مسألة وفصول : سقوط الجمعة عن المسافر والعبد والمرأة ومن في طريقه مطر إليها وعلى الأعمى اختلاف .
مسألة : قال : ولا جمعة على مسافر ولا عبد ولا امرأة .
وعن أبي عبد الله C في العبد روايتان إحداهما أن الجمعة عليه واجبة والرواية الأخرى ليست عليه بواجبة أما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولذلك لا تجب عليها جماعة وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة و الثوري في أهل العراق و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وروي ذلك عن عطاء و عمر بن عبد العزيز و الحسن و الشعبي وحكي عن الزهري و النخعي أنها تجب عليه لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى .
ولنا أن النبي A كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر جمع بينهما ولم يصل جمعة والخلفاء الراشدون Bهم كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله A ومن بعدهم وقد قال إبراهيم : كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنين لا يجمعون ولا يشرقون وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : أقمت معه سنين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمع رواهما سعيد وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع ذكره ابن المنذر وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه فلا يسوغ مخالفته .
فصل : فأما العبد ففيه روايتان إحداهما لا تجب عليه الجمعة وهو قول من سمينا في حق المسافر والثانية تجب عليه ولا يذهب من غير إذن سيده نقلها المروذي واختارها أبو بكر وبذلك قالت طائفة إلا أن له تركها إذا منعه السيد واحتجوا بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } ولأن الجماعة تجب عليه والجمعة آكد منها فتكون أولى بالوجوب حكي عن الحسن و قتادة أنها تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة لأن حقه عليه قد تحول إلى المال فأشبه من عليه الدين .
ولنا ما روى طارق بن شهاب عن النبي A أنه قال : [ الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض ] رواه أبو داود : وقال : طارق رأى النبي A ولم يسمع منه وهو من أصحابه وعن جابر أن رسول الله A قال : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضا أو مسافرا أو امرأة أو صبيا أو مملوكا ] رواه الدارقطني وعن تميم الداري قال : سمعت رسول الله A يقول : [ الجمعة واجبة إلا على خمسة : امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر أو عبد ] رواه رجاء بن مروجاء الغفاري في سننه ولأن الجمعة يجب السعي إليها من مكان بعيد فلم تجب عليه كالحج والجهاد ولأنه مملوك المنفعة محبوس على السيد أشبه المحبوس بالدين ولأنها لو وجبت عليه لجاز له المضي إليها من غير إذن سيده ولم يكن لسيده منعه منها كسائر الفرائض والآية مخصوصة بذوي الأعذار وهذا منهم .
فصل : والمكاتب والمدبر حكمهما في ذلك حكم القن لبقاء الرق فيهما وكذلك من بعضه حر فإن حق سيده متعلق به وكذلك لا يجب عليه شيء مما يسقط عن العبد .
فصل : إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم يرد استيطان البلد كطلب العلم أو الرباط أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة ففيه وجهان : أحدهما تلزمه الجمعة لعموم الآية ودلالة الأخبار التي رويناها فإن النبي A أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم وليس هذا منهم والثاني لا تجب عليه لأنه ليس بمستوطن والاستيطان من شرط الوجوب ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفا ويظعنون عنها شتاء ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون أي لا يصلون جمعة ولا عيدا فإن قلنا تجب الجمعة عليه فالظاهر أنها لا تنعقد به لعدم الاستيطان الذي هو من شرط الانعقاد .
فصل : ولا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر يبل الثياب أو وحل يشق المشي إليها فيه وحكي عن مالك أنه كان لا يجعل المطر عذرا في التخلف عنها .
ولنا ما روي عن ابن عباس أنه أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قال صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك فقال أتعجبون من ذا ؟ فعل ذا من هو خير مني أن الجمعة عزمه وإني كرهت أن أخرجكم إليها فتمشوا في الطين والدحض أخرجه مسلم ولأنه عذر في الجماعة فكان عذرا في الجمعة كالمرض وتسقط الجمعة بكل عذر يسقط الجماعة وقد ذكرنا الأعذار في آخر صفة الصلاة وإنما ذكرنا المطر ها هنا لوقوع الخلاف فيه .
فصل : تجب الجمعة على الأعمى وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه ولنا عموم الآية والأخبار وقوله : [ الجمعة واجبة إلا على أربعة ] وما ذكرنا في وجوب الجماعة عليه