مسألة وفصلان : مدة الإقامة التي تمنع القصر .
مسألة : قال : وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم .
المشهور عن أحمد C أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم و المروذي وغيرهما وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر وهذا قول مالك و الشافعي و أبي ثور لأن الثلاث حد القلة بدليل قول النبي A : [ يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا ] ولما أخلى عمر Bه أهل الذمة ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا فدل على أن الثلاث في حكم السفر وما زاد في حكم الإقامة ويروى هذا القول عن عثمان Bه وقال الثوري وأصحاب الرأي : إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر وروي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير والليث بن سعد لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا إذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة ولا يعرف لهم مخالف وروي عن سعيد بن المسيب هذا القول وروى عنه قتادة قال : إذا أقمت أربعا فصل أربعا وروي عن علي Bه قال : يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ويقصر الصلاة الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا وهذا قول محمد بن علي وابنه و الحسن بن صالح وعن ابن عباس قال : إذا قدمت بلدة فلم تدر متى تخرج فأتم الصلاة وإن قلت أخرج اليوم أخرج غدا فأقمت عشرا فأتم الصلاة وعنه أنه قال : [ إن النبي A أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين ] قال ابن عباس : فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلي ركعتين وإذا زدنا على ذلك أتممنا رواه البخاري وقال الحسن صل ركعتين ركعتين إلى أن تقدم مصرا فأتم الصلاة وصم وقالت عائشة : إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة وكان طاوس إذا قدم مكة صلى أربعا .
ولنا ما روى أنس قال : [ خرجنا مع رسول الله A إلى مكة فصلى ركعتين حتى رجع وأقام بمكة عشرا يقصر الصلاة ] متفق عليه وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس [ أن النبي A قدم لصبح رابعة فأقام النبي A اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها ] قال : فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي A قصر وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم قال الأثرم : وسمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس في الإجماع على الإقامة للمسافر فقال : هو كلام ليس يفقهه كل أحد وقوله [ أقام النبي A عشرا يقصر الصلاة ] فقال : [ قدم النبي A لصبح رابعة وخامسة وسادسة وسابعة ثم قال : وثامنة يوم التروية وتاسعة وعاشرة ] فإنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبي A بمكة ومنى وإلا فلا وجه له عندي غير هذا فهذه أربعة أيام وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة يقصر فهذا يدل على أن من أقام إحدى وعشرين صلاة يقصر وهي تزيد على أربعة أيام وهذا صريح في خلاف من حده أربعة أيام وقول أصحاب الرأي لم نعرف لهم مخالفا في الصحابة غير صحيح فقد ذكرنا الخلاف فيه عنهم وذكرنا عن ابن عباس نفسه خلاف ما حكوه عنه رواه سعيد في سننه ولم أجد ما حكوه عنه فيه وحديث ابن عباس في إقامة تسع عشرة وجهه أن النبي A لم يجمع الإقامة قال أحمد : [ أقام النبي A بمكة ثماني عشرة زمن الفتح ] لأنه أراد حنينا ولم يكن تم إجماع المقام وهذه إقامته التي رواها ابن عباس والله أعلم .
فصل : ومن قصد بلد بعيدة فوصله غير عازم على الإقامة به مدة ينقطع فيها حكم سفره فله القصر فيه قال أحمد في من دخل مكة لم يجمع على إقامة تزيد على إقامة النبي A بها وهو أن يقدم رابع ذي الحجة فله القصر وذلك لأن [ النبي A كان في أسفاره يقصر حتى يرجع ] وحين قدم مكة وأقام بها ما أقام كان يقصر فيها وهذا خلاف قول عائشة و الحسن ولا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده كما فعل النبي A في حجة الوداع على ما في حديث أنس وبين أن يريد بلدا آخر كما فعل عليه السلام في غزوة الفتح على ما في حديث ابن عباس .
فصل : وإن مر في طريقه على بلد له فيه أهل أو مال فقال أحمد في موضع يتم وقال في موضع يتم إلا أن يكون مارا وهذا قول ابن عباس وقال الزهري : إذا مر بمزرعة له أتم وقال مالك : إذا مر بقرية فيها أهله أو ماله أتم إذا أراد أن يقيم بها يوما وليلة وقال الشافعي و ابن المنذر يقصر ما لم يجمع على إقامة أربع لأنه مسافر لم يجمع على أربع .
ولنا ما روي [ عن عثمان أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال : يا أيها الناس أني تأهلت بمكة منذ قدمت وأني سمعت رسول الله A يقول : ( من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم ) ] رواه الإمام أحمد في المسند وقال ابن عباس : إذا قدمت على أهل لك أو مال فصل صلاة المقيم ولأنه مقيم ببلد فيه أهله فأشبه البلد الذي سافر منه