حكم ما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته وشرائط ادعاء النكاح وحكم المرأة تدعي على زوجها النكاح وتذكر معه حقا من حقوق النكاح .
مسألة : قال أبو القاسم C : ومن ادعى زوجية امرأة فأنكرته ولم تكن له بينة فرق بينهما ولم يحلف .
وجملته أنه النكاح لا يستحلف فيه رواية واحدة ذكره القاضي وهو قول أبي حنيفة ويتخرج أن يستحلف في كل حق لآدمي وهو قول الشافعي و ابن المنذر ونحوه قول أبي يوسف ومحمد لقول النبي A [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] ولأنه حق لآدمي فيستحلف فيه كالمال ثم اختلفوا فقال أبو يوسف و ومحمد : يستحلف في النكاح فإن نكل ألزم النكاح وقال الشافعي : إن نكل ردت اليمين على الزوج فحلف وثبت النكاح .
ولنا أن هذا مما لا يحل بذله فلم يستحلف فيه كالحد يحقق هذا أن الابضاع مما يحتاط فيها فلا تباح بالنكول ولا به وبيمين المدعي كالحدود وذلك لأن النكول ليس بحجة قوية إنما هو سكوت مجرد يحتمل أن يكون لخوفه من اليمين أو للجهل بحقيقة الحال و للحياء من الحلف والتبذل في مجلس الحاكم ومع هذه الاحتمالات لا ينبغي أن يقضى به فيما يحتاط له ويمين المدعي إنما هي قول نفسه لا ينبغي أن يعطى بها أمرا فيه خطر عظيم وأثم كبير ويمكن من وطء امرأة يحتمل أن تكون أجنبية منه .
وأما الحديث فإنما تناول الأموال والدماء فلا يدخل النكاح فيه ولو دخل فيه كل دعوى لكان مخصوصا بالحدود فالنكاح في معناه بل النكاح أولى لأنه لا يكاد يخلو من شهود لكون الشهادة شرطا في انعقاده أو من اشتهاره فيشهد بالاستفاضة والحدود بخلاف ذلك إذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما ويحال بينه وبينها ويخلى سبيلها وإن قلنا أنها تحلف على الاحتمال الآخر فنكلت لم يقض بالنكول وتحبس في أحد الوجهين حتى تقر أو تحلف وفي الآخر يخلى سبيلها وتكون فائدة شرع اليمين التخوف والردع لتقر إن كان المدعي محقا تحلف فتبرأ إن كان مبطلا .
فصل : وإذا ادعى رجل نكاح امرأة احتاج إلى ذكر شرائط النكاح فيقول : تزوجتها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إن كانت ممن يعتبر رضاها وهذا منصوص الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك لا يحتاج إلى ذكر شرائطه لأنه نوع ملك فأشبه ملك العبد ألا ترى أنه لا يحتاج أن يقول : وليست معتدة ولا مرتدة ؟ .
ولنا أن الناس اختلفوا في شرائط النكاح فمنهم من يشترط الولي والشهود والمشهود ومنهم من لا يشترط ومنهم من يشترط إذن البكر البالغ لأبيها في تزويجها ومنهم من لا يشترطه وقد يدعي نكاحا يعتقده صحيحا والحاكم لا يرى صحته ولا ينبغي أن يحكم بصحته مع جهله بها ولا يعلم بها ما لم تذكر الشروط وتقوم البينة بها وتفارق المال فإن أسبابه تنحصر وقد يخفى على المدعي سبب ثبوت حقه والعقود تكثر شروطها ولذلك اشترطنا لصحة البيع شروطا سبعة وربما لا يحسن المدعي عدها ولا يعرفها والأموال مما يتساهل فيها ولذلك افترقا في اشتراط الولي والشهود في عقوده فافترقا في الدعوى وعدم العدة والردة لم يختلف الناس فيه والأصل عدمها ولا تختلف به الأغراض فإن كانت المرأة أمة والزوج حرا فقياس ما ذكرناه أنه يحتاج إلى ذكر عدم الطول وخوف العنت لأنهما من شرائط صحة نكاحها وأما إن ادعى استدامة الزوجية ولم يدع العقد لم يحتج إلى ذكر الشروط في أحد الوجهين يثبت في الاستفاضة ولو اشترط ذكر الشروط لاشترطت الشهادة به ولا يلزم ذلك شهادة الاستفاضة وفي الثاني يحتاج إلى ذكر الشروط لأنه دعوى نكاح فأشبه دعوى العقد .
فصل : وإن ادعت المرأة النكاح على زوجها وذكرت معه حقا من حقوق النكاح كالصداق والنفقة ونحوها سمعت دعواها بغير خلاف نعلمه لأنها تدعي حقا لها تضيفه إلى سببه فتسمع دعواها كما لو ادعت ملكا أضافته إلى الشراء وإن أفردت دعوى النكاح فقال القاضي : تسمع دعواها أيضا لأنه سبب لحقوق لها فتسمع دعواها فيه كالبيع وقال أبو الخطاب : فيه وجه آخر لا تسمع دعواها أيضا لأن النكاح حق للزوج عليها فلا تسمع دعواها حقا لغيرها فإن قلنا بالأول سئل الزوج فإن أنكر ولم تكن بينة فالقول قوله من غير يمين لأنه إذا لم تستحلف المرأة والحق عليها فلأن لا يستحلف من الحق له وهو ينكره أولى ويحتمل أن يستحلف لأن دعواها إنما سمعت لتضمنها دعوى حقوق مالية تشرع فيه اليمين وإن قامت البينة بالنكاح ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها فأما إباحتها له فيتبنى على باطن الأمر فإن علم أنها زوجته حلت له لأن إنكاره النكاح ليس بطلاق ولا نوى به الطلاق وإن علم أنها ليست امرأته إما لعدم العقد أو لبينونتها منه لم تحل له وهل يمكن منها في الظاهر ؟ يحتمل وجهين أحدهما : يمكن منها لأن الحاكم قد حكم بالزوجية والثاني : لا يمكن منها لإقراره على نفسه بتحريمها عليه فيقبل قوله في حق نفسه دون ما عليه كما لو تزوج امرأة ثم قال : هي أختي من الرضاعة فإذا ثبت هذا فإن دعواها النكاح كدعوى الزوج فيما ذكرنا من الكشف عن سبب النكاح وشرائط العقد ومذهب الشافعي قريب ما ذكرنا في هذا الفصل