فصول : ما يعفى عنه من نجاسة البول والغائط والنجاسة المغلطة ثلاثة مواضيع .
فصل : وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها في ثلاثة مواضع أحدها محل الاستنجاء فعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الانقاء واستيفاء بغير خلاف نعلمه واختلف أصحابنا في طهارته فذهب أبو عبد الله بن حامد و أبو حفص بن المسلمة إلى طهارته وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله لا بأس به ولو كان نجسا لنجسه ووجه ذلك قوله النبي A في الروث والرمة إنهما لا يطهران مفهومه أن غيرهما يطهر ولأنه معنى يزيل حكم النجاسة فيزيلها كالماء وقال أصحابنا المتأخرون : لا يطهر المحل بل هو نجس فلو قعد المستجمر في ماء يسير نجسه ولو عرق كان عرقه كان عرقه نجسا لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لأنه عين النجاسة ففيه ثلاث روايات إحداهن يجزئ دلكه بالأرض وتباح الصلاة فيه وهو قول الأوزاعي و إسحاق لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي A أنه قال : [ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب ] وفي لفظ : [ إذا وطئ بنعليه أحدكم الأذى فإن التراب له طهور ] وعن عائشة Bها عن رسول الله A مثل ذلك وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله A : [ إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلنظر فإن رأى في نعله قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيها ] وعن ابن مسعود قال : كنا نتوضأ من موطئ رواهما أبو داود ولأن النبي A وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم [ قال أبو مسلمة سعيد بن يزيد سألت أنس بن مالك أكان رسول الله A يصلي في نعليه ؟ قال نعم ] متفق عليه والظاهر أن النعل لا تخلو من نجاسة تصيبها فلو لم يجزئ دلكها لم تصح الصلاة فيها والثانية يجب غسله كسائر النجاسات فإن الدلك لا يزيل جميع أجزاء النجاسة والثالثة يجب غسله من البول والعذرة دون غيرهما لتغلظ نجاستهما وفحشهما والأول أولى لأن اتباع الأثر واجب فإن قيل فقول النبي A في نعليه : [ إن فيهما قذرا ] يدل على أنه لم يجز دلكهما ولم يزل القذر منهما قلنا لا دلالة في هذا لأنه لم ينقل أنه دلكهما والظاهر أنه لم يدلكهما لأنه لم يعلم بالقذر فيهما حتى أخبره جبريل عليه السلام إذا ثبت هذا فإن دلكهما يطهرهما في قول ابن حامد لظاهر الأخبار وقال غيره يعفى عنه مع بقاء نجاسته كقولهم في أثر الاستنجاء وقال القاضي إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لاأحتى أخبره جبريل عليه السلام إذا ثبت هذا فإن دلكهما يطهرهما في قول ابن حامد لظاهر الأخبار وقال غيره يعفى عنه مع بقاء نجاسته كقولهم في أثر الاستنجاء وقال القاضي إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لأنه لا يبقى لها أثر وإن دلكهما قبل جفافهما لم يجزه ذلك لأن رطوبة النجاسة باقية فلا يعفى عنها وظاهر الأخبار لا يفرق بين رطب ولا جاف ولأنه محل اجتزئ فيه بالمسح فجاز في حال رطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء ولأن رطوبة المحل معفو عنها إذا جفت قبل الدلك فيعفى عنها إذ جفت به كالاستجمار الثالث إذا جبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأنها نجاسة باطنة يتضرر بإزالتها فأشبهت دماء العروق وقيل يلزمه قلعه ما لم يخف التلف وإن سقط سن من أسنانه فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة لأنها بعضه والآدمي بجملته طاهر حيا وميتا وكذلك بعضه وقال القاضي هي نجسة حكمها حكم سائر العظام النجسة لأن ما أبين من حي فهو ميت فإنما حكم بطهارة الجملة لحرمتها وحرمتها آكد من حرمة البعض فلا يلزم من الحكم بطهارتها الحكم بطهارة ما دونها .
فصل : وإذا كان على الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة نجاسة فعفي عن يسيرها كالدم ونحوه عفي عن أثر كثيرها بالمسح لأن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله عفي عنه كيسير غيره .
مسألة : قال : وإذا خفي موضع النجاسة من الثوب استظهر حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة .
وجملته أن النجاسة إذا خفيت في بدن أو ثوب وأراد الصلاة فيه لم يجز ذلك حتى يتيقن زوالها ولا يتيقن ذلك حتى يغسل كل محل يحتمل أن تكون النجاسة أصابته فإذا لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله وإن علمها في إحدى جهتيه غسل تلك الجهة كلها وإن رآها في بدنه أو ثوب هو لابسه غسل كل ما يدركه بصره من ذلك وبهذا قال النخعي و الشافعي و مالك و ابن المنذر وقال عطاء و الحكم و حماد : إذا خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وقال ابن شبرمة : يتحرى مكان النجاسة فيغسله ولعلهم يحتجون بـ [ حديث سهل بن حنيف في المذي عن النبي A قال : فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : يجزئك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه فأمره بالتحري والنضح ] .
ولنا : أنه متيقن للمانع من الصلاة فلم تبح له الصلاة إلا بتيقن زواله كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة والنضح لا يزيل النجاسة وحديث سهل في المذي دون غيره فلا يعدي لأن أحكام النجاسة تختلف وقوله : [ حيث ترى أنه أصاب منه ] محمول على من ظن أنه أصاب ناحية من ثوبه من غير تيقن فيجزئه نضح المكان أو غسله .
فصل : وإن خفيت النجاسة في فضاء واسع صلى حيث شاء ولا يجب غسل جميعه لأن ذلك يشق فلو منع من الصلاة أفضى إلى أن لا يجد موضعا يصلي فيه فأما إن كان موضعا صغيرا كبيت ونحوه فإنه يغسله كله لأنه لا يشق غسله فأشبه الثوب