مسائل وفصول : صلاة الخوف في الحضر .
مسألة : قال : وإن خاف وهو مقيم صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى تتم بالحمد لله وسورة .
وجملة ذلك أن صلاة الخوف جائزة في الحضر إذا احتيج إلى ذلك بنزول العدو قريبا من البلد وبه قال الأوزاعي و الشافعي وحكي عن مالك أنها لا تجوز في الحضر لأن الآية إنما دلت على صلاة ركعتين وصلاة الحضر أربعا ولأن النبي A لم يفعلها في الحضر وخالفه أصحابه فقالوا كقولنا .
ولنا قول الله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية وهذا عام في كل حال وترك النبي A فعلها في الحضر إنما كان لغناه عن فعلها في الحضر وقولهم إنما دلت الآية على ركعتين قلنا وقد يكون في الحضر ركعتان الصبح والجمعة والمغرب ثلاث ويجوز فعلها في الخوف في السفر ولأنها حالة خوف فجازت فيها صلاة الخوف كالسفر فإذا صلى بهم الرباعية صلاة الخوف فرقهم فرقتين فصلى بكل طائفة ركعتين وهل تفارقه الطائفة الأولى في التشهد الأول أو حين يقوم إلى الثالثة على وجهين : .
أحدهما حين قيامه إلى الثالثة وهو قول مالك و الأوزاعي لأنه يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار والتشهد يستحب تخفيفه ولذلك كان النبي A إذا جلس للتشهد كان كأنه على الرضف حتى يقوم ولأن ثواب القائم أكثر ولأنه إذا انتظرهم جالسا فجاءت الطائفة فإنه يقوم قبل إحرامهم فلا يحصل اتباعهم له في القيام .
والثاني : في التشهد لتدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة ولأن الانتظار في الجلوس أخف على الإمام ولأنه متى انتظرهم قائما احتاج إلى قراءة السورة في الركعة الثالثة وهو خلاف السنة وأيا ما فعل كان جائزا وإذا جلس الإمام للتشهد الأخير جلست الطائفة معه فتشهدت التشهد الأول وقامت وهو جالست فأتمت صلاتها وتقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة لأن ما تقضيه أول صلاتها ولأنها لم يحصل لها مع الإمام قراءة السورة ويطول الإمام التشهد والدعاء حتى تصلي الركعتين ثم يتشهد ويسلم بهم فأما الطائفة الأولى فإنما تقرأ في الركعتين بعد مفارقة إمامها الفاتحة وحدها لأنها آخر صلاتها وقد قرأ إمامها بها السورة في الركعتين الأوليين وظاهر المذهب أن ما تقضيه الطائفة الثانية أول صلاتها فعلى هذا تستفتح إذا فارقت إمامها وتستعيذ وتقرأ الفاتحة وسورة وقد روي أنه أخر صلاتها ومقتضاه ألا تستفتح ولا تستعيذ ولا تقرأ السورة وعلى كل حال فينبغي لها أن تخفف وإن قرأت سورة فلتكن من أخف السور أو تقرأ آية أو اثنتين من سورة وينبغي للإمام أن لا يعجل بالسلام حتى يفرغ أكثرهم من التشهد فإن سلم قبل فراغ بعضهم أتم تشهده وسلم .
فصل : واختلفت الرواية فيما يقضيه المسبوق فروي أنه أول صلاته وما يدركه مع الإمام آخرها وهذا ظاهر المذهب كذلك قال ابن عمر و مجاهد و ابن سيرين و مالك و الثوري وحكي عن الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف و الحسن بن حي وروي عن أحمد أن ما يقضيه آخر صلاته وبه قال سعيد بن المسيب و الحسن و عمر بن عبد العزيز و مكحول و عطاء و الزهري و الأوزاعي و إسحاق و المزني و أبو ثور وهو قول الشافعي ورواية عن مالك لقول النبي A : [ وما فاتكم فأتموا ] متفق عليه ولأنه آخر صلاته حقيقة فكان آخرها حكما كغير المسبوق ولأنه يتشهد في آخر ما يقضيه ويسلم ولو كان أول صلاته لما تشهد وكان يكفيه تشهده مع الإمام وللرواية الأولى قوله : [ وما فاتكم فاقضوا ] وهو صحيح ولأنه يسمى قضاء والقضاء للفائت والفائت أول الصلاة ومعنى قوله : [ فأتموا ] أي اقضوا لأن القضاء إتمام ولذلك سماه فائتا والفائت أول الصلاة ولأنه يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة فكان أول الصلة كغير المسبوق ولا أعلم خلافا بين الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة وسورة قال ابن عبد البر : كل هؤلاء القائلين بالقولين جميعا يقولون يقضي ما فاته بالحمد لله وسورة على حسب ما قرأ إمامه إلا إسحاق و المزني و داود قالوا : يقرأ بالحمد وحدها وعلى قول من قال : أنه يقرأ في القضاء بالفاتحة وسورة لا تظهر فائدة الخلاف إلا أن يكون في الاستفتاح والاستعاذة حال مفارقة الإمام وفي موضع الجلسة للتشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب والرباعية والله أعلم .
فصل : واختلفت الرواية في موضع الجلسة والتشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب أو الرباعية إذا قضى فروي عن أحمد أنه إذا قام استفتح فصلى ركعتين متواليتين يقرأ في كل واحدة بالحمد لله وسورة نص عليه في رواية حرب وفعل ذلك جندب وذلك لأنهما أول صلاته فلم يتشهد بينهما كغير المسبوق ولأن القضاء على صفة الأداء والأداء لا جلوس فيه ولأنهما ركعتان يقرأ في كل واحدة منهما بالحمد لله وسورة فلم يجلس بينهما كالمؤادتين والرواية الثانية أنه يقوم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالحمد لله وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى بالحمد لله وسورة في المغرب أو بركعتين متواليتين في الرباعية يقرأ في أولاها بالحمد لله وسورة وفي الثانية بالحمد وحدها نقلها صالح و أبو داود و الأثرم وفعل ذلك مسروق وقال عبد الله بن مسعود كما فعل مسروق يفعل وهو قول سعيد بن المسيب فإنه روي عنه أنه قال لـ الزهري : ما صلاة يجلس في كل ركعة منها قال سعيد : هي المغرب إذا أدركت منها ركعة ولأن الثالثة آخر صلاته فعلا فيجب أن يجلس قبلها كغير المسبوق .
وقد روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم قال : جاء جندب و مسروق إلى المسجد وقد ضلوا ركعتين من المغرب فدخلا في الصف فقرأ جندب في الركعة التي أدرك مع الإمام ولم يقرأ مسروق فلما سلم الإمام قاما في الركعة الثانية فقرأ جندب وقرأ مسروق وجلس مسروق في الركعة الثانية وقام جندب وقرأ مسروق في الركعة الثالثة ولم يقرأ جندب فلما قضيا الصلاة أتيا عبد الله فسألاه عن ذلك وقصا عليه القصة فقال عبد الله : كما فعل مسروق يفعل وقال عبد الله : إذا أدركت ركعة من المغرب فأجلس فيهن كلهن وأيا ما فعل من ذلك جاز إن شاء الله تعالى ولذلك لم ينكر عبد الله على جندب فعله ولا أمره بإعادة صلاته .
فصل : إذا فرقهم في الرباعية فرقتين فصلى بالأولى ثلاث ركعات وبالثانية ركعة أو بالأولى ركعة والثانية ثلاثا صحت الصلاة لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بمثلهما وبهذا قال الشافعي إلا أنه قال : يسجد للسهو ولا حاجة إليه لأن السجود للسهو ولا سهو ها هنا ولو قدر أنه فعله ساهيا لم يحتج إلى سجود لأنه مما لا يبطل عمده الصلاة فلا يسجد لسهوه كما لو رفع يديه في غير موضع الرفع وترك رفعهما في موضعه .
فأما إن فرقهم أربع فرق فصلى في كل طائفة ركعة أو ثلاث فرق فصلى بإحداهن ركعتين والباقين ركعة ركعة صحت صلاة الأولى والثانية لأنهما ائتما بمن صلاته صحيحة ولم يوجد منهما ما يبطل صلاتهما وتبطل صلاة الإمام بالانتظار الثالث لأنه لم ينقل عن النبي A فزاد انتظارا لم يرد الشرع به فتبطل صلاته به كما لو فعله من غير خوف ولا فرق بين أن تكون به حاجة إلى ذلك أو لم يكن لأن الرخص إنما يصار فيها إلى ما ورد الشرع به ولا تصح صلاة الثالثة والرابعة لائتمامها بمن صلاته باطلة فأشبه ما لو كانت صلاته باطلة من أولها فإن لم يعلما ببطلان صلاة الإمام فقال ابن حامد : لا تبطل صلاتهما لأن ذلك مما يخفى فلم تبطل صلاة المأموم كما لو ائتم بمحدث وينبغي على هذا أن يخفى على الإمام والمأموم كما اعتبرنا في صحة صلاة من ائتم بمحدث خفاءه على الإمام والمأموم ويحتمل أن لا تصح صلاتهما لأن الإمام والمأموم يعلمان وجود المبطل وإنما خفي عليهم حكمه فلم يمنع ذلك البطلان كما لو علم الإمام والمأموم حدث الإمام ولم يعلما كونه مبطلا وقال بعض أصحاب الشافعي كقول ابن حامد وقال بعضهم : تصح صلاة الإمام والمأمومين جميعا لأن الحاجة تدعو إلى ذلك فأشبه ما لو فرقهم فرقتين وقال بعضهم : المنصوص أن صلاتهم تبطل بالانتظار الأول لأنه زاد على انتظار رسول الله A زيادة لم يرد الشرع بها .
ولنا على الأول أن الرخص إنما تتلقى من الشرع ولم يرد الشرع بهذا وعلى الثاني أن طول الانتظار لا عبرة به كما لو أبطأت الثانية فيما إذا فرقهم فرقتين