حكم ما لو قال لعبده أنت حر بعد موتي .
فصل : فإن قال أنت حر بعد موتي بشهر أو قال بيوم فقال أحمد في رواية مهنا : لا يعتق ولا تصح هذه الصفة وقال أيضا : سألت أحمد عن رجل قال لعبده أنت حر بعد موتي بشهر بألف درهم فقال : هذا كله لا يكون شيئا بعد موته وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى فيها رواية أخرى أنه يعتق إذا وجدت الصفتان الموت ومضي المدة المذكورة وبهذا قال الثوري و أبو يوسف و إسحاق ووجه الروايتين ما تقدم وقال أصحاب الرأي لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال يعتق يكون فبل الموت ملكا للوارث وكسبه له كأم الولد في حياة السيد وإن كان أمة فولدت قبل وجود الصفة فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود كما تعتق هي .
فصل إذا قال لعبده : إذا قرأت القرآن فأنت حر بعد موتي فقرأ القرآن جميعه صار مدبرا وإن قرأ بعضه لم يصر مدبرا وإن قال : إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ بعض القرآن صار مدبرا لأنه في الأولى عرفه واللام المقتضية للاستغراق فعاد إلى جميعه إلى جميعه وههنا نكره فاقتضى بعضه فإن قيل فقد قال الله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال { إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } ولم يرد جميعه قلنا قضية اللفظ تتناول جميعه لأن الألف واللام للاستغراق وإنما حمل على بعضه بدليل فلا يحمل على البعض في غير ذلك الموضع بغير دليل ولأن قرينة الحال تقتضي قراءة جميعه لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه في قراءة القرآن بتعلق الحرية ومجازاته على قراءته بالحرية والظاهر أنه لا يجازي بهذا الأمر الكثير ولا يرغب به إلا فيما يشق أما قراءته آية أو آيتين فلا .
فصل : فإن قال لعبده إن شئت فأنت حر بعد موتي أو إذا شئت أو متى شئت أو أي وقت شئت فأنت حر بعد موتي فهو تدبير بصفة فمتى شاء في حياة سيده صار مدبرا يعتق بموت سيده كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياته وإن مات السيد قبل مشيئة بطلت الصفة كما لو مات في المسألة الأخرى قبل دخول الدار وإن قال متى شئت بعد موتي فأنت حر أو أي وقت شئت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للعتق على صفة بعد الموت وقد ذكرنا أنه لا يصح وأن قول القاضي صحته فعلى قوله يكون ذلك على التراخي فمتى شاء بعد الموت سيده عتق وما كان له من كسب قبل مشيئته فهو لورثة سيده لأنه عبد قبل ذلك التراخي بخلاف الموصى به فإن كسبه قبل القبول وجهين : .
أحدهما : أنه يكون للموصي له لأننا تبينا أنه ملكه من حين الموت وههنا لا يثبت الملك قبل المشيئة وجها لوجه لأنه عتق معلق على شرط فلا يثبت العتق قبل الشرط وجه واحدا وذكر القاضي في قوله : إذا شئت أو إن شئت فأنت حر بعد موتي أنه على الفور فإن شاء في المجلس صار مدبرا وإن تراخت المشيئة عن المجلس بطلت لم يصر مدبرا بالمشيئة بعده بناء على قوله : اختاري نفسك فإن الاختيار يقف على المجلس وهذا في معناه وإن قال : إن شئت بعد موتي أو إذا شئت بعد موتي فأنت حر كان على الفور أيضا فمتى شاء عقب موت سيده أو في مجلس صار حرا وإن تراخت مشيئته عن المجلس لم يثبت فيه حرية وقد ذكر في الطلاق أنه إذا قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فشاءا معا وقع الطلاق سواء شاءا على الفور أو التراخي أو شاء على الفور والآخر على التراخي وهذا مثله فخرج في كل مسألة مثل ما ذكر في الأخرى .
فصل : إذا قال لعبده : إذا مت فأنت حر أولا ؟ أو قال فأنت حر ؟ أو لست بحر ؟ لم يصر مدبرا لأنه استفهام ولم يقطع بالعتق فأشبه ما لو قال لزوجته أنت طالق ؟ وقد ذكرنا في الطلاق .
فصل : وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه لم يسر التدبير إلى نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا وذكر أبو الخطاب وجها انه يسري تدبيره إذا كان موسرا ويقوم عليه نصيب شريكه و للشافعي قولان كالمذهبين .
ولنا أنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه آكد ولهذا يعتق من جميع المال ولو قتلت سيدها لم يبطل حكم استيلادها ولا يجوز بيعها والمدبر بخلاف ذلك فعلى هذا إن مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث وهو يسري إلى نصيب شريكه إن كان موسرا ؟ فيه روايتان ذكرهما الخرقي في غير هذا الموضع وإن أعتق الشريك نصيبه قبل موت المدبر وهو موسر عتق وسرى إلى نصيب المدبر .
وذكر القاضي و أبو الخطاب فيها وجهين و للشافعي فيها قولان : أحدهما : كقولنا والثاني لا يسري عتقه وهو قول أبي حنيفة لأن المدبر قد استحق الولاء على العبد بموته فلم يكن للآخر إبطاله .
ولنا قوله E [ من أعتق شركا له في عبد فكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ] ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء فالولاء أولى وما ذكروه لا أصل له ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة