صحة الكتابة وأحكام الكتابة الفاسدة .
فصل : وإذا أوصى بأن يكاتب عبده صحت الوصية لأن الكتابة يتعلق بها حق الله تعالى وحق الآدمي فإذا أوصى به صح وتعتبر قيمته من ثلثه لأنه تبرع من جهته فإنه بيع ماله بماله فإن خرج من الثلث لزمهم كتابته ولا يعتبر مال الكتابة من ماله ذكر القاضي لأنه نماء ماله وفائدته ولأن الاعتبار بحاله الموت وهو لا يملك مال الكتابة ثم ينظر فإن عين مال الكتابة كاتبوه عليه سواء كان أقل من قيمته أو مثلها أو أكثر فإن لم يعينه كاتبوه على ما جرى العرف بكتابة مثله به والعرف أن يكاتب العبد بأكثر من قيمته لكون دينها مؤجلا ويجب رد ربعه إليه ويعتبر في ذلك رضا العبد لأن الكتابة لا تلزمه ولا يجوز إجباره عليها بخلاف ما لو وصى بعتقه فإنه يعتق ولا يقف على اختياره ولا رضاه فإن رد الوصية بطلت فإن عاد فطلبها لم تلزمه إجابته إليها لأن وصيته بطلت بالرد فأشبه الوصية بالمال وإن لم يكن ردها وجبت إجابته إليها وإذا أدى عتق وكان ولاؤه للموصى بكتابته كما لو وصي بعتقه فإن عجز فللوارث رده في الرق وإن لم يخرج من الثلث فإنه يكاتب منه ما خرج من الثلث وإن كان قد وصى بوصايا غير الكتابة لا تخرج من الثلث تحاصوا في الثلث وأدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية ويتخرج أن تقدم الكتابة بناء على الرواية التي يقدم العتق لأن الكتابة مقصودها العتق وتفضي إليه ويحتمل أن لا تقدم بحال لأن العتق تغليب وسراية ليس هو للكتابة وإفضاؤها إلى العتق لا يوجب تقديمها كما لو وصى لرجل بابنه فإنه لا يقدم مع أن القصد بوصيته العتق و يفضي إليه .
فصل : فإن قال : كاتبوا أحد رقيقي فللورثة مكاتبة من شاءوا منهم في أحد الوجهين وفي الآخر يكاتبون واحدا منهم بالقرعة وإن قال أحد عبيدي فكذلك إلا أنه ليس لهم مكاتبة أمة ولا خنثى مشكل لأنه لا يعلم كون الخنثى عبدا أو أمة وإن قال أحد الإماء فليس لهم مكاتبة عبد ولا خنثى مشكل كذلك وإن كان الخنثى غير مشكل وكان رجلا فلهم مكاتبته إذا قال كاتبوا أحد عبيدي وإن كان أنثى فلهم مكاتبته وإذا قال كاتبوا أحد إمائي لأن هذا عيب فيه والعيب لا يمنع الكتابة والله أعلم .
فصل : والكتابة الفاسدة أن يكاتبه على عوض مجهول أو عوض حال أو محرم كالخمر والخنزير فأما الشرط في الكتابة شرطا فاسدا فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط وتبقى الكتابة صحيحة ويتخرج أن يفسدها بناء على الشروط الفاسدة في البيع وهذا مذهب الشافعي .
وقد روى عن أبي عبد الله C ما يدل على أن الكتابة على العوض المحرم باطلة لا يعتق بالأداء فيها وهو اختيار أبي بكر فإنه قد روى عن أحمد Bه أنه قال : إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة فحكم بالعتق بالأداء إلا في المحرمة .
واختار القاضي أنه يعتق بالأداء كسائر الكتابات الفاسدة ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الأداء شرطا للعتق فقال : إذا أديت إلي فأنت حر فأدى إليه فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها لا بحكم الكتابة وأما غيرها من الكتابة الفاسدة فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام : أحدها : أنه يعتق بأداء ما كوتب عليه سواء صرح بالصفة فقال : إن أديت إلي فأنت حر أو لم يقل لأن معنى الكتابة يقتضي هذا فيصير كالمصرح به فيعتق بوجوده كالكتابة الصحيحة .
الثاني : أنه إذا عتق بالأداء لم تلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه ذكره أبو بكر وهو ظاهر كلام أحمد Bه وقال الشافعي Bه : يتراجعان فيجب على العبد قيمته وعلى السيد ما أخذه فيتقاصان بقدر اقلهما إن كانا من جنس واحد ويأخذ ذو فضله لأنه عقد معاوضة فاسدة فوجب التراجع فيه كالبيع الفاسد .
ولنا أنه عقد كتابة لمعاوضة حصل العتق فيها بالأداء فلم يجب التراجع فيها كما لو كان العقد صحيحا ولأن ما أخذه السيد فهو من كسب عبده الذي لم يملك كسبه فلم يجب عليه رده والعبد عتق بالصفة فلم تجب عليه قيمته كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر .
وأما البيع الفاسد فإنه إن كان بين هذا وبين سيده فلا رجوع على السيد بما أخذه وإن كان بينه وبين غيره فإنه أخذه ما لا يستحقه ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه بعقد المقصود منه المعاوضة وفي مسألتنا بخلافه .
الثالث : أن المكاتب يملك التصرف في كسبه لأن عقد الكتابة تضمن الإذن في ذلك وله أخذ الصدقات والزكوات لأن مكاتب يعتق بالأداء فملك ذلك كما في الكتابة الصحيحة الرابع : أنه إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى أحدهم حصته عتق على قول من قال : إنه يعتق في الكتابة الصحيحة بأداء حصته لأن معنى العقد أن كل واحد منهما مكاتب بقدر حصته متى أدى كل واحد منهما قدر حصته فهو حر ومن قال لا يعتق في الصحيحة إلا أن يؤدي الجميع فهاهنا أولى وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام : أحدها أن لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها ورفعها سواء كان ثم صفة أو لم تكن وهذا قول أصحاب الشافعي Bه لأن الفاسد لا يلزم حكمه والصفة هاهنا مبنية عليها بخلاف الصفة المجردة ولأن السيد لم يرضى بهذه الصفة إلا بأن يسلم له العوض المسمى فإذا لم يسلم كان له إبطالها بخلاف الكتابة الصحيحة فإن العوض سلم له فكان العقد لازما له .
الثاني : أن السيد إذا أبرأه من المال لم تصح البراءة ولا يعتق بذلك غير ثابت في العقد بخلاف الكتابة الصحيحة وجرى هذا مجرى الصفة المجردة في قوله إذا أديت إلي ألفا فأنت حر .
الثالث : أنه لا يلزم السيد أن يؤدي إليه شيئا من الكتابة لأن العتق هاهنا بالصفة المجردة فأشبه ما لو قال : إذا أديت إلى ألفا فأنت حر واختلف في أحكام أربعة : أحدها : في بطلان الكتابة بموت السيد فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها وهو قول الشافعي Bه لأنه عقد جائز من الطرفين لا يؤول إلى اللزوم فيبطل بالموت كالوكالة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة والصفة تبطل بالموت فكذلك هذه الكتابة وقال أبو بكر : لا تبطل بالموت ويعتق بالأداء إلى الوارث وهو قول أبي حنيفة وهو قول أبي حنيفة Bه لأنه مكاتب يعتق بالأداء إلى السيد فيعتق بالأداء إلى الوارث كما في الكتابة الصحيحة ولأن الفاسدة كالصحيحة قي باب العتق بالأداء وفي أن الولد يتبعه فكذلك في هذا .
والثاني : في بطلانها بجنون السيد والحجر عليه لسفه والخلاف فيه في بطلانها بموته والأول أنها تبطل هاهنا لأن الصفة المجردة لا تبطل بذلك والمغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة فلا تبطل به فعل هذا لو أدى إلى سيده بعد ذلك عتق وعلى قول من أبطلها لا يعتق .
الثالث : أن ما في يد المكاتب وما يكسبه وما يفضل في يده بعد الأداء له دون سيده في قول القاضي ومذهب الشافعي Bه لأنها كتابة يعتق بالأداء فيها فكان هذا الحكم ثابتا فيها كالصحيحة وقال أبو الخطاب : ذلك لسيده في الموضعين لأن كسب العبد لسيده بحكم الأصل والعقد هاهنا فاسد لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته فلم ينقل الملك في العوض كسائر العقود الفاسدة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة وهي لا تثبت الملك له في كسبه فكذا ههنا وفارقت الكتابة الصحيحة فإنها تثبت في الملك في العوض فأثبته في المعوض الرابع : هل يتبع المكاتبة ولدها ؟ قال أبو الخطاب : فيه وجهان : أحدهما : يتبعها لأنها كتابة يعتق فيها بالأداء فيعتق ولدها كالكتابة الصحيحة والثاني : لا يتبعها وهو أقيس وأصح لما ذكرنا في الذي قبله ولأن الأصل بقاء الرق فيه فلا يزول إلا بنص أو معنى نص وما وجد واحد منهما ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم فيبقى على الأصل والله أعلم