أحكام مختلفة تتعلق بأم الولد .
مسألة : قال : وإذا مات عن أم ولده فعدتها حيضة .
إنما كان كذلك لأن الواجب عليها استبراء نفسها لخروجها من ملك سيدها الذي كان يطؤها فكان ذلك بحيضة كما لو أعتقها سيدها في حياته وإنما سمى الخرقي هذا عدة لأن الاستبراء أشبع العدة في كونه يمنع النكاح وتحصل به معرفة براءتها من الحمل وقد ذكرنا هذه المسألة في العدد والخلاف فيها على ما مضى .
مسألة : قال : وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها .
وجملته أن أم الولد إذا جنت تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولا آخر أنه يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت لأنه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور وأهل الظاهر : ليس عليه فداؤها وتكون جنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لأنه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة .
ولنا أنها مملوكة له كسبها لم يسلمها فلزمه أرش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها وإنما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلا للبيع ولا لنقل الملك فيها وفارقت القن إذا لم يسلمها فإنه إن أمكن أن يسلمها للبيع فربما زاد فيها مزايد أكثر من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الأرش بكامله وفي مسألتنا لا يحتمل ذلك فيها فإن بيعها غير جائز فلم يكن أكثر من قيمتها .
فصل : وإذا ماتت قبل فدائها فلا شيء على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شيء وإنما تعلق برقبتها فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وإن نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلف جميعها لسقط الفداء فوجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالرقيق القن وينبغي أن تحسب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك نقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة غير أم الولد فيجب أن ينقص فداؤها وأن يكون مقدار قيمتها في حال كونها أم ولد الحكم في المدبرة كالحكم في أم الولد إلا أنها يجوز بيعها في رواية فيمكن تسليمها للبيع إن اختار سيدها وإن امتنع منه فهل يفديها بأقل الأمرين ويلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ ؟ يخرج على روايتين .
فصل : وإن كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجني عليه وإن ولدت فهو لسيدها أيضا لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب وإن فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملا لأن الولد متصل بها فأشبه سمنها وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره فأشبه ما لو أتلف الرهن وإن نقصها فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها والله أعلم .
مسألة : قال : فإن عادت فجنت فداها كما وصفت .
وجملته أن أم الولد إذا جنت جنايات لم تخل من أن تكون الجنايات كلها قبل فداء شيء منها أو بعده فإن كانت قبل الفداء تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا قيمتها أو أرش جميعها وعليه الأقل منهما ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم فإن وفى بها وإلا تحاصوا فيه بقدر أروش جناياتهم وإن كان الثاني بعد فدائها من الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها كما فدى الأولى وقال أبو الخطاب عن أحمد Bه رواية ثانية إذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جناية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي Bه في أحد قوليه : لا يضمنها ثانيا ويشارك الثاني الأول فيما أخذه كما لو كانت الجنايات قبل فدائها .
ولنا أنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز أن يشاركه غيره فيه كأرش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن أرش الجنايات تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد .
فصل : فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وإن كانت الجناية المعفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها والله أعلم .
مسألة : قال : ووصية الرجل لأم ولده وإليها جائزة .
أما الوصية لها فقد ذكرناها وأما الوصية إليها فجائزة لأنها في حال نفوذ الوصية حرة فأشبهت زوجته أو غيرها ويعتبر لصحة الوصية إليها ما يعتبر في غيرها من العدالة والعقل وسائر الشروط وسواء كانت الوصية على أولادها أو غيرهم أو وصي إليها بتفريق ثلثه أو قضاء دينه أو إمضاء وصيته أو غير ذلك .
مسألة : قال : وله تزويجها وإن كرهت .
وجملته أن للرجل تزويج أم ولده أحبت أم كرهت وبهذا قال أبو حنيفة Bه وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم : ليس له تزويجها إلا برضاها لأنها قد ثبت لها حكم الحرية على وجه لا يملك السيد إبطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث : ليس له تزويجها وإن رضيت لأن ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول ؟ فيه خلاف وقد روي عن أحمد Bه أنه قيل له أن مالكا لا يرى تزويجها فقال : وما نصنع بمالك ؟ هذا بن عمر وابن عباس يقولان : إذا ولدت من غيره كان لولدها حكمها .
ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع بها واستخدامها فملك تزويجها كالقن وفارقت المكاتبة فإنه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولأنه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم يزوجها الحاكم لا يصح فإن الحاكم لا يزوج إلا عند عدم الولي أو غيبته أو عضله ولم يوجد واحد منها إذا ثبت هذا فإنه إذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها وكسبها له وإذا عتقت بموته فإن كان زوجها عبدا فلها الخيار ولأنها عتقت تحت عبد وإن كان حرا فلا خيار لها .
مسألة : قال : ولا حد على من قذفها .
هذا قول أكثر أهل العلم وقد روي عن أحمد Bه أنه عليه الحد لأن ذلك يروى عن ابن عمر ولأن قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى يمنع بيعها فأشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر أحكامها ففي الحد لأن الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لإسقاطها ولأنها أمة تعتق بالموت أشبهت المدبرة وتفارق الحرة فإنها كاملة .
فصل : ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة وإن كان القاتل لها رقيقا وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وإن جنت على عبد أو أمة جناية فيها قصاص لزمها القصاص لأنها أمة أحكامها أحكام الإماء واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة .
مسألة : قال : وإن صلت مكشوفة الرأس كره لها ذلك وأجزأها .
إنما كره لها كشف رأسها في صلاتها قد أخذت شبها من الحرائر لامتناع بيعها وقد سئل احمد Bه عن أم الولد كيف تصلي ؟ قال تغطي رأسها وقدميها لأنها لا تباع وكان الحسن يحب للأمة إذا عهدها سيدها يعني وطئها أن لا تصلي إلا مجتمعة وإن صلت مكشوفة الرأس أجزأها لأنها أمة حكمها حكم الإماء قال إبراهيم : تصلي ام الولد بغير قناع وإن كانت بنت ستين سنة وقد روي عن أحمد Bه رواية أخرى أن عورتها عورة الحرة وذكرنا ذلك في كتاب الصلاة والصحيح أن حكمها حكم الإماء وإنما خالفتهن في استحقاقها للعتق وامتناع نقل الملك فيها وهذا لا يوجب تغير الحكم في عورتها كالمدبرة ولأن الأصل بقاء حكمها في إباحة كشف رأسها ولم يوجد ما ينقل عنه من نص ولا ما في معناه فيبقى الحكم على ما كان عليه .
مسألة : قال وإذا قتلت أم الولد سيدها فعليها قيمة نفسها .
وجملته أن أم الولد إذا قتلت سيدها عتقت لأنها لا يمكن نقل الملك فيها وقد زال ملك سيدها بقتله فصارت حرة كما لو قتله غيرها وعليها قيمة نفسها إن لم يجب القصاص عليها وهذا قول أبى يوسف وقال الشافعي : عليها الدية لأنها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها والواجب على الحر بقتل الحر دية .
ولنا أنه جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر من قيمتها كما لو جنت على أجنبي ولأن اعتبار الجناية في حق الجاني بحال الجناية بدليل ما لو جنى على عبد فأعتقه سيده وهي في حال الجناية أمة فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها إذا قتلت غيره ولأنها ناقصة بالرق أشبهت القن وتفارق الحر فإنه جنى وهو كامل وإنما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها سيدها فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه وأما إن قتلت سيدها عمدا ولم يكن لها منه ولد فعليها القصاص لورثة سيدها وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده فلا قصاص عليها لأنه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على أمه القصاص وقد توقف أحمد Bه عن هذه المسألة .
في رواية مهنا وقال : دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرنا وإن كان لها منه ولد وله أولاد من غيرها لم يجب القصاص أيضا لأن حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله وقد نقل مهنا عن أحمد Bه أنه يقتلها أولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح أنه لا قصاص عليها ويجب عليها فداء نفسها بقيمتها كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن حقه منه والله أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد