مسائل وفصول : تغسيل الرجل المرأة والمرأة الرجل .
مسألة : قال : وتغسل المرأة زوجها .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات قالت عائشة : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله A إلا نساؤه رواه أبو داود وأوصى أبو بكر Bه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس وكانت صائمة فعزم عليها أن تفطر فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه فقالت : لا أتبعه اليوم حنثا فدعت بماء فشربت وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته قال أحمد : ليس فيه اختلاف بين الناس .
مسألة : قال : وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس .
المشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته وهو قول علقمة و عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود و جابر بن زيد و سليمان بن يسار و أبي سلمة بن عبد الرحمن و قتادة و حماد و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وعن أحمد رواية ثانية ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة و الثوري لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها فحرمت النظر واللمس كالطلاق .
ولنا ما روى ابن المنذر أن عليا ري الله عنه غسل فاطمة Bها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكروه فكان إجماعا ولـ [ أن النبي A قال لعائشة Bها : ( لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك ) ] رواه ابن ماجة والأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة وحمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص ولأنه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كالآخر والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاق الآخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه لما بينهما من المودة والرحمة ما قاسوا عليه لا يصح لأنه يمنع الزوجة من النظر وهذا بخلافه ولأنه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة ولا أثر لها بدليل ما لو مات المطلق ثلاثا فإنه لا يجوز لها غسله مع العدة ولأن المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله ولا عدة عليها وقول الخرقي وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس يعني به أنه يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه لما فيه من الخلاف والشبهة ولم يرد أنه محرم فإن غسلها لو كان محرما لم تبحه الضرورة كغسل ذوات محارمه والأجنبيات .
فصل : فإن طلق امرأته ثم مات أحدهما في العدة وكان الطلاق رجعيا فحكمهما حكم الزوجين قبل الطلاق لأنها زوجة تعتد للوفاة وترثه ويرثها ويباح له وطؤها وإن كان بائنا لم يجز لأن اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى وإن قلنا : إن الرجعية محرمة لم يبح لأحدهما غسل صاحبه لما ذكرناه .
فصل : وحكم أم الولد حكم المرأة فيما ذكرنا وقال ابن عقيل : يحتمل أن لا يجوز لها غسل سيدها لأن عتقها حصل بالموت ولم يبق علقة من ميراث ولا غيره وهذا قول أبي حنيفة .
ولنا أنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذلك في الغسل والميراث ليس من المقتضى بدليل الزوجين إذا كان أحدهما رقيقا والاستبراء هاهنا كالعدة ولأنها إذا ماتت يلزمه كفنها ودفنها ومؤنتها بخلاف الزوجة فأما غير أم الولد من الإماء فيحتمل أن لا يجوز لها غسل سيدها لأن الملك انتقل فيها إلى غيره ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات ولو مات قبل الدخول بامرأته احتمل أن لا يباح لها غسله لذلك والله أعلم .
فصل : وإن كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها لأن الكافر لا يغسل المسلم لأن النية واجبة في الغسل والكافر ليس من أهلها وليس لزوجها غسلها لأن المسلم لا يغسل الكافر ولا يتولى دفنه ولأنه لا ميراث بينهما ولا موالاة وقد انقطعت الزوجية بالموت ويتخرج جواز ذلك بناء على جواز غسل المسلم الكافر .
فصل : وليس لغير من ذكرنا من الرجال غسل أحد من النساء ولا أحد من النساء غسل غير من ذكرنا من الرجال وإن كن ذوات رحم محرم وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن أبي قلابة أنه غسل ابنته واستعظم أحمد هذا ولم يعجبه وقال : أليس قد قيل : استأذن على أمك وذلك لأنها محرمة حال الحياة فلم يجز غسلها كالأجنبية وأخته من الرضاع فإن دعت الضرورة إلى ذلك بأن لا يوجد من يغسل المرأة من النساء فقال مهنا : سألت أحمد عن الرجل يغسل أخته إذا لم يجد نساء قال : لا قلت : فكيف يصنع قال : يغسلها وعليها ثيابها يصب عليها الماء صبا قلت لـ أحمد : وكذلك كل ذات محرم تغسل وعليها ثيابها قال : نعم وقال الحسن و محمد و مالك لا بأس بغسل ذات محرم عند الضرورة فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب أو امرأة بين رجال أجانب أو مات خنثي مشكل فإنه ييمم وهذا قول سعيد بن المسيب و النخعي و حماد و مالك وأصحاب الرأي و ابن المنذر وحكى أبو الخطاب رواية ثانية أنه يغسل من فوق القميص يصب عليه الماء من فوق القميص صبا ولا يمس وهو قول الحسن و إسحاق .
ولنا ما روى تمام الرازي في فوائده بإسناده عن مكحول عن واثلة قال : قال رسول الله A : [ إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينهما وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال ] ولأن ا لغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر فكان العدول إلى التيمم أولى كما لو عدم الماء