مسألة : وإذا كان معه في السفر إناءان واشتبها عليه أراقهما وتيمم .
مسألة : قال : وإذا كان معه في السفر إناءان نجس وطاهر واشتبها عليه أرقهما وتيمم .
إنما خص حالة السفر بهذه المسألة لأنها الحالة التي يجوز التيمم فيها ويعدم فيها الماء وأراد إذا لم يجد ماء غير الإناءين المشتبهين فإنه متى وجد ماء طهورا غيرهما توضأ به ولم يجز التحري ولا التيمم بغير خلاف ولا تخلو الآنية المشتبهة من حالين أحدهما أن لا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف في المذهب أنه لا يجوز التحري فيهما والثاني أن يكثر عدد الطاهرات فذهب أبو علي النجاد من أصحابنا إلى جواز التحري فيهما وهو مذهب أبي حنيفة لأن الظاهر أصابة الطاهر ولأن جهة الإباحة قد ترجحت فيجاز التحري كما لو اشتبهت عليه أخته في نساء مصر وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحري فيها بحال وهو قول أكثر أصحابه وهو قول المزني و أبي ثور وقال الشافعي : يتحرى ويتوضأ بالأغلب عنده في الحالين [ لأنه شرط للصلاة فجاز التحري من أجله كما لو اشتبهت القبلة ولأن الطهارة تؤدى باليقين تارة والظن أخرى ] ولهذا جاز التوضؤ بالماء القليل المتغير الذي لا يعلم سبب تغيره وقال ابن الماجشون : يتوضأ من كل واحد منهما وضوء ويصلي به وبه قال محمد ابن مسلمة إلا أنه قال يغسل ما أصابه من الأولى لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه [ كما لو اشتبه طاهر بطهور وكما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها أو اشتبهت عليه الثياب ] .
ولنا : أنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو استوى العدد عند أبي حنيفة وكما لو كان أحدهما بولا عند الشافعي فإنه قد سلمه واعتذر أصحابه بأنه لا أصل له في الطهارة - قلنا وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة وصار نجسا فلم يبق للأصل الزائل أثر [ على أن البول قد كان ماء فله أصل قي الطهارة كهذا الماء النجس ] وقولهم إذا كثر الطاهر ترجحت الإباحة يبطل بما إذا اشتبهت أخته في مائة أو ميتة بمذكيات فإنه لا يجوز التحري وإن كثر المباح وأما إذا اشتبهت في نساء مصر فإنه يشق اجتنابهن جميعا ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر [ وأما القبلة فيباح تركها للضرورة كحالة الخوف ] ويجوز أيضا في السفر في صلاة النافلة ولأن قبلته ما يتوجه إليه بظنه ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة بخلاف مسألتنا وأما المتغير من غير سبب يعلمه فيجوز الوضوء به استنادا إلى أصل الطهارة وإن غلب على ظنه نجاسته ولا يحتاج إلى تحر وفي مسألتنا عارض يقين الطهارة يقين النجاسة فلم يبق له حكم ولهذا لا يجوز له استعماله من غير تحر ثم يبطل قياسهم بما إذا كان أحدهما بولا والآخر ماء ويدل على صحة ما قلنا أنه لو توضأ من أحد الإناءين وصلى ثم غلب على ظنه في الصلاة الثانية أن الآخر هو الطاهر فتوضأ به وصلى من غير غسل أثر الأول فقد علمنا أنه صلى بالنجاسة يقينا وإن غسل أثر الأول ففيه حرج ونقض لاجتهاده باجتهاده ونعلم أن أحدى الصلاتين باطلة لا بعينها فليزمه اعادتهما فان توضأ من الأول فقد توضأ بما يعتقده نجسا وما قاله ابن الماجشون فباطل فإنه يفضي إلى تنجيس نفسه يقينا وبطلان صلاته اجماعا وما قاله ابن مسلمة ففيه حرج ويبطل بالقبلة فإنه لا يلزمه أن يصلي إلى أربع جهات