حكم ما لو كانت بين شريكين فكاتبها فوطئها أحدهما أو كلاهما وحكم الولد إذا كان ولد .
فصل : إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ لمكاتبته الخالصة له لأن الوطء هاهنا حرم من وجهين الشركة والكتابة فهو آكد وإثمه أعظم وأدبه أكثر وعليه مهر مثلها على ما أسلفنا فيما إذا كان السيد واحدا فإن لم يكن حل نجم قبضت المهر فإذا حل نجمها سلمته إليهما وإن حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسبت على الواطئ بالمهر وإن لم يكن في يدها شيء وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر وإن لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضا عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وإن لم يتفقا قبضته ودفعته مما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وإن عجزت فسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وإن لم يكن في يدها شيء للذي لم يطأ أن يرجع على الواطئ بنصفه لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فإن حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها موسرا كان معسرا إلا أنه إن كان موسرا أداه في الحال وإن كان معسرا فهو في ذمته وهذا ظاهر كلام الخرقي ذكر مثل هذا في باب العتق فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ ومكاتبته له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقى من كتابتها وتعتبر قيمتها بما تساوي مكاتبته مبقاة على ما بقي عليها من كتابتها واختار القاضي أنه إن كان معسرا لم يسر الإحبال لأنه بمنزلة الإعتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له إلا حكم الكتابة فإن أدت إليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد وإن عجزت وفسخا الكتابة ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وإن كان موسرا لأنه ليس بمعتق وإن مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتبا وإن كان الواطيء موسرا فقد ثبت لنصفها حكم الإستيلاد ونصفها الآخر موقوف فإن أدت إليهما عتقت كلها وولاؤها لهما وإن عجزت وفسخا الكتابة قومناها حينئذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه وتصير جميعها أم ولد فإن مات عتقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر أنها تقوم على الموسر وتبطل الكتابة في نصف الشريك وتصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتبا للواطئ فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه وعتق جميعها .
وإن عجزت ففسخ الكتابة كانت أم ولد له خاصة فإذا مات عتقت كلها .
ولنا أن بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسرا يحقق هذا أن الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فيجب أن يثبت ذلك لجميعها ويفارق الإعتاق فإنه أضعف على ما بيننا من قبل .
ولنا على أن الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو استولدها وهي في ملكه وكما لو لم تحبل منه فأما الولد فإنه حر لأنه من وطء فيه شبهة ونسبه لاحق به وكذلك ولا يلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه .
وروي عن أحمد في هذا روايتان : أحداهما : لا تجب قيمته لأن نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمه فلم يضمنه والثانية : عليه نصف قيمته لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه فقد تلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته وقال القاضي : هذه الرواية أصح على المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر واختار أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على الواطئ وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فإن ادعى الواطئ الاستبراء وأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لأنا تبينا أنها كانت حاملا وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء .
فصل : وإن وطئاها جميعا فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها فإن كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وإن كانت بكرا حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فإن كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وإن كان النجم قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فإن أدت إليهما عتقت وكان لهما المطالبة بالمهرين وإن عجزت عن نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين لم يملك أحدهما مطالبة الآخر بشيء لأنها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فإن كانا في يدها اقتسماهما وإن تلفا أو بعضهما فلاشيء لهما لأن السيد له دين على مملوكه وإن كان الفسخ قبل قبض المهرين وهما سواء سقط عن كل واحد ما عليه وإن كان أحدهما أكثر من الآخر تقاص منهما بقدر أقلهما على الآخر بنصف الزيادة وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر رجع المقبوض منه على الآخر بنصف ما عليه وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر أو قبضت من أحدهما أكثر من الآخر رجع من قبض منه الأكثر على الأخر بنصف الزيادة التي أداها وإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لأن الإفضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فوجب في الأمة ثلث قيمتها مع المهر .
فصل : ويحتمل أن يلزمه في الإفضاء قدر نقصها وقال القاضي : تلزمه قيمتها وهو مذهب الشافعي والخلاف في ذلك فرع على الواجب في لإفضاء الحرة وقد ذكرناه فإن فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الآخر بنصف قيمة الإفضاء على الخلاف الذي ذكرناه وإن ادعى كل واحد منهما على الآخر أنه الذي أفضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وإن نكل أحدهما قضي عليه وإن كان الخلاف في ذلك قبل عجزها فادعت على أحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن دعت على أحدهما غير معين لم تسمع الدعوى .
فصل : فإن أولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير أم ولد له وولده حر لاحق النسب به والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفراد بإيلادها سواء .
وأما الثاني : فعلى قول الخرقي قد وطئ أم ولد غيره بشبهة فلا تصير أو ولد له لأنها مملوكة غيره فأشبه ما لو باعها ثم أولدها وعليه مهرها لها لأن الكتابة لم تبطل الولد حر لأنه من وطء شبهة وعليه قيمته للأول لأنه فوت رقه عليه فكان من سبيله أن يكون رقيقا له حكمه حكم أمه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الأول خلافا فإن قلنا بوجوبها تقاصا بما كنا لكل لواحد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لأنها أول حال أمكن التقويم فيها وذكر القاضي في هذه المسألة أربعة أحوال : .
أحدها : أن يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا إلا أنه جعل المهر الواجب على الثاني للأول وهذا مذهب الشافعي ولا يصح لأن الكتابة لا تبطل في الاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولأن سيدها لو وطئها لوجب عليه المهر فلأن لا يملك المهر واجب على غيره أولى ولأنه عوض نفعها فكان لها كأجرتها .
الثاني : أن يكون الأول موسرا والثاني معسرا فيكون كالحال الذي قبله سواء قال القاضي : إلا أن ولده يكون مملوكا لإعساره بقيمته وهذا غير صحيح لأن الولد لا يرق لإعسار والده بدليل ولد المغرور من أمة والوطء بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالإعسار واليسار وإنما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية إنما هو لأجل الشبهة في الوطء فلا وجه لاعتبار اليسار فيه والصحيح أنه حر وتجب قيمته في ذمة أبيه .
الحال الثالث : أن يكونا معسرين فإنها تصير أم ولد لهما جميعا نصفها أم ولد للأول ونصفها أم ولد للثاني قال : وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان : أحدهما : أن يكون كله حرا وفي ذمة أبيه ونصف قيمته لشريكه .
والثاني : نصفه حر وباقيه عبد لشريكه إلا أن نصف ولد الأول عبد قن لأنه تابع للنصف الباقي من الأم وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لأنه ولد منها بعد أن ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للأول فكان نصفه الرقيق تابعا لها في ذلك ولعل القاضي أراد ما إذا عجزت وفسخت الكتابة فأما إذا كانت باقية على الكتابة فإن لها المهر كاملا على كل واحد منهما وإذا حكم برق نصف ولدها وجب أن يكون له حكمها في الكتابة لأن ولد المكاتبة يكون تابعا لها .
الحال الرابع : أن يكون الأول معسرا والثاني موسرا فحكمه حكم الثالث سواء إلا أن ولد الثاني حر لأن الحرية ثبتت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعليه نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الأم لأن نصفها أم ولد للأول ولو صح هذا لوجب أن لا يقوم عليه نصف الولد لأن حكمه حكم أمه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الأم منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذه المسألة قريب مما ذكر القاضي .
فصل : وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لأنه يقول صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لأنه يقول : أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي وهل يكون مقرا له بنصف قيمة ولده ؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين لواحد منهما على صاحبه لأنه يقول لي عليك مثل ما لك علي والجنس واحد فتساقطا وإن زاد ما يقر به فلا شيء عليه لأن خصمه يكذبه في إقراره وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لإقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه .
وقال أبو بكر في الأمة قولان أحدهما : يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع له والثاني تكون أم ولد لهما ولا يطئوها واحد منهما قال : وبالأول أقول وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شيء منها بموت الأول لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر وأما إذا مات الآخر عتقت لأن سيدها قد مات يقينا وإن كانا معسرين فكل واحد منهما مقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر يصدقه فيتقاصان إن تساويا وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت فإن كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وإن كان كل واحد منهما يقر للآخر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان أحدهما : يكون حرا فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد والوجه الثاني : نصفه حر فيقر بأنه نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولدان بينهما من غير يمين وعلى الوجه الأول يتقاصان إن تساوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين فأيهما مات عتق نصيبه وولاؤه له وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر يقر للمعسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستوائهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لأنه ادعى عليه جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه .
فأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيها يتنازعانه فإن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته فإذا مات المعسر عتق باقيها وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجيء على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه .
فصل : فإن وطئاها معا فأتت بولد لم يخل من ثلاثة أقسام : أحدها : أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما أو قبل مضي ستة أشهر منذ وطئها كل واحد منهما فإن الولد منفي عنهما وهو مملوك هما حكمه حكم أمه في العتق بأدائها وإذا ادعى كل واحد منهما الاستبراء منه قبل منه لأن دعوى الاستبراء في الأمة كاللعان في الحرة .
القسم الثاني : أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك وأما الذي لم تحبل من وطئه فإن كان الأول فعليه المهر لها وإن كان هو الثاني فقد وطئ أم ولد غيره فإن كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضا وإن كانت الكتابة قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الأول نصف قيمتها وفي قيمة نصف الولد روايتان : فإن كان المهرللأول تقاصا بقدر أقل الحقين وإن كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم : الحكم في الأول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطء على ما مضى من التفضيل والتطويل .
وأما الثاني فإن وطئها بعد ولادتها من الأول نظرنا فإن وطئها بعد الحكم بكونها أم ولد للأول فعليه مهر مثلها فإن كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لأنها أم ولده وإن كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وإن وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للأول سقط عنه نصف مهرها لأن نصفها قن له وعليه النصف لها إن لم يكن الأول فسخ الكتابة أو له إن كان فسخ وإن كان الأول معسرا فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما إن كان الولد من الثاني فالحكم في وطء الأول كالحكم فيه إذا وطئ منفردا فلم يحبلها .
وأما الثاني فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فأن فسخا الكتابة قومناهم عليه وصارت أم ولد له وإن رضي الثاني بالمقام على كتابة قومنا عليه نصيب الأول وصارت كلها أم ولد له ونصفها مكاتب ويرجع الأول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على إحدى الروايتين ورجع الثاني على الأول بنصف المهر فيتقاصان به إن كان باقيا عليهما وإن كان الثاني معسرا فالحكم فيه كما ولدت من الأول وكان معسرا لا فضل بين المسألتين .
القسم الثالث : أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما فإنه يرى القافة معهما فيلحق بمن ألحقوا به منهما فمن ألحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة