فصول : قول سمع الله لمن حمده و ربنا لك الحمد .
فصل : ويسن الجهر بالتسميع للإمام كما يسن الجهر بالتكبير لأنه ذكر مشروع عند الانتقال من ركن فيشرع الجهر به للإمام كالتكبير .
مسألة : قال : ثم يقول : ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد .
وجملته أن يشرع قول ربنا ولك الحمد في حق لك مصل في المشهور عن أحمد وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وبه قال الشعبي و ابن سيرين و أبو بردة و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى لا يقوله المنفرد فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي وحده فإذا قال : سمع الهل لمن حمده قال ربنا ولك الحمد فقال : إنما هذا للإمام جمعهما وليس هذا لأحد سوى الإمام وجهه أن الخبر لم يرد في حقه فلم يشرع له كقول سمع الله لمن حمده في حق المأموم وقال مالك و أبو حنيفة لا يشرع قول هذا في حق الإمام ولا المنفرد لما روى أبو هريرة أن النبي A قال : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ] متفق عليه .
ولنا : أن أبا هريرة قال كان رسول الله A يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد وعن أبي سعيد وابن أبي أوفى [ أن النبي A كان إذا رفع راسه قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] متفق عليه ولأنه حال من أحوال الصلاة فيشرع فيه ذكر كالركوع والسجود وما ذكروه لا حجة لهم فيه فإنه إن ترك ذكره في حديثهم فقد ذكره في أحاديثنا وراويه أبو هريرة قد صرح بذكره في روايته الأخرى فحديثهم لو انفرد لم يكن فيه حجة فكيف تترك به الأحاديث الصحيحة الصريحة والصحيح أن المنفرد يقول كما يقول الإمام ل [ أن النبي A : روي عنه أنه قال لبريدة : يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] رواه الدارقطني وهذا عام في جميع أحواله وقد صح أن النبي A كان يقول ذلك رواه أبو هريرة وأبو سعيد وابن أبي أوفى وعلي ابن أبي طالب وغيرهم وكلها أحاديث صحاح ولم تفرق الرواية بين كونه إماما ومنفردا ولأن ما شرع من القراءة والذكر في حق الإمام شرع في حق المنفرد كسائر الأذكار .
فصل : والسنة أن يقول : [ ربنا ولك الحمد ] بواو نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال : روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وفي حديث علي الطويل وهذا قول مالك ونقل ابن منصور عن أحمد إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد فإنه لا يجعل فيها الواو ومن قال ربنا قال ولك الحمد وذلك لأن النبي A نقل عنه أنه قال : [ ربنا ولك الحمد ] كما نقل الإمام وفي حديث ابن أبي أوفى [ أن النبي A قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ] وكذلك في حديث بريدة فاستحب الاقتداء به في القولين وقال الشافعي السنة أن يقول ربنا لك الحمد لأن الواو للعطف ههنا شيء يعطف عليه .
ولنا : أن السنة الاقتداء بالنبي A ولأن إثبات الواو أكثر حورفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا فإن التقدير ربنا حمدناك ولك الحمد فإن الواو لما كانت للعطف ولا شيء ههنا تعطف عليه ظاهرا دلت على أن في الكلام مقدرا كقوله : سبحانك اللهم وبحمدك أي وبحمدك سبحانم وكيفما قال جاز وكان حسنا لأن كلا قد وردت السنة به .
مسألة قال : فإن كان مأموما لم يزد على قول ربنا ولك الحمد .
لا أعلم في المذهب خلافا أنه لا يشرع للمأموم قول سمع الله لمن حمده وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة و الشعبي و مالك و أصحاب الرأي وقال ابن سيرين و أبو بردة و أبو يوسف و محمد و الشافعي و إسحاق يقول ذلك كالإمام لحديث بريدة ولأنه ذكر شرع للإمام فيشرع للمأموم كسائر الأذكار .
ولنا : قول النبي A : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد ] وهذا يقتضي أن يكون قولهم : ربنا ولك الحمد عقيب قوله سمع الله لمن حمده بغير فصل لأن الفاء للتعقيب وهذا ظاهر يجب تقديمه على القياس وعلى حديث بريدة لأن هذا صحيح مختص بالمأموم وحديث بريدة في إسناده جابر الجعفي وهو عام وتقديم الصحيح الخاص أولى فأما قول : ملء السماء وما بعده فظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول أكثر الأصحاب لأن النبي A اقتصر على أمرهم بقول : ربنا ولك الحمد فدل على أنه لا يشرع في حقهم سواه ونقل الأثرم عن أحمد كلاما يدل على أنه مسنون قال وليس يسقط خلف الإمام عنه غير سمع الله لمن حمده وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي لأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار .
فصل : وموضع قول ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد الاعتدال من الركوع لأنه في حال رفعه يشرع في حقه قول سمع الله لمن حمده فأما المأموم ففي حال رفعه لأن النبي A : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ] يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم والمأموم يأخذ في الرفع عقيب قول الإمام سمع الله لمن حمده فيكون قوله ربنا ولك الحمد حيئنذ والله أعلم .
فصل : إذا زاد على قول ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت بعد فقد نقل أبو الحارث عن أحمد أنه إن شاء قال أهل الثناء والمجد قال أبو عبد الله وأنا أقول ذلك فظاهر هذا أنه يستحب ذلك وهو اختيار أبي حفص وهو الصحيح لأن أبا سعيد روى [ أن النبي A كان يقول : ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] رواه أبو داود و الأثرم وعن ابن أبي أوفى [ أن النبي A زاد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البرد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ] رواه مسلم وقد كان النبي A يطيل القيام بين الركوع والسجود قال أنس [ كان رسول الله A إذا قال : سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم ] رواه مسلم وليست حالة سكوت فيعلم أنه عليه السلام قد كان يزيد على هذه الكلمات لكونها لا تستغرق هذا القيام كله وروي عن أحمد أنه قيل له أفلا يزيد على هذا فيقول : أهل الثناء والمجد فقال قد روي ذلك وأما أنا فأقول هذا إلى ما شئت من شيء بعد فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك في الفريضة اتباعا لأكثر الأحاديث الصحيحة .
فصل : إذا قال مكان سمع الله لمن حمده : من حمد الله سمع له لم يجزه وقال أصحاب الشافعي يجزئه لأنه أتى باللفظ والمعنى .
ولنا : أنه عكس اللفظ المشروع فلم يجزه كما لو قال في التكبير الاكبر الله ولا نسلم أنه أتى بالمعنى فإن قوله سمع الله لمن حمده صيغة خبر تصلح دعاء واللفظ الآخر صيغة شرط وجزاء لا تصلح لذلك فهما متغايران .
فصل : إذا رفع رأسه من الركوع فعطس فقال ربنا : ولك الحمد ينوي بذلك لما عطس وللرفع فروي عن أحمد أنه لا يجزئه لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع والصحيح أن هذا يجزئه لأن هذا ذكر لا تعتبر له النية وقد أتى به فأجزأ كما لو قال ذاهلا وقلبه غير حاضر وقول أحمد يحمل على الاستحباب لا على نفي الاجزاء حقيقة