مسائل وفصول : ما ورد في الكفن وصفة التكفين وتطييب الميت .
مسألة : قال : وينشفه بثوب ويجمر أكفانه .
وجملته أنه إذا فرغ الغاسل من غسل الميت نشفه بثوب لئلا يبل أكفانه وفي حديث أم سليم فإذا فرغت منها فألق عليها ثوبا نظيفا وذكر القاضي في حديث ابن عباس في غسل النبي A قال : فجففوه بثوب ومعنى تجمير أكفانه تبخيرها بالعود وهو أن يترك العود على النار في مجمر ثم يبخر به الكفن حتى تعيق رائحته ويطيب ويكون ذلك بعد أ يرش عليه ماء الورد لتعلق الرائحة به وقد روي عن جابر قال : قال رسول الله A : [ إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا ] وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود وقال أبو هريرة : يجمر الميت ولأن هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه أن يجمر بالطيب والعود فكذلك الميت .
مسألة : قال : ويكفن في ثلاثة أثواب بيض يدرج فيها إدراجا ويجعل الحنوط فيما بينها .
الأفضل عند إمامنا C أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي A وغيرهم وهو مذهب الشافعي ويستحب كون الكفن أبيض لأن النبي A كفن في ثالث أثواب بيض ولقول رسول الله A : [ البسوا من ثيابكم البيض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم ] رواه النسائي وحكي عن أبي حنيفة أن المستحب أ يكفن في إزار ورداء وقميص لما روى ابن المغفل أن النبي A كفن في قميصه ولـ [ أن النبي A ألبس عبد الله بن أبي قميصه وكفنه به ] رواه النسائي .
ولنا قول عائشة Bها : [ كفن رسول الله A في ثالثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ] متفق عليه وهو أصح حديث روي في كفن رسول الله A وعائشة أقرب إلى النبي A وأعرف بأحواله ولهذا لما ذكر لها قول الناس إن النبي A كفن في برد قالت : قد أتي بالبرد ولكنهم لم يكفنوه فيه فحفظت ما أغفله غيرها وقالت أيضا : [ أدرج النبي A في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلة وقال : أكفن فيها ثم قال : لم يكفن فيها رسول الله A وأكفن فيها فتصدق بها ] رواه مسلم لأن حال الإحرام أكمل أ وال الحي هو لا يلبس المخيط وكذلك حالة الموت أشبه بها .
وأما إلباس النبي A عبد الله بن أبي قميصه فإنما فعل ذلك تكرمه لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وإجابة لسؤاله حين سأله ذلك ليتبرك به أبنه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله A وقيل إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر والله أعلم .
فصل : والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فيبسط أولا ليكون الظاهر للناس حسنها فإن هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه ويجعل عليها حنوطا ثم يبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها ويجعل فوقها حنوطا وكافورا ثم يبسط فوقهما الثالثة ويجعل فوقها حنوطا وكافورا ولا يجعل على وجه العليا ولا على النعش شيء من الحنوط لأن الصديق Bه قال : لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يحمل الميت مستورا بثوب فيوضع عليها متسلقيا لأنه أمكن لإدراجه فيها ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ويجعل من الطيب على وجهه ومواضع سجوده ومغابنه لأن الحي يتطيب هكذا ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئا إن خرج منه حين تحريكه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان وهو السراويل بلا أكمام ويجعل الباقي على منافذ وجهه في فيه ومنخريه وعينيه لئلا يحدث منهن حادث وكذلك الجراح النافذة ويترك على مواضع السجود منه لأنها أعضاء شريفة ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر وإنما استحب ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ما فضل عند رأسه ورجليه فيرد على وجهه ورجليه وإن خاف انتشارها عقدها وإذا وضع في القبر حلها ولم يخرق الكفن .
فصل : وتكره الزيادة على ثلاثة أثواب في الكفن لما فيه من إضاعة المال وقد نهى عنه النبي A ويحرم ترك شيء مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روي [ عن النبي A أنه ترك تحته قطيفة في قبره ] فإن ترك نحو ذلك فلا بأس .
مسألة : قال : وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جعل المئزر مما يلي جلده ولم يزر عليه القميص .
التكفين في القميص والمئزر واللفافة غير مكروه وإنما الأفضل الأول وهذا جائز لا كراهة فيه فـ [ إن النبي A ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات ] رواه البخاري فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك وقال أحمد : إن جعلوه قميصا فأحب إلي أن يكون مثل قميص الحي له كمان ودخاريص وإزرار ولا يزر عليه القميص .
فصل : قال أبو داود : قلت لـ أحمد : يتخذ الرجل كفنه يصلي فيه أياما أو قلت : يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه فرآه حسنا قال : يعجبني أن يكون جديدا أو غسيلا وكره أن يلبسه حتى لا يدنسه .
فصل : ويجوز التكفين في ثوبين لـ [ قول النبي A في المحرم الذي وقصته دابته : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ) ] رواه البخاري وكان سويد بن غفلة يقول : يكفن في ثوبين وقال الأوزاعي : يجزي ثوبان وأقل ما يجزي ثوب واحد يستر جميعه [ قالت أم عطية : لما فرغنا يعني من غسل بنت رسول الله A ألقى إلينا حقوه فقال : أشعرنها إياه ولم يزد على ذلك ] رواه البخاري وقال : معنى أشعرنها إياه الففنها فيه قال ابن عقيل : العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فجسد الميت أولى وقال القاضي : لا يجزي أقل من ثلاثة أثواب لمن يقدر عليها وروى مثل ذلك عن عائشة واحتج بأنه لو جاز أقل منها لم يجز التكفين بها في حق من له أيتام احتياطا لهم والصحيح الأول وما ذكره القاضي لا يصح فإنه يجوز التكفين بالحسن مع حصول الأجزاء بما دونه .
فصل : قال أحمد : يكفن الصبي في خرقة وإن كفن في ثلاثة فلا بأس وكذلك قال إسحاق ونحوه قال سعيد بن المسيب و الثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لا خلاف بينهم في أن ثوبا يجزئه وإن كفن في ثلاثة فلا بأس لأنه ذكره فأشبه الرجل .
فصل : فإن لم يجد الرجل ثوبا يستر جميعه ستر رأسه وجعل على رجليه حشيشا أو ورقا كما روي [ عن خباب أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي A أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الأذخر ] رواه البخاري فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها لأنها أهم في الستر بدليل حالة الحياة فإن كثر القتلى وقلت الأكفان كفن الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد كما صنع بقتلى أحد قال أنس كثرت قتلى أحد وقلة الثياب قال : فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد قال الترمذي : حديث أنس حديث حسن غريب .
مسألة : قال : وتجعل الذريرة في مفاصله ويجعل الطيب في مواضع السجود والمغابن ويفعل به كما يفعل بالعروس .
الذريرة هي الطيب المسحوق ويستحب أن يجعل في مفاصل الميت ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كطي الركبتين وتحت الإبطين وأصول الفخذين لأنها مواضع الوسخ ويتبع بإزالة الوسخ والدرن منها من الحي ويتبع بالطيب من المسك والكافور مواضع السجود لأنها أعضاء شريفة ويفعل به كما يفعل بالعروس لأنه يروى عن النبي A : [ اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم ] وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك قال أحمد : يخلط الكافور بالذريرة وقيل له : يذر المسك على الميت أو يطلي به قال : لا يبالي قد روي عن ابن عمر أنه ذر عليه .
وروي عنه أنه مسجد بالمسك مسحا و ابن سيرين طلا إنسانا بالمسك من قرنه إلى قدمه وقال إبراهيم النخعي : يوضع الحنوط على أعظم السجود الجبهة والراحتين والركبتين وصدور القدمين .
مسألة : قال : ولا يجعل في عينيه كافورا .
إنما كره هذا لأنه يفسد العضو ويتلفه ولا يصنع مثله بالحي قال أحمد : ما سمعنا إلا في المساجد وحكي له عن ابن عمر أنه كان يفعل فأنكر أن يكون ابن عمر فعله وكره ذلك .
مسألة : قال : وإن خرج منه شيء يسير بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل .
لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا والوجه في ذلك أن إعادة الغسل فيها مشقة شديدة لأنه يحتاج إلى إخراجه وإعادة غسله وغسل أكفانه وتجفيفها أو إبدالها ثم لا يؤمن مثل هذا في المرة الثانية والثالثة فسقط لذلك ولا يحتاج أيضا إلى إعادة وضوءه ولا غسل موضع النجاسة دفعا لهذه المشقة ويحمل بحاله ويروى عن الشعبي أن ابنة له لما لفت في أكفانها بدا منها شيء فقال الشعبي : ارفعوا فأما إن كان الخارج كثيرا فاحشا فمفهوم كلام الخرقي هاهنا أنه يعاد غسله إن كان قبل تمام السبعة لأن الكثير يتفاحش ويؤمر مثله في المرة الثانية لتحفظهم بالشد والتلجم ونحوه .
ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال الخلال وخالفه أصحاب أبي عبد الله كلهم رووا عنه : لا يعاد إلى الغسل بحال قال : والعمل على ما اتفق عليه لما ذكرنا من المشقة فيه ويحتمل أن تحمل الروايتان على حالتين فالموضع الذي قال : لا يعاد غسله إذا كان يسيرا ويخفي على المشيعين والموضع الذي أمر بإعادته إذا كان يظهر لهم ويفحش