فصول : صفة صلاة الخوف .
فصل : ويجوز أن يصلي صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله A قال أحمد : كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز وقال : ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كلها جائز وقال الأثرم : قلت لـ أبي عبد الله تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أو تختار واحدا منهما قال : أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن وأما حديث سهل فأنا أختاره إذا تقرر هذا فنذكر الوجوه التي بلغنا أن النبي A صلى عليها وقد ذكرنا منها وجهين أحدهما ما ذكره الخرقي وهو حديث سهل والثاني حديث ابن عمر وهو الذي ذهب إليه أبو حنيفة والثالث صلاة النبي A بعسفان وهو ما [ روى أبو عياش الزرقي قال : كنا مع النبي A بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون : لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر فلما حضرت العصر قام رسول الله A مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله A صف وصف خلف ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله A وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى بهؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله A وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله A والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم فصلاها بعسفان يوم بني سليم ] رواه أبو داود وروى جابر عن النبي A نحو هذا المعنى أخرجه مسلم .
وروي [ عن حذيفة أنه أمر سعيد بن العاص بطبرستان حين سألهم أيكم شهد مع رسول الله A صلاة الخوف فقال حذيفة : أنا وأمره بنحو هذه الصلاة قال وتأمر أصحابك إن هاجهم هيج فقد حل لهم القتال والكلام ] رواه الأثرم بإسناده وإن حرس الصف الأول في الأولى والثاني في الثانية أو لم يتقدم الثاني إلى مقام الأول أو حرس بعض الصف وسجد الباقون جاز ذلك كله لأن المقصود يحصل لكن الأولى فعل مثل ما فعل النبي A ومن شرط هذه الصلاة أن يكون العدو في جهة القبلة لأنه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلا كذلك وأن يكونوا بحيث لا يخفى بعضهم على بعض ولا يخاف كمين لهم .
فصل : الوجه الرابع أن يصلي بكل طائفة صلاة منفردة ويسلم بها كما روى أبو بكر قال : [ صلى رسول الله A في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله A أربع ولأصحابه ركعتان ] أخرجه أبو داود و الأثرم وهذه صفة حسنة قليلة الكلفة لا يحتاج فيها إلى مفارقة الإمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة وهذا مذهب الحسن وليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل يؤم مفترضين .
فصل : الوجه الخامس أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ولا يسلم ثم تسلم الطائفة وتنصرف ولا تقضي شيئا وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها ركعتين ويسلم بها ولا تقضي شيئا وهذا مثل الوجه الذي قبله إلا أنه يسلم في الركعتين الأوليين لما [ روى جابر قال : أقبلنا مع النبي A حتى إذا كنا بذات الرقاع فذكر الحديث قال : فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال : وكانت لرسول الله A أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين ] متفق عليه وتأول القاضي هذا على أن النبي A صلى بهم كصلاة الحضر وأن كل طائفة قضت ركعتين وهذا ظاهر الفساد جدا لأنه يخالف صفة الرواية وقول أحمد ويحمله على محمل فاسد أما الرواية فإنه ذكر أنه صلى بكل طائفة ركعتين ولم يذكر قضاء ثم قال في آخرها وللقوم ركعتين ركعتين وأما قول أحمد فإنه قال : ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كلها جائز وعلى هذا التأويل لا تكون ستة ولا خمسة ولأنه قال كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فهو جائز وهذا مخالف لهذا التأويل وأما فساد المحمل فإن الخوف يقتضي تخفيف الصلاة وقصرها كما قال الله تعالى : .
{ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وعلى هذا التأويل يجعل مكان الركعتين أربعا ويتم الصلاة المقصورة ولم ينقل عن النبي A أنه أتم صلاة السف فكيف يحمل هاهنا على أنه أتمها في موضع وجد فيه ما يقتضي التخفيف .
فصل : الوجه السادس أن يصلي بكل طائفة ركعة ولا تقضي شيئا لما روى ابن عباس قال : [ صلى رسول الله A بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت لرسول الله A ركعتان وكانت لهم ركعة ركعة ] رواه الأثرم .
وعن حذيفة [ أن النبي A صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا شيئا ] رواه أبو داود وروي مثله عن زيد بن ثابت وأبي هريرة رواهن الأثرم وكذلك قال أبو داود في السنن وهو مذهب ابن عباس وجابر قال : إنما القصر ركعة عند القتال وقال طاووس و مجاهد و الحسن و قتادة و الحكم كذا يقولون : ركعة في شدة الخوف يومئ إيماء وقال إسحاق : يجزئك عند الشدة ركعة تومئ إيماء فإن لم يقدر فسجدة واحدة فإن لم يقدر فتكبيرة لأنها ذكر لله تعالى وعن الضحاك أنه قال : ركعة فإن لم يقدر كبر تكبيرة حيث كان وجهه فهذه الصلاة يقتضي عموم كلام أحمد جوازها لأنه ذكر ستة أوجه ولا أعلم وجها سادسا سواها وأصحابنا ينكرون ذلك قال القاضي : لا تأثير للخوف في عدد الركعات وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابه وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة والذي قال منهم ركعة إنما جعلها عند شدة القتال والذين روينا عنهم صلاة النبي A أكثرهم لم ينقصوا عن ركعتين وابن عباس لم يكن ممن يحضر النبي A في غزواته ولا يعلم ذلك إلا بالرواية عن غيره فالأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي A أولى