا الى غير الجنس ضرورة وقد زال ذلك بزيادة المال وكثرته ولأنه عندهم ينقل من بنت مخاض الى حقة بزيادة خمس من الابل وهي زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال الى حقة فإنا لم ننقل في محل الوفاق من بنت مخاض الى حقة إلا بزيادة إحدى وعشرين وإن زادت على مائة وعشرين جزءا من بعير لم يتغير الفرض عند أحد من الناس لأن في بعض الروايات فاذا زادت واحدة وهذا يقيد مطلق الزيادة في الرواية الأخرى ولأن سائر الفروض لا تتغير بزيادة جزء وعلى كلا الروايتين متى بلغت الابل مائة وثلاثين ففيها حقه وبنتا لبون وفي مائة وأربعين حقتان وبنتا لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وفي مائة وستين أربع بنات لبون ثم كلما زادت عشرا أبدلت مكان بنت لبون حقة ففي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وفي مائة وثمانين حقتان وابنتا لبون وفي مائةو وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون فاذا بلغت مائتين اجتمع الغرضان لأن فيهما خمسين أربع مرات وأربعين خمس مرات فيجب عليه أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي الفرضين شاء أخرج وإن كان الآخر أفضل منه وقد روي عن أحمد أن عليه أربع حقاق وهذا محمول على أن عليه أربع حقاق بصيغة التخيير اللهم إلا أن يكون المخرج وليا ليتيم أو مجنون فليس له أن يخرج من ماله إلا أدنى الفرضين وقال الشافعي الخيرة الى الساعي ومقتضى قوله أن رب المال اذا أخرج لزمه اخراج أعلا الفرضين واحتج بقول الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ولأنه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة الى مستحقه أو نائبه كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية .
ولنا قول النبي A في كتاب الصدقات الذي كتبه وكان عند آل عمر بن الخطاب فاذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي البنتين وجدت أخذت وهذا نص لا يعرج معه على شيء يخالفه وقوله عليه السلام لمعاذ : [ إياك وكرائم أموالهم ] ولأنها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لرب المال كالخيرة في الجبران بين مائتين أو عشرين درهما وبين النزول والصعود وتعيين المخرج ولا تتناول الآية ما نحن فيه لأنه إنما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرام كرائم ومن غيرها من وسطها فلا يكون خبيثا لأن الأدنى ليس بخبيث وكذلك لو لم يوجد إلا سبب وجوبه وجب إخراجه وقياسهم يبطل بشاة الجبران وقياسنا أولى منه لأن قياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الديات اذا ثبت هذا فكان أحد الفرضين في ماله دون الآخر فهو مخير بين إخراجه أو شراء الآخر ولا يتعين عليه سوى اخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب في عين المال وقال القاضي : يتعين عليه اخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب في عين المال وقال القاضي : يتعين عليه اخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب في عين المال ولعله أراد اذا لم يقدر على شراء الآخر .
فصل : فان أراد إخراج الفرض من النوعين نظرنا فان لم يحتج الى تشقيص كرجل عنده أربعمائة يخرج منها أربع حقاق وخمس بنات لبون جاز وإن احتاج الى تشقيص كزكاة المائتين لم يجز لأنه لا يمكنه ذلك الا بالتشقيص وقيل يحتمل أن يجوز على قياس قول أصحابنا يجوز أن يعتق نصفي عبدين في الكفارة وهذا غير صحيح فان الشرع لم يرد بالتشقيص في زكاة السائمة إلا من حاجة ولذلك جعل لها أوقاصا دفعا للتشقيص عن الواجب فيها وعدل فيها دون خمس وعشرين من الإبل عن ايجاب الابل الى ايجاب الغنم ولا يجوز القول بتجويزه مع امكان العدول عنه الى ايجاب فريضة كاملة وان وجد أحد الفريضين كاملا والآخر ناقصا لا يمكنه اخراجه الا بجبران معه مثل أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعين أخذ الفريضة الكاملة لأن الجبران بدل يشترط له عدم المبدل وان كانت كل واحدة تحتاج الى جبران مثل أن يجد أربع بنات لبون وثلاث حقاق فهو مخير أيهما شاء أخرج مع الجبران ان شاء أخرج بنات اللبون وحقة وأخذ بالجبران وان شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع جبرانها فان قال خذوا مني حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجز لأنه يعدل عن الفرض مع وجوده الى الجبران ويحتمل الجواز لأنه لا بد من الجبران وان لم يوجد إلا حقة وأربع بنات لبون أداها وأخذ الجبران ولم يكن له دفع ثلاث بنات لبون مع الجبران في أصح الوجهين وان كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول عنهما مع الجبران فان شاء أخرج أربع جذعات وأخذ ثماني شياه أو ثمانين درهما وان شاء دفع خمس بنات مخاض ومعها عشر شياه أو مائة درهم وان أحب أن ينقل عن الحقاق الى بنات المخاض أو عن بنات اللبون الى الجذاع لم يجز لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن في هذا المال فلا يصعد الى الحقاق بجبران ولا ينزل الى بنات اللبون بجبران