أحكام في وطء الجارية وفيما لو ولدت نتيجة الوطء .
فصل : فإن كان الولد قد وطئ جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن أحمد Bه فيمن وقع على جارية ابنه إن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده وليس للابن فيها شيء قال القاضي : فظاهر هذا أن الابن إن كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوطء ابنه لها ولا تحل له بحال فأشبه وطء الأجنبي فعلى هذا القول لا يملكها ولا تعتق بموته فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحم منه يحتمل أن يثبت لها حكم الاستيلاد من غير أن تحل له كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فإنها تصير أم ولد مع كونها محرمة عليه على التأبيد فكذلك هاهنا وذلك لأنه وطء يدرأ فيه الحد بشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن .
فصل : وإن وطئ الابن جارية أبيه أو أمه فهو زان يلزمه الحد إذا كان عالما بالتحريم ولا تصير عليه أم ولد له ويلزمه مهرها وولده يعتق على جده لأنه ابن ابنه إذا قلنا إن ولده من الزنا يعتق على ابنه وتحرم الجارية على الأب على التأبيد ولا تجب بسبب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملكه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فإن استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنه وطء صادف ملكا وتصير أم ولد له لأنه استولد مملوكته فأشبه ما لو وطئ أمته المرهونة .
فصل : وإن زوج أمته ثم وطئها فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ويعزر قال أحمد Bه : يجلد ولا يرجم يعني أنه يعزر بالجلد لأنه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصنا فإن ولدها صارت أم ولده لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه .
فصل : ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو أخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فإن وطئها فلا حد عليه في أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر فإن ولدت فالولد حر ونسبه لاحق به وهي أم ولده وكذلك لو ملك أمة مجوسيه أو وثنيه فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد له تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك أم ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهنا أو توفيه عن دين الرهن وتنفسخ المضاربة فيها وإن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة والله أعلم .
مسألة : قال : وإذا علقت منه بحر في ملكه فوضعت بعض ما يستبين فيه خلق الإنسان كانت له بذلك أم ولد .
ذكر الخرقي لمصيرها أم ولد شروطا ثلاثة : أحدها : أن تعلق منه بحر فأما إن علقت منه بمملوك ويتصور ذلك في الملك في موضعين : أحدهما : في العبد إذا ملكه سيده وقلنا إنه يملك فإنه إذا وطئ أمته واستولدها فولده مملوك ولا تصير الأمة أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء أذن له سيده في التسري بها أو لم يأذن له والثاني : إذا استولد المكاتب أمته فإن ولده مملوك له وأما الأمة فإنه لا تثبت لها أحكام أم الولد في العتق بموته في الحال لأن المكاتب ليس بحر وولده منها ليس بحر فأولى أن لا تتحرر هي ومتى عجز المكاتب وعاد إلى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهي أمة قن كأمة العبد القن وهل يملك المكاتب بيعها والتصرف فيها ففيه اختلاف وذكر القاضي في موضع أنه لا يثبت فيها شيء من أحكام الاستيلاد ولا تصير أم ولد بحال وهذا أحد قولي الشافعي لأنها علقت بمملوك في ملك غير تام فلم يثبت لها شيء من أحكام الاستيلاد كأمة العبد القن وظاهر المذهب أنها موقوفة لا يملك بيعها ولا نقل الملك فيها فإن عتق صارت أم ولد تعتق بموته فيثبت لها من حرمة الاستيلاد وما يثبت لولدها من حرمة الحرية وقد نص أحمد Bه على منع بيعها ومفهوم كلام الخرقي ويحتمل الوجهين جميعا .
الشرط الثاني : أن تعلق منه في ملكه سواء كان وطء مباح أو محرم مثل الوطء في الحيض أو النفاس أو الصوم أو الإحرام أو الظهار أو غيره فأما إن علقت منه في غير ملكه لم تصر بذلك أم ولد سواء علقت منه بمملوك مثل أن يطأها في ملك غيره بنكاح أو زنا أو علقت بحر مثل أن يطأها بشبهة أو غر من أمة وتزوجها على أنها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها فبانت مستحقة فإن الولد حر ولا تصير الأمة أم ولد في هذه المواضع بحال وفيه وجه آخر أنه إن ملكها بعد ذلك صارت أم ولد وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في المسألة التي قبل هذه والمقصود بذكر هذه الشروط هاهنا ثبوت الحكم عند اجتماعها وأما انتفاؤه عند انتفائها فيذكر في مسائل مفردة لها .
الشرط الثالث : أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو تخطيط سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء أسقطته أو كان تاما قال عمر بن الخطاب Bه : إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطا وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه قال : أعتقها ولدها وإن كان ولدها سقطا قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أم الولد إذا أسقطت لا تعتق ؟ فقال : إذا تبين فيه يد أو رجل أو شيء من خلقه فقد عتقت وهذا قول الحسن و الشافعي وقال الشعبي : إذا تلبث في الخلق الرابع فكان مخلقا انقضت به عدة الحرة وأعتقت به الأمة ولا أعلم في هذا خلافا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد فإما إن ألقت نطفة أو علقة لم يثبت به شيء من أحكام الولادة لأن ذلك ليس بولد وروى يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قيل له ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة ؟ قال : تعتق وهذا قول إبراهيم النخعي وإن وضعت مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية تعلقت بها الأحكام لأنهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وإن لم يشهدن بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي إما بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان : إحداهما : لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له الغرة ولا الكفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي و الشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد Bه وظاهر كلام الحسن و الشعبي وسائر من اشترط أن يتبين شيء فيه خلق الإنسان لأنه لم يبن فيه شيء من خلق الآدمي أشبه النطفة والعلقة والثانية تتعلق به الأحكام الأربعة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله بن حامد رواية ثالثة وهو أن الأمة تصير بذلك أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة لأنه روي عن أحمد Bه في الأمة إذا وضعت فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه تحتاط في العدة بأخرى ويحتاط بعتق الأمة وظاهر هذا أنه حكم بعتق الأمة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة يحصل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزوج وحرمه الفرج فاحتيط بإبقائها وقال بعض الشافعية بالعكس لا تجب العدة ولا تصير أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه والأصل في الآدمي الحرية فتغلب ما يفضي إليها والله أعلم .
مسألة : قال : فإذا مات فقد صارت حرة وإن لم يملك غيرها .
يعني أن أم الولد تعتق رأس المال وإن لم يملك سواها وهذا قول كل من رأى عتقهن لا نعلم بينهم فيه خلافا وسواء ولدت في الصحة أو المرض لأنه حاصل بالتذاذه وشهوته وما يتلفه في لذاته وشهوته يستوي فيه حال الصحة والمرض كالذي يأكله ويلبسه ولأن عتقها بعد الموت وما يكون بعد الموت يستوي فيه المرض والصحة كقضاء الديون والتدبير والوصية ولا نعلم في هذه خلافا بين رأي عتقهن .
قال سعيد : حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن نافع قال : أدرك ابن عمر رجلان فقالا : إنا تركنا هذا الرجل يبيع أمهات الأولاد يعنيان ابن الزبير فقال ابن عمر : أتعرفان أبا حفص ؟ فإنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن ولا يوهبن يستمتع بها صاحبها فإذا مات فهي حرة .
وقال : حدثنا غياث عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال عمر Bه : ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ويموت إلا أعتقها إذا ولدت وإن كان سقطا .
فصل : ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر والعفيف والفاجر في هذا في قول أئمة أهل الفتوى من أهل الأمصار لأن ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر والعفيف والفاجر كالتدبير والكتابة ولأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في النسب استويا في حكمه وروى سعيد : حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني أن عمر بن الخطاب Bه قال في أم الولد إن أسلمت وأحصنت وعفت أعتقت وإن كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال : حدثنا هشيم أخبرنا يحيى عن أم ولد رجل ارتدت عن الإسلام فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز Bه وكتب عمر : بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها وإن كان مبنى عتق أمهات الأولاد على قول عمر وقد قال هذا القول فينبغي أن يختص العتق بمسلمة عفيفة دون الكفارة الفاجرة لانتفاء الدليل الذي ثبت به عتقهن والله أعلم .
مسألة : قال : وإذا صارت الأمة أم ولد بما وصفنا ثم ولدت من غيره كان له حكمها في العتق بموت سيدها .
وجملته أن أم ولد إذا ولدت بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج غيره فحكم ولدها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال أحمد Bه : قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما ولدها بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز Bه قال : هم عبيد فيحتمل أنه أراد أنه لا يثبت لهم حكم أمهم لأن الاستيلاد مختص بها فيختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل أنه أراد أنهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فيتبعها في سببه إذا كان متأكدا كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم ولد أولى لأن سبب العتق فيها مستقر ولا سبيل إلى إبطاله بحال فإن ماتت أم ولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد والعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل وإنما تثبت الحرية فيها أنها لم تبق محلا وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت فإنه يعود رقيقا لأن العقد يبطل بموتها فلم يبقى حكمه فيه وقد ذكرنا في هذا خلافا فيما تقدم وإن أعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت سيده وكذلك إن أعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتبة فقد قال أحمد و سفيان و إسحاق : المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة يتبعها في العتق إعتاق سيدها لأنه في حكم مالها يستحق كسبه فيتبعها إذا أعتقها كمالها ولأن إعتاقها يمنع أداءها بسبب من السيد فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة .
فصل : فأما ولد أم الولد قبل استيلاءها وولد المدبرة قبل تدبيرها والمكاتبة قبل كتابتها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في أمه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج هاهنا مثله وهو بعيد لأن الولد المنفصل لا يتبعها في عتق ولا بيع ولا هبة ولا رهن ولا شيء من الأحكام سوى الإسلام بشرط كونه صغيرا فكيف يتبع في التدبير ؟ ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيبقى بحاله