فصول : استحباب الدفن في المقابر ونقل الميت من بلد لآخر ومن قبره إلى غيره ودفن الشهيد حيث قتل .
فصل : والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري فإن قيل : فالنبي A قبر في بيته وقبر صاحباه معه ؟ قلنا : قالت عائشة : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا رواه البخاري ولأن النبي A كان يدفن أصحابه بالبقيع وفعله أولى من فعل غيره وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روي : يدفن الأنبياء حيث يموتون وصيانة لهم عن كثرة الطراق وتمييزا له عن غيره .
فصل : ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء لتناله بركتهم وكذلك في البقاع الشريفة وقد روى البخاري و مسلم بإسنادهما أن موسى عليه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر قال النبي A : [ لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر ] .
فصل : وجمع الأقارب في الدفن حسن لـ [ قول النبي A لما دفن عثمان بن مظعون : ( أدفن إليه من مات من أهله ) ] ولأن ذلك أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم ويسن تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة إذا أمكن .
فصل : ويستحب دفن الشهيد حيث قتل قال أحمد : أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي A قال : [ ادفنوا القتلى في مصارعهم ] وروى ابن ماجة [ أن رسول الله A أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح ] وهذا مذهب الأوزاعي و ابن المنذر قال عبد الله بن أبي مليكة : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة فحمل إلى مكة فدفن فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت : والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ولو شهدتك ما زرتك ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز قال أحمد : ما أعلم ينقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا وسئل الزهري عن ذلك فقال : قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة وقال ابن عيينة : مات ابن عمر هنا فأوصى أن لا يدفن هاهنا وأن يدفن بسرف .
فصل : وإذا تنازع اثنان من الورثة فقال أحدهما : يدفن في المقبرة المسبلة وقال الآخر : يدفن في ملكه دفن في المسبلة لأنه لا منة فيه وهو أقل ضررا على الوارث فإن تشاحا في الكفن قدم قول من قال : نكفنه من ملكه لأن ضرره على الوارث بلحوق المنة وتكفينه من ماله قليل الضرر وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره قال : يدفن في المقابر مع المسلمين فإن دفن في داره أضر بالورثة وقال : لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه فعل ذلك عثمان بن عفان وعائشة و عمر بن عبد العزيز Bهم .
فصل : وإذا تنازع اثنان في الدفن في المقبرة المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد فإن تساويا أقرع بينهما .
فصل : وإن تيقن أن الميت قد بلي وصار رميما جاز نبش قبره ودفن غيره فيه وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة فإن حفر فوجد فيها عظاما دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه أحمد واستدل بأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي وسئل أحمد عن الميت يخرج من قبره إلى غيره فقال : إذا كان شيء يؤذيه قد حول طلحة وحولت عائشة وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة فقال : قد نبش معاذ امرأته وقد كانت كفنت في خلقان فكفنها ولم ير أبو عبد الله بأسا أن يحولوا