فيما لو عجلت الكتابة قبل محلها .
مسألة : قال : وإن عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق من وقته في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله C والرواية الأخرى إذا ملك ما يؤدي وقد صار حرا الكلام في هذه المسألة في فصلين : .
الفصل الأول : فيما إذا عجل المكاتب الكتابة قبل محلها فالمنصوص عن أحمد أنه يلزم قبولها ويعتق المكاتب وذكر أبو بكر في رواية أخرى أنه لا يلزم قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرضى في زواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبله والصحيح في المذهب الأول وهو مذهب الشافعي إلا أن القاضي قال : أطلق احمد و الخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلا مؤنه في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فإن أختل أحد هذه الأمور لم يلزم قبضه مثل أن يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فإنه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصودة وإن كان مما يكون حديثه خيرا من قديمه لم يلزمه أيضا أخذه لأنه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضا لأنه يحتاج في إبقائه إلى وقت المحل إلى موته فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا أن البلد مخوف يخاف نهبه لم يلزمه أخذه لأن في أخذه ضررا لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو موضع يتضرر بقبضه فيه لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب ببذله .
قال القاضي : والمذهب عندي أن في قبضه تفصيلا على حسب ما ذكرناه في السلم ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضيه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتمادا على إطلاق أحمد القول في لك وهو ظاهر إطلاق الخرقي لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم أن رجلا أتى عمر Bه فقال : يا أمير المؤمنين إني كاتبت على كذا وكذا وإني أيسرت بالمال فأتيته به فزعم أنه لا يأخذه إلا نجوما فقال عمر Bه يا يرفا خذ هذا المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجومافي كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال وعن عثمان بنحو هذا .
ورواه سعيد بن منصور في سننه عن عمر وعثمان جميعا قال : حدثنا هشيم عن ابن عوف عن محمد بن سيرين أن عثمان قضى بذلك ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاطه حقه فسقط كسائر الحقوق فإن قيل إذا علق عتق عبده فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق فكذلك إذا قال إذا أديت إلى ألفا في رمضان فأداه في شعبان لم يعتق قلنا تلك الصفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء العوض فافترقا وكذلك لو أبرأه من العوض في المكاتبة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق والأولى إن شاء الله ما قاله القاضي في أن ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضيه العقد وخبر عمر Bه لا دلاله فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولأن أصحابنا قالوا : لو لقيه في بلد آخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنه حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وإن لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا هاهنا وكلام أحمد C محمول على ما إذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي و أبي بكر .
فصل : إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد : هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فإن اقر به لم يلزم السيد قبوله لأنه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وإن أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لأن له حقا في أن لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن من أن يرجع صاحبه عليه به وإن لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فإن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضا وإن حلف قيل للسيد إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فإن قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فإن ادعى أنه حرام مطلقا لم يمنع منه لأنه لا يقر به لأحد وإنما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه إن ادعاه لأن قوله وإن لم يقبل في حق المكاتب فإنه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده يقبل قوله عليه فإن انتقل إليه بسبب من الأسباب لزمته حريته وإن أبرأه من مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق له عليه حق وإن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما .
رويناه عن عمر وعثمان في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه .
فصل : وإذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وإن كاتبه على دراهم لم يلزمه أخذ الدنانير ولا العروض ولإن كاتبه على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وإن كاتبه على نقد وأعطاه من جنسه خيرا منه وكان ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتبه عليه لزمه أخذه لأنه زاده خيرا وإن كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه ضررا .
الفصل الثاني : إذا ملك ما يؤدي فالصحيح أنه لا يعتق حتى يؤدي روي ذلك عن عمر وابنه وزيد وعائشة رضى الله عنهم فإنهم قالوا : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد Bه رواية أخرى أنه إذا ملك ما يؤدي عتق لما روى سعيد قال : حدثنا سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أن النبي A قال [ إذا كان لأحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ] ورواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه مالك لوفاء مال الكتابة أشبه ما لو أداه فعلى هذه الرواية يصير حرا بملك الوفاء فمتى امتنع منه أجبره الحاكم عليه وإن هلك ما في يديه قبل الأداء صار دينا في ذمته وقد صار حرا ووجه الرواية الأولى ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وقوله [ أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد ] رواه سعيد وفي رواية [ من كاتب عبده على مائة أوقية فاداها إلا عشر أواق أو قال عشرة .
دراهم ثم عجز فهو رقيق ] ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ولأنه عتق علق بعوضه فلم يعتق قبل أدائه كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر فعلى هذه الرواية إن أدى عتق وإن لو يؤد لم يعتق فإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر : يؤديه الإمام منه ولا يكون ذلك عجزا ولا يملك السيد الفسخ وهو قول أبي حنيفة ويحتمل كلام الخرقي أنه لم يؤد عجزه السيد إن أحب فإنه قال : إذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب ونحوه قال الشافعي فإنه قال : إن شاء عجز نفسه وامتنع من الأداء ووجه أن العبد لا يجبر على اكتساب ما يؤديه في الكتابة فلا يجبر على الأداء كسائر العقود الجائزة ووجه الأول أنه يثبت للعقد استحقاق الحرية بملك ما يؤدي فلم يملك إبطالها كما لو أدى فإنه تلف المال قبل أدائه جاز بعجزه واسترقاقه وجها واحدا