حكم ما لو كاتب عبده أو أمته على أنجم .
مسألة : قال : وإذا كاتب عبده أو أمته على أنجم فأديت الكتابة فقد صار العبد حرا وولاؤه لمكاتبه .
في هذه المسألة ثلاث فصول : .
الفصل الأول : إن ظاهر هذا الكلام أن الكتابة لا تصح حالة ولا تجوز إن مؤجلة منجمة وهو ظاهر المذهب وبه قال الشافعي و قال مالك و أبو حنيفة : تجوز حالة لأنه عقد على عين فإذا كان عوض في الذمة جاز أن يكون حالا كالبيع .
ولنا أنه روي عن جماعة من الصحابة Bهم أنهم عقدوا الكتابة ولم ينقل عن واحد منهم أنه عقدها حالة ولو جاز ذلك لم يتفق جميعهم على تركه ولأن الكتابة عقد معاوضة يعجز عن أداء عوضها في الحال فكام من شرطه التأجيل كالسلم على أبي حنيفة ولأنها عقد معاوضه يلحقه الفسخ من شرطه ذكر العوض فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض لم يصح كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند محله ويفارق البيع لأنه لا يتحقق فيه العجز عن العوض لأن المشتري يملك المبيع والعبد لا يملك شيئا وما في يده لسيده وفي التنجيم حكمتان أحدهما : ترجع إلى المكاتب وهي التخفيف عليه لأن الأداء مفرقا أسهل ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة تخفيفا عليهم .
والأخرى : للسيد وهي أن مدة الكتابة تطول غالبا فلو كانت على نجم واحد لم يظهر عجزه إلا في آخر المدة فإذا عجز عاد إلى الرق وفاتت منافعه في مدتة الكتابة كلها على السيد من غير نفع حصل له وإذا كانت منجمة نجوما فعجز عن النجم الأول فمدته يسيرة وإن عجز عما بعده فقد حصل للسيد نفع بما أخذه من النجوم قبل عجزه وإذا ثبت هذا فأقله نجمان فصاعدا وهذا مذهب الشافعي .
ونقل عن أحمد أنه قال : من الناس من يقول نجم واحد ومنهم من يقول نجمان ونجمان أحب إلى وهذا يحتمل أن يكون معناه إني أذهب إلى أن لا يجوز إلا نجمان ويحتمل أن يكون المستحب نجمين ويجوز نجم واحد .
قال ابن أبي موسى : وهذا على طريق الاختيار وان جعل المال كله في نجم واحد جاز لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز أن يكون إلى أجل واحد كالسلم ولأن اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض وهذا يحصل بنجم واحد .
ووجه الأول ما روي عن علي Bه أنه قال : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وهذا يقتضي أن هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة لأن أكثر من نجمين يجوز بالإجماع .
وروي عن عثمان Bه أنه غضب على عبد له فقال : لأعاقبنك ولأكاتبنك على نجمين ولو كان يجوز أقل من هذا لعاقبه به في الظاهر .
وفي حديث بريرة أنها أتت عائشة Bها فقالت : يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ولأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم نجم إلى نجم فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين والأول أقيس ولا بد أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر ما يؤديه ولا يشترط تساوي النجوم ولا قدر المؤدى في كل نجم فإذا قال : كاتبتك على ألف إلى عشر سنين تؤدى عند انقضاء كل سنة مائة أو قال تؤدي منها مائة عند انقضاء خمس سنين وباقيها عند تمام العشرة أو قال تؤدى في آخر العام الأول مائة وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة فكل هذا جائز وإن قال : تؤدى في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة وظاهر قول القاضي وأصحاب الشافعي أنه لا يصح لأنه لم يتبين وقت الأداء من العام .
ولنا أن بريرة قالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية ولأن الأجل إذا علق بمدة تعلق بأحد طرفيها فإن كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وإن كان بحرف في كان إلى آخرها لأنه جعل جميعها وقتا لأدائها فإذا أدى في آخرها كان مؤديا لها في وقتها فلم يتعين عليه الأداء قبله كتأدية الصلاة في آخر وقتها فإن قال يؤديها في عشر سنين أو إلى عشر سنين لم يجز لأنه نجم واحد ومن أجاز الكتابة على نجم واحد أجازه وإن قال : يؤدي بعضها في نصف المدة وباقيها في آخرها لم يجز لأن البعض مجهول يقع على القليل والكثير .
الفصل الثاني : أنه إذا كاتبه على أنجم مدة معلومة صحت الكتابة وعتق بأدائها سواء نوى بالكتابة الحرية أو لم ينوي وسواء قال : إذا أديت إلي فأنت حر أو لم يقل وبهذا قال أبو حنيفة .
وقال الشافعي : لا يعتق حتى يقول : إذا أديت إلي فأنت حر وينوي بالكتابة الحرية ويحتمل في مذهبنا مثل ذلك لأن الكتابة يحتمل المخارجة ويحتمل العتق بالأداء فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر ككنايات العتق .
ولنا أن الحرية موجب عقد الكتابة فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه ولأن الكتابة عقد وضع للعتق فلن يحتج إلا لفظ العتق ولا نيته كالتدبير ما ذكروه من استعمال الكتابة في المخارجة إن ثبت فليس بمشهور فلم يمنع وقوع الحرية به كسائر الألفاظ الصريحة على أن الفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه كلفظ التدبير في معاشه أو غير ذلك وهو صريح في الحرية فهاهنا أولى .
الفصل الثالث : أنه لا يعتق قبلا أداء جميع الكتابة قال أحمد في عبد بين رجلين كاتباه على ألف فأدى تسع مائة ثم أعتق أحدهما نصيبه ؟ قال : لا يعتق إلا نصف المائة .
وقد روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة و سعيد بن المسيب و الزهري أنهم قالوا : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه عنهم الأثرم وبهذا قال القاسم و سالم و سليمان بن يسار و عطاء و قتادة و الثوري و ابن شبرمه و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أم سلمة .
وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال : كن أزواج النبي A لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار وبإسناده عن عطاء أن ابن عمر كاتب غلاما على ألف دينار فأدى إليه تسع مائة دينار وعجز عن مائة دينار فرده ابن عمر في الرق وذكر أبو بكر والقاضي و أبو الخطاب أنه إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن ربعها عتق لأنه يجب رده إليه فلا يرد إلى الرق بعجزه عنه لأنه عجز عن أداء حق هو له لا حق للسيد فلا معنا لتعجيزه فيما يجب رده إليه وقال علي Bه : يعتق منه بقدر ما أدى لما روى ابن عباس عن النبي A أنه قال [ إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراث ورث بحساب ما عتق منه ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وروي عن عمر وعلي Bهما أنه إذا أدى الشرط فلا رق عليه وروي ذلك عن النخعي وقال عبد الله بن مسعود Bه : إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وقضى به شريح وقال الحسن في المكاتب : إذا عجز استسعى بعد العجز سنتين .
ولنا ما روى سعيد ثنا هشيم عن حجاج عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله A قال [ أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق ] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن رسول الله A قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] رواه أبو داود ولأنه عوض عن المكاتب فلا يعتق قبل أدائه كالقدر المتفق عليه ولأنه لو أعتق بعضه لسرى إلى باقيه كما لو باشره بالعتق فإن العتق لا يتبعض في الملك فأما حديث ابن عباس فمحمول على المكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بكتابته وأنكر الآخر فادى إلى المقر أو ما أشبهها من الصور جمعا بين الأخبار وتوفيقا بينهما وبين القياس ولأن قول لنبي A [ إذا كان لأحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] دليل على اعتبار جميع ما يؤدي ويجوز أن يتوقف العتق على أداء الجميع وإن جاز رد بعضه إليه كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لله على رد ربعها إليك فإنه لا يعتق قبل أداء جميعها وإن وجب عليه رد بعضها