فيما يصح العتق منه وما لا يصح .
فصل : فإن قال لأمته أنت حرام على ما ينوي به العتق عتقت وذكر أبو الخطاب أن فيها رواية أخرى لا تعتق كقوله لها أنت طالق والصحيح أنها تعتق به لأنه يحتمل : أنت حرام علي لكونك حرة فتعتق به كقوله : لا سبيل لي عليك .
فصل : ويصح العتق من كل من يجوز تصرفه في المال وهو العاقل الرشيد سواء كان مسلما و ذميا أو حربيا ولا نعلم في هذا خلافا إلا عن أبي حنيفة ومن وافقه في أن عتق الحربي لا يصح لأنه لا ملك له على التمام بدليل إباحة أخذه منه وانتفاء عصمته في نفسه وماله .
ولنا أنه يصح طلاقه فصح إعتاقه كالذمي ولأنه مالك بالغ عاقل رشيد فصح إعتاقه كالذمي وقولهم لا ملك له لا يصح فإنهم قد قالوا : أنهم يملكون أموال المسلمين بالقهر فلأن يثبت لهم في غير ذلك أولى .
فصل : ولا يصح من غير جائز التصرف فلا يصح عتق الصبي والمجنون قال ابن المنذر هذا قول عامة أهل العلم وممن حفظنا عنه ذلك الحسن و الشعبي و الزهري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لقول النبي A [ رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ] ولأنه تبرع في المال فلم يصح منهما كالهبة ولا يصح عتق السفيه المحجور عليه وهو قول القاسم بن محمد وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يصح عتقه قياسا على طلاقه وتدبيره .
ولنا أنه محجور عليه في ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبي ولأنه تصرف في المال في حياته فأشبه بيعه وهبته ويفارق الطلاق لأن الحجر عليه في ماله والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التدبير لأنه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت ولهذا صحت وصيته ولم تصح هبته المنجزة وعتق السكران مبني على طلاقه وفيه من الخلاف ما فيه ولا يصح عتق المكره كما لا يصح طلاقه ولا بيعه ولا شيء من تصرفاته .
فصل : ولا يصح العتق من غير المالك فلو أعتق عبيد ولده الصغير أو يتيمه الذي في حجره لم يصح وبهذا قال الشافعي و ابن المنذر وقال مالك : يصح عتق عبد ولده الصغير لقوله A [ أنت ومالك لأبيك ] ولأن عليه ولاية وله فيه حق فصح إعتاقه كماله .
ولنا أنه عتق من غير مالك فلم يصح كإعتاق عبد ولده الكبير قال ابن المنذر : لما ورث الأب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائره .
وقوله A [ أنت ومالك لأبيك ] لم يرد به حقيقة الملك وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك وإمكان الأخذ من مالك وامتناع مطالبتك له بما أخذ منه ولهذا لا ينفذ إعتاقه لبد ولده الكبير الذي ورد الخبر فيه وثبوت الولاية له على مال ولده أبلغ من امتناع إعتاقه عبده ولأنه إنما أثبت الولاية عليه لحظ الصبي ليحفظ ماله عليه وينميه له ويقوم بمصالحة التي يعجز الصبي عن القيام بها وإذا كان المقصود الولاية الحفظ اقتضت منع التضييع والتفريط بإعتاقه رقيقه والتبرع بماله ولو قال رجل لعبد آخر : أنت حر من مالي فليس بشيء فإن اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شيء عليه وبهذا قال مالك و الشافعي وعامة الفقهاء ولو بلغ رجلا أن رجلا قال لعبده : أنت حر من مالي فقال : قد رضيت فليس بشيء وبهذا قال الثوري و إسحاق